سمير عطا الله: خرجت من المقهى ولم تعد

  • 7/5/2014
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

لم تعد تعثر عليها الآن في أي مقهى. في الماضي كنت تعثر عليها في مقهى «الروتوند» الباريسي إذا كتب إرنست همنغواي عن حياة الأميركيين المشردين في المدينة. كنت تراها بين أصابع الممثل همفري بوغارت وهو جالس في «كافيه ريك» في الدار البيضاء. كنت ترى دخانها يملأ المقهى على النيل فيما عماد حمدي ينتظر وصول شادية، زوجته في الواقع ومعذبته في السينما. شادية تتأخر، ثم تصل ومعها أغنية، دائما من النوع الخفيف. وقد تزوج «دونجوان» السينما المصرية من كتكوتة الشاشة وهي تصغره بعشرين عاما. ثم تزوج من نادية الجندي وهو يكبرها بأربعين. فلنعد إلى السيجارة: كانت جزءا لازما من مشهد المقهى في الحياة وعلى الشاشة. الملصقات تصور النجوم (والنجمات) وسيجارة تتدلى من شفاههم، علامة الرجولة (أو من شفاههن، علامة الإغراء). الشعراء والأدباء كانوا يتصورون مع السيجارة، علامة التفكير العميق. أول ما يقلد الولد كان يقلد المدخّنين، سرا وداخل المنزل، أو خارج المنزل. الشبان كانوا يضعون علبة السجائر واضحة في جيب القميص، علامة البلوغ. أنا دخنتها طويلا، علامة التفكير وعلامة الرجولة وعلامة السخف. كنت أعتقد أنني إذا تركتها سوف تتوتر أعصابي ولا أعود أديبا يدخن السيجارة من أخرى. كل من كان ينصحني بالتخلي عنها كنت أعتبره معتديا يتدخل في ما لا يعنيه. عندما أرى الآن صديقا ترك المطعم في البرد ليدخن سيجارة تحت المطر، أحمد الله على اليوم الذي تركت فيه المدخنة. كنت مثل «معمل الكهرباء» على الشاطئ اللبناني، يتصاعد مني الدخان معظم الليل والنهار. ذهبت إلى نيويورك عام 1973 فوجدت أن الدخان ممنوع في المصاعد، فكنت أنزل الأدراج مشيا لكي لا تفوتني سحبة نيكوتين. وكانت بعض سيارات التاكسي في باريس لا تقبل المدخّن فأترجل منها غاضبا لآخذ أخرى يقبل سائقها نقل نافثي السموم المجانية. ندمت على أعمال وسنوات وضياعات كثيرة. أسوأ وأعمق الندم كان، بالترتيب، على ضياع الوقت ومَعشَر النمّامين والخاملين، وسنوات التدخين. قبل زمن من ظهور التحذير من السيجارة كانت جدتي تقول بطيبتها: «ضررها مزدوج، صحي ومالي». وكنت غبيا أصدق الإعلان وصور النجوم وأدباء المقاهي. رواد المقاهي اليوم لن يعانوا ولن يقلّدوا ما يجب أن يُرفض.

مشاركة :