اصيله 2017: كلام لا يقال الّا في المغرب ـ

  • 7/24/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مرّة أخرى، استطاع موسم اصيله، المدينة المغربية الصغيرة الحالمة على شاطئ الأطلسي، تجديد نفسه. صار عمر موسم اصيله الثقافي 39 عاما. بدت ندوات هذا العام، وهو العام الذي يسبق بلوغ الموسم الأربعين من العمر، وكأن الموسم في سنته الاولى. الحماسة ذاتها لدى المشاركين. الأفكار الجريئة نفسها التي لا تقال الّا في المغرب، بما في ذلك النقاش في العمق الذي يتناول الإسلام وما يتعرّض له على يد الذين يشوهون صورته او على يد المسلمين الذين لا يعرفون حقيقة دينهم. يحدث ذلك بعيدا عن أي نوع من الكليشيهات والأفكار المسبقة التي استطاع موسم اصيله تجاوزها. ما سرّ اصيله؟ ما الذي يجعل موسمها يحتفظ بشبابه؟ هل هو المغرب الذي يقال فيه في عهد محمّد السادس ما لا يمكن قوله في معظم بلدان العرب؟ الأكيد ان الأساس هو المغرب الذي لا مكان للمنوعات فيه والذي يوفّر فضاء للحرية ليس موجودا سوى في البلدان المتقدّمة التي تنتمي بالفعل الى العالم الحضاري؟ في افتتاح ندوة "الفكر العربي المعاصر والمسألة الدينية"، كان محمّد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى اصيله حريصا على الذهاب في طرح المسألة كما يجب ان تطرح وذلك لحضّ المشاركين على الذهاب بعيدا في عرضهم لافكارهم. قال بن عيسى، وهو وزير سابق للخارجية في المملكة "انّها لمفارقة تاريخية حقّا ان يستمرّ اعجابنا بمفكري النهضة، في مصر والشام والمغرب العربي، كون هؤلاء توقفوا في مواجهة مشاكل عصرهم بالادوات المعرفية المتاحة. صاغوها استجابة لمتطلبات مجتمعاتهم في فترات محدّدة، بل تصدّوا بجرأة فكرية نادرة للطابوهات (الأفكار المسبقة الثابتة التي لا تمس) والمواضيع المحرّمة دون شطط فكري او شعبوية منفّرة". لم يكن النقاش الذي شهدته الندوة صاخبا. كان هناك احترام للآخر، ذلك ان على المحكّ مستقبل أجيال ومنطقة وصورة الإسلام. لذلك كان لا بد من التذكير بأنّ ما يمرّ به العرب في هذه الايام، استمرار للازمة العميقة المستعصية التي تعاني منها المنطقة كلّها. كان محمد بن عيسى على حقّ عندما اختتم كلمته الافتتاحية في ندوة "الفكر العربي المعاصر والمسألة الدينية" بقوله: "اود التذكير بندوة اتسمت بنقاش ساخن، احتضنتها جامعة المعتمد ابن عبّاد الصيفية (في اصيله) قبل ثلاث سنوات. اخترنا لها بالقصد عنوانا انذاريا وصادما: العرب ان نكون او لا نكون". لا يزال المطروح، عربيا، ان نكون او لا نكون، لكن جديد اصيله ان الأفكار التي طرحت هذه السنة ذهبت الى ابعد في الجرأة. انّها من نوع "هل قدرنا ان نكون محاصرين بالمسألة الدينية؟ هل الدين مرتبط بالتخلّف؟" بدا واضحا ان الافكار التي طرحت في اصيله تناولت عمق الازمة ولكن من دون إيجاد مخارج ذات طابع عملي منها. هناك مقدمات لا مفرّ من طرحها من اجل الذهاب الى فهم لبّ الازمة. قال احد المشاركين في الندوة مثلا ان "موضوع الدين الإسلامي موضوع الساعة" مضيفا ان الدين "انقلب الى دين مذهبي متزمت" وان "الطائفية مرتبطة بالصراع الدائر على السلطة والنفوذ". قال أيضا ان "النمط الجديد هو النمط العنفي الإرهابي الذي دخلنا فيه الآن، وقد قلب الموضوع الإسلامي في العالم كلّه. شوّه صورة الإسلام بما يهدد وجود الإسلام". تحدّث أيضا عن "اسلام الغنيمية (نسبة الى غنيمة) في ديار الإسلام" وعن "ان المرعب ان هذا النمط ادخلنا في صدام مع العالم". نادرا ما يقال هذا الكلام في ندوات تستضيفها ارض عربية. لكن المغرب يبقى مختلفا. لذلك وُجد مشارك آخر يقول ان "الدين الإسلامي العظيم صار وسيلة سياسية" مشيرا الى ان نشوء الاخوان المسلمين في العام 1928 رافقه قيام جناح متخصص في الاغتيالات تابع للتنظيم. أضاف هذا المشارك: "يستكمل الآن ما بدأ في تلك المرحلة". لم يتردد المشارك نفسه في القول انّه "يجب فصل الدين عن الدولة. دولة المدينة المنوّرة لم تكن دولة دينية". لاحظ ان "ما يجري الآن في القدس صراع بين حماس والسلطة الوطنية" وان هناك "في الغرب من صار يعتبر داعش الدين الإسلامي الصحيح". لم يكن حدود للجرأة في اصيله. كانت هناك تعرية للاخوان المسلمين. قال مشارك من تونس التي عانت وتعاني من خبث الاخوان المسلمين انّ أحزابا لا تمتلك أي برنامج سياسي او اقتصادي او حضاري معقول ومقبول تغطي نفسها بعبارة "انا حزب إسلامي". قال ايضا ان تلك "ماركة" يطلقها حزب على نفسه كي يسوّق نفسه. أضاف: "لم يبق من الدين سوى الجوانب الشكلية وهذا ما حصل مع الاخوان المسلمين. وقد اخذ آية الله الخميني ولاية الفقيه عن (فكرة) الحاكمية لدى الاخوان المسلمين". انهى المشارك التونسي مداخلته بان الجديد هذه الايام وجود "دعوة" في صفوف المسلمين، أي ان هناك مسلمين يعتبرون مسلمين آخرين غير مسلمين! لا شكّ ان معظم الأفكار التي طرحت في اصيله قابلة للنقاش ولاخذ وردّ طويلين. هناك توصيف فعلي للداء وللحال العربية والإسلامية في عالم يتبيّن فيه ان الدين لم يمنع مجتمعات معيّنة، بما في ذلك مجتمعات إسلامية من التطوّر، خصوصا عندما تكون هناك مؤسسات تعليمية توفّر العلم والمعرفة وتعرّف التلميذ على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم. هل يمكن لموسم اصيله الانتقال مستقبلا من مرحلة وصف الحال العربية بدقّة متناهية الى مرحلة البحث عن حلول؟ هل يمكن مثلا ان يصدر ما يمكن تسميته "اعلان اصيله" وفيه أفكار عامة قابلة للتطبيق من نوع ان الامور لن تصطلح، لا عربيا ولا إسلاميا من دون تجديد المدرسة. وهذا يعني في طبيعة الحال إعادة النظر في البرامج التعليمية التي استخدمها الاخوان المسلمون في غير بلد عربي من اجل النزول في مستوى التعليم كي يتقبل التلميذ السموم التي يبثونها والتخلف الذين يحرصون على تعميمه. هناك وعي في المغرب، على اعلى المستويات، لاهمّية تطوير البرامج التعليمية والتخلّص من عقدة اللغات الأجنبية. المدرسة في أساس كلّ شيء. بلغت كلّ الدول الراقية ما بلغته بفضل المدرسة اوّلا وأخيرا. الأمثلة على ذلك كثيرة، من سنغافورة... الى فنلندا.   خيرالله خيرالله

مشاركة :