في ليلة وصال بين الماضي والحاضر أطل عازف البوق والمؤلف الموسيقي الفرنسي من أصل لبناني إبراهيم معلوف على جمهور مهرجانات بعلبك الدولية مساء السبت مقدما أحد أبرز عروض المهرجانات هذا العام. وفي معبد باخوس عزف معلوف بداية مقدمة موسيقية هادئة بعض الشيء برفقة فريق (ريد أند وايت لايت) التي أسسها حديثاً وتعامل مع الأخطاء التقنية التي ظهرت في الدقائق الأولى بخفة ظل صفق لها الجمهور كثيرا. ومع مرور الوقت صار الحفل أكثر صخباً وانضمت إليه على خشبة المسرح أوركسترا (فري سبيريت) المؤلفة من بعض من طلابه في معهد موسيقي عريق في باريس، حيث يعلم أصول العزف على آلة البوق وفن الارتجال، وزملاء له في المعهد والمهنة. كما شاركه العزف خلال الحفل شبان من الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب في بعلبك ولاحقاً عازف الكمان الضرير وابن بعلبك الملقب “أحمد” وعزفا معا بعض مقاطع أغنية “أنا في انتظارك” لأم كلثوم. وحلت مغنية الجاز الأمريكية ميلودي جاردوت ضيفة على الحفل وقدمت أغنية مشتركة مع معلوف باللغة الفرنسية للمغنية الراحلة داليدا. وفي إحدى المقطوعات انضم إليه على المسرح أعضاء جمعية (سنبلة) المؤلفة من أطفال من لبنان وسوريا يتدربون على أصول الغناء العربي. وطوال الحفل دأب معلوف على سرد النوادر والحكايات بين مقطوعة وأخرى لتقريب المسافة بينه وبين الجمهور الذي تجاوز 3000 شخص. وأنهى الحفل بعزف بعض الجمل الموسيقية المأخوذة من أغنية (على دلعونا) التراثية اللبنانية وصعدت إلى المسرح فرقة الدبكة البعلبكية لتؤدي رقصة الدبكة اللبنانية التقليدية. وجاء حفل معلوف (37 عاما) في ختام جولة عالمية بدأها في سبتمبر أيلول 2015 بمناسبة مرور 10 سنوات على انطلاق مسيرته الفنية. وفي مقابلة مع رويترز قبل الحفل تحدث معلوف عن حزنه بعض الشيء من أن شهرته في لبنان لا توازي نجاحه في الغرب. وقال “المسألة أشبه بابن عمك أو ابن خالك مثلا الذي يقطن في الشارع عينه الذي تقطن فيه ومع ذلك لا يعرف أحدكما الآخر.” وأضاف “كيف لي أن أتقبل ألا يعرفني كل أفراد أسرتي؟ لبنان بالنسبة إلي هو عائلتي الكبيرة. والبعض يستوقفني في الشوارع اللبنانية خلال زياراتي المتكررة هنا ليسألني عن اسمي!”. ولد إبراهيم معلوف في بيروت عام 1980 في زيارة سريعة لعائلته للبلد بعد أن هاجرت إلى فرنسا إثر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975. وكان يكره آلة البوق (الترومبيت) وحلم بأن يصبح مهندساً معمارياً لكن والده عازف البوق والموسيقي نسيم معلوف ألحّ عليه في التعرف عن كثب على الآلة القادرة على استنباط مختلف الأحاسيس ورواية عشرات القصص موسيقياً. وتشتهر موسيقى معلوف بالمزج بين مختلف الأنماط الموسيقية مثل الجاز والهارد روك والكلاسيك والشرقي حتى أن بعض النقاد يتهمونه بأنه يحرف موسيقى الجاز جاعلاً منها ملعباً افتراضياً لأنغام قادمة من أروقة موسيقية مختلفة كلياً عن بعضها البعض ولا تجتمع حول فكرة موسيقية واضحة. لكنه يؤكد دوماً أنه لا يهتم أبدا بوضع عناوين عريضة أو أسماء محددة لموسيقاه التعبيرية التي تتخللها لحظات بارزة من الحنان العابر الذي يلتحم بالأنغام الصاخبة التي تدعو إلى الرقص. كما يعرف الموسيقي الشاب بقدرته على الارتجال على المسرح ووضع الموسيقى التصويرية للأفلام التي حاز بفضلها على جوائز عالمية. وتستمر مهرجانات بعلبك الدولية في دورتها الحادية والستين حتى 15 أغسطس/ آب القادم.
مشاركة :