لغة الخطاب في مجملها كانت "هادئة" تجنب فيه الشيخ تميم تصعيد المواقف رغم "المكاشفة" و"المصارحة" عن أسباب الأزمة، وتأكيده في الوقت ذاته على الجاهزية لحوار لحل "المشاكل العالقة" و"القضايا الخلافية"، وفق ثوابت سبق أن أعلنت عنها الدوحة وهي أن يكون حوار يحترم سيادتها، ولا يكون في صورة إملاءات. وقد حمل الخطاب رسائل موجهة لأربع أطراف، لكل من هذه الرسائل أهداف محددة، وهذه الأطراف هي :( الشعب القطري، الشعب الخليجي والعربي، المجتمع الدولي، الدول المقاطعة لقطر)، وبقدر تحقيق الأهداف من هذه الرسائل على الأطراف المستهدفة، يكون التأثير في حجم الأزمة. ويتوقع أن يحقق الخطاب أهدافه إلى حد كبير على 3 من 4 أطراف مستهدفة، فيما لا يتوقع أن يكون له تأثير مباشر على الدول المقاطعة لقطر ( الطرف الآخر في الأزمة)، وعليه فإن حجم تعاطي الأطراف الثلاثة الأخرى (الشعب القطري بقدرته على مواجهة الحصار ودعمه ومساندته لمواقف قيادته-، الرأي العام- بحجم تعاطفه مع مواقف أي طرف- المجتمع الدولي "الرسمي" عبر قدرته على الضغط لحل الأزمة والتحرك الجاد بحثا عن حل لها) مع الخطاب سيتأثر به الطرف الرابع (الدول المقاطعة لقطر)، لذا يتوقع أن يكون للخطاب تداعيات "غير مباشرة " على مسار الأزمة الخليجية. ** 4 دلالاتوبقراءة أكثر عمقا، يمكن القول أن هذا الخطاب يحمل أهمية خاصة لأكثر من سبب، الأول كونه أول خطاب لأمير قطر منذ بدء الأزمة الخليجية قبل نحو 47 يوما، كما أنه أول خطاب عن الأزمة من زعيم دولة طرف بالأزمة. أيضا يكتسب الخطاب أهميته من مضمونه وتوقيته، فمن حيث المضمون قدم الخطاب قراءة وتحليل أمير قطر لأسباب الأزمة ورؤيته لحلها ، ومن حيث التوقيت يأتي في وقت اقتربت فيه الأزمة الخليجية من أن تكمل شهرها الثاني، دون ملامح واضحة عن آفاق حلها، في ظل تمسك أطراف الأزمة بمواقفها. كذلك تأتي الأزمة في وقت يتعرض فيه المسجد الأقصى لحملة تصعيد غير مسبوقة، على خلفية إغلاق إسرائيل المسجد الأقصى، يوم الجمعة قبل الماضي (14 يوليو/تموز الجاري)، ومنع أداء الصلاة فيه، قبل أن تعيد فتحه جزئياً الأحد الماضي، لكن باشتراطها على المصلين الدخول عبر بوابات فحص إلكترونية، وهناك حاجة ماسة لتوحيد الجهد العربي والإسلامي لمواجهة ما يتعرض له الأقصى. ** 4 أهدافوبتحليل مضمون الخطاب فقد حمل الخطاب رسائل موجهة لأربع أطراف لتحقيق أهداف محددة، وهم :( الشعب القطري، الشعب الخليجي والعربي، المجتمع الدولي، الدول المقاطعة لقطر). كما وجه أمير قطر رسائل مشتركة لجميع الأطراف أكد خلالها أنه رغم " حجم الألم والمعاناة الذي سببه الحصار"، فإن " الحياة في قطر تسير بشكل طبيعي منذ بداية الحصار"، وذلك بسبب " النجاعة التي عالجت فيها الحكومة بوزاراتها المختلفة ، ومؤسسات الدولة الأخرى، الأزمة بتوفير كافة احتياجات السكان، بحيث لم يشعروا بالفرق في حياتهم اليومية". وبين أن بلاده تعرضت "لتحريض غير مسبوق "، عبر "ستار كثيف من الافتراءات والتحريض، في محاولة فرض الوصاية" عليها، من خلال فرض "حصار غير مسبوق" عليها عبر حملة "مخططة سلفا". وشدد ان التصريحات التي نسبت له عند اختراق وكالة الأنباء القطرية الرسمية 24 مايو / آيار الماضي، كانت ملفقة. وقال في هذا الصدد "تبين للقاصي والداني أن هذه الحملة والخطوات التي تلتها خططت سلفاً، وأقدم مخططوها ومنفذوها على عملية اعتداء على سيادة قطر بزرع تصريحات لم تقل، لتضليل الرأي العام ودول العالم، وبغرض تحقيق غايات مبيتة سلفا." 1- أما الرسائل الموجهة للقطريين تحديدا فقد استهدفت في مجملها دعم صمود الشعب الذي قال أمير قطر أنه "وقف تلقائياً وبشكل طبيعي وعفوي دفاعاً عن سيادة وطنه واستقلاله" في مواجهة الحصار، مبشرا الشعب القطري "بمستقبل واعد الذي أثبت أنه أهل له ".هذا المستقبل حدد محوره الرئيسي بأنه يكمن في أن "ننتج غذاءنا ودواءنا وننوّع مصادر دخلنا، ونحقق استقلالنا الاقتصادي"، وبين انه وجه الحكومة "للقيام بكل ما يلزم لتحقيق هذه الرؤية". 2- رسالة للشعوب مشيدا بموقفها ووعيها ، وقال في هذا الصدد :"لم يدرك من قام بهذه الخطوات ( الحصار) أن شعوب العالم لا تتقبل الظلم بهذه البساطة"، وأكد ان "الناس لا يصدقون أضاليل من لا يحترم عقولهم."، وشدد على أن "الدول العربية وغير العربية التي لديها رأي عام تحترمه وقفت معنا، أو على الأقل لم تقف مع الحصار على الرغم من الابتزاز الذي تعرضت له."، والرسالة تستهدف دعوة الشعوب للتمسك بمواقفها الداعمة لبلاده، حسب رؤيته. 3- رسالة للمجتمع الدولي ( الرسمي)، نفى فيها أمير قطر تهمة الارهاب عن بلاده، وشكر داعمي الوساطة الكويتية لحل الأزمة، وشكر تركيا، قائلا :" لا يفوتني أن أشيد بالدور الهام الذي لعبته تركيا في إقرارها السريع لاتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة بيننا والمباشرة في تنفيذها، وأن أشكرها على استجابتها الفورية لتلبية احتياجات السوق القطرية". واكد "إن قطر تكافح الإرهاب، بلا هوادة ودون حلول وسط ، وثمة اعتراف دولي بدور قطر في هذا المضمار ." وأبرز في هذا الصدد وجود دعم لموقف بلاده من رفض مطالب دول المقاطعة، قائلا " تأكد وقوف المؤسسات الغربية السياسية والمدنية والإعلامية ترفض الإملاءات مثلما نرفضها." وأردف"وتبين ذلك من رد الفعل الدولي على الشروط التي حاول البعض فرضها علينا، ولاسيما التحكم بعلاقاتنا الخارجية وتحديد استقلالية سياستنا وإغلاق وسائل الإعلام والتحكم بحرية التعبير في بلادنا." 4- رسائل للدول الحصار، هي رسائل مزجت بين العقل والعاطفة ، اعتبر فيها أن ما قاموا به " خطأ" و"عيب" ، وقال "لقد حزنّا كثيرا ونحن نتابع كيف تقوم بعض الدول باتباع أسلوب التشهير والافتراء على قطر بنوع من الوشاية السياسية ضدها في الغرب". وقام في هذا الصدد بتحليل أسباب الأزمة – من وجهة نظر بلاده – معتبرا أن محورها "الخلاف السياسي"، وقال في هذا الصدد : "نحن نعرف أنه وجدت وتوجد حالياً خلافات مع بعض دول مجلس التعاون بشأن السياسة الخارجية المستقلة التي تنتهجها قطر. ونحن أيضاً بدورنا لا نتفق مع السياسة الخارجية لبعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون، ولاسيما في الموقف من تطلعات الشعوب العربية، والوقوف مع القضايا العادلة، والتمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين الإرهاب، وغيرها من القضايا."وأردف "ولم نعتقد يوماً أن هذه الخلافات تفسد للود قضية". ** آفاق حل الأزمة - قبيل حديثه في خطابه عن الأزمة أعاد أمير قطر، التأكيد على التمسك بمبدأ سيادة الدول وإرادتها المستقلة، وصونه لحرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة، مشيرا إلى أن "احتكار المعلومة هو الذي كسرته قطر بالثورة الإعلامية التي أحدثتها، ولم يعد ممكنا العودة إلى الخلف" في إشارة واضحة لرفض المساس بقناة الجزيرة .-وفي رؤيته لحل الأزمة، أعاد التأكيد على ثوابت بلاده ، قائلا :"إن أي حل للأزمة يجب أن يقوم على مبدأين: أولاً، أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها. وثانياً، أن لا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع، ونحن جاهزون للحوار والتوصل إلى تسويات في القضايا الخلافية كافة في هذا الإطار."- أيضا تحدث الأمير في خطابه عن ضمانات لعدم تكرار الحصار مجددا ، قائلا :"إن أي حل لهذه الأزمة في المستقبل يجب أن يشمل ترتيبات تضمن عدم العودة إلى هذا الأسلوب الانتقامي في التعامل مع المواطنين الأبرياء عند حدوث خلاف سياسي بين الحكومات". **تداعيات الخطاب على الأزمةالخطاب استهدف 4 أطراف عبر رسائل عدة لها أهداف متعددة، يتوقع أن يحقق الخطاب أهدافه بشكل كامل على الصعيد الداخلي، كما يتوقع ان يحقق اهدافه بنسبة كبيرة على صعيد المجتمع الدولي الشعبي والرسمي، فيما لا يتوقع ان يكون هناك تأثير مباشر للخطاب على مواقف الدول المقاطعة لقطر. وعليه يتوقع أن يكون للخطاب تداعيات "غير مباشرة " على مسار الأزمة الخليجية ، عبر زيادة الضغط الدولي الرسمي والشعبي باتجاه حل الأزمة عبر الحوار.ولكن مع توقع إصرار طرفي الأزمة على التمسك بمواقفها، فلا أفق في المستقبل القريب لحل الازمة، بدون ان يتراجع كلا طرفي الأزمة عدة خطوات للوراء في مواقفهم، للتوصل إلى حل وسط مقبول للطرفين، يفضي إلى حل مبدئي، يعقبة فترة تبريد أجواء يتم فيها ووقف حملات التحريض الاعلامي المتبادلة، تميهيدا للتوصل إلى حل دائم ومستديم . الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :