الحياة الحزبية في مصر: تغيرت البيئة السياسية وعقلية الأحزاب على حالها

  • 7/25/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الحياة الحزبية في مصر: تغيرت البيئة السياسية وعقلية الأحزاب على حالهابعد أن فشل الكثير من الأحزاب المصرية في جذب الجمهور من خلال برامج سياسية واضحة المعالم تحوّل الكثير منها إلى العمل الاجتماعي، وراحت تقدم دورات في التنمية البشرية والأنشطة الرياضية، في محاولة لاستقطاب الجمهور ما جعلها تشبه الأندية الخاصة وليس الأحزاب. العرب محمد عبدالهادي [نُشر في 2017/07/25، العدد: 10702، ص(6)]شعارات للاستهلاك الانتخابي فقط القاهرة - فقدت الأحزاب المصرية الكثير من قواعدها الشعبية وأضاعت بوصلتها باعتبارها محورا رئيسيا في خلق التوازن بالمشهد السياسي. وانعكس ضعف أداء هذه الأحزاب على تعاطي عموم المصريين معها، بعد أن بات أغلبهم يرى في الأحزاب “أدوات انتخابية” سرعان ما يخبو صوتها بانتهاء الانتخابات. وفي ظل حالة الكساد السياسي التي تعيشه، اتجهت الأحزاب المصرية إلى تفضيل الأعمال المجتمعية على العمل السياسي. وقصّرت معظم أنشطتها طوال العام الحالي علي دورات التدريب وتعليم الشباب فن القيادة المجتمعية، ودورات للمهندسين والتدريب المهني والتشغيل، بل وأخذ البعض منها منحى ترفيهيا بحتا بتنظيم ندوات عن الترشيق ونحت الأجسام وبطولات للشطرنج وكرة القدم. يقدر عدد الأحزاب في مصر في الوقت الراهن بحوالي 106 أحزاب سياسية رسمية معظمها تأسس بعد ثورة 25 يناير 2011. يتركز أغلبها في القاهرة، وإن كان البعض منها قد جعل المقر الرئيسي للحزب بالمحافظات التي ينتمي إليها رئيسها، وهذه لا يزيد عددها الإجمالي عن ثمانية، نصفها بالإسكندرية الساحلية. يرجع أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، الوضع الذي تعيشه الأحزاب المصرية اليوم إلى السياسات التي كانت تمارسها الحكومات المتعاقبة ضد الأحزاب وتهميش دورها للقضاء على فكرة وجود حزب آخر منافس على السلطة، ما ترك موروثا تاريخا لدى الأحزاب بأنه لا مكان للمعارضة. في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لم يزد عدد الأحزاب السياسية على 20 حزبا، جاء معظمها من خلال أحكام القضاء بعد اعتراض لجنة شؤون الأحزاب السياسية التي رفضت 60 حزبا ولم ترخص إلا لأربعة أحزاب فقط طوال 28 عاما.العديد من الأحزاب بمصر في الوقت الراهن يتسم بالعائلية، بمعنى سيطرة أسرة واحدة على رئاسة وأمانات الحزب وأضاف مهران، لـ”العرب”، أن علاقة نواب الأغلبية داخل البرلمان بالحكومة وممارساتهم ضد زملائهم بالمعارضة زرع إحساسا بأن المعارضة تعني العمالة والخيانة والوقوف ضد مصلحة الدولة، لذا باتت الأحزاب تخشى الظهور بموقف المعارضين، ولم يعد أمامها سوى مسار واحد من اثنين، إما تأييد السلطة وإما الهروب إلى الأنشطة الاجتماعية والرياضية. ويرصد المتابعون لجلسات المجلس المصري صداما مستمرا بين نواب ائتلاف دعم مصر المؤيدين للحكومة، والذين ينتمون إلى سبعة أحزاب سياسية، ونواب كتلة (25/ 30) المعارضة والمكونة من أحزاب يسارية عدة وقلة من الأحزاب الليبرالية لكنها غير مؤثرة جماهيريا، وآخرها ما جرى إبّان مناقشة البرلمان حول نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. وأشار مهران إلى أن حزب المصريين الأحرار (المعارض)، والذي يمتلك 65 نائبا بالبرلمان، نظم بطولة مفتوحة ومسابقة في الشطرنج، ثم لَحقهُ حزب مستقبل وطن وله 50 نائبا بمجلس النواب، ونظم ندوة بأمانة الحزب بالجيزة (جنوب القاهرة) عن أسرار التخلص من الدهون ونحت العضلات، بحضور رئيس الحزب وقياداته، وهذان الحزبان هما أكثر الأحزاب المصرية من حيث عدد النواب بالمجلس. الابتعاد عن الجماهير وفقا لمراقبين، فإن قوى المعارضة بمصر تواجه أزمة عدم وجود آلية بديلة للعمل السياسي، حيث ظلت تعتمد على آلية التحرك الجماهيري عبر التظاهر والاحتجاج في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير2011 ، لكن مع تغير البيئة السياسية في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو باتت تكلفة استخدام المساحة العامة عالية المخاطر بالنسبة لأي كيان سياسي أو حزبي، بعد زيادة الحكومة في نفوذها وتضييق الخناق على القوى المختلفة وهو ما أسماه البعض بـ”تأميم المجال العام”. وقال ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، إن معظم الأحزاب التي أنشئت بعد 25 يناير لجأت إلى العمل الاجتماعي نتيجة انسداد الأفق السياسي، وعدم خبرة مؤسسيها وقياداتها الذين دخلوا معترك العمل السياسي للمرة الأولى. وأوضح لـ”العرب” أن الكثير من رموز الأحزاب حاليا يعتقدون أن العمل المجتمعي يمكن أن يكون بديلا عن العمل السياسي الحقيقي، خاصة أن غالبية نواب البرلمان ينتمون للمنظمات الاجتماعية التي لديها القدرة على الإنفاق على الدعاية الانتخابية وإنجاح مرشحيها على عكس الأحزاب التقليدية التي تعاني شحا في التمويل. تعتمد الأحزاب السياسية في ممارسة نشاطها على اشتراكات الأعضاء، إلا أنه مع قلة عدد هؤلاء الأعضاء، والمنع القانوني من تلقي التبرعات بات بعضها يحرص على ضم رجال أعمال إلى هيئتها العليا لضمان توفير التمويل اللازم لأنشطتها، وأصبحت الأحزاب لا تقوم على أساس من المصلحة المشتركة لأعضائها إنما على أساس مصالح الممولين. علاوة على هذا، فإن العديد من الأحزاب السياسية بمصر في الوقت الراهن يتسم بالعائلية، بمعنى سيطرة أسرة واحدة على رئاسة وأمانات الحزب المختلفة خوفا من نشوب صراع على رئاستها مستقبلا وتعرضها للتجميد، وبعضها لا يمتلك مقار بمعظم المحافظات وبالتالي تتشارك مع أحزاب أخرى مقارها بالمحافظات والتي تعمل بالليل كمقر للحزب وفي النهار تصبح مقرا للشركة التجارية التي تمتلكها العائلة، بل وأحيانا تصبح مركزا للدروس الخصوصية للطلاب.نحو عشرين حزبا لا يمكن تصنيفها سياسيا لأن برامجها خالية من أي توجه سياسي أو اقتصادي واضح وتتشابه هوياتها وبرامجها ونشطت الحياة الحزبية في مصر منتعشة في عهد الملكية، ثم تعرضت للتجميد بعد ثورة 23 يوليو حتى 1976 حينما أعاد الرئيس الراحل أنور السادات تعدد الأحزاب مرة أخرى عبر ثلاثة تنظيمات (يمين ويسار ووسط)، لكن هذا كله كان منبثقا من نظام الحزب الواحد حتى أن البعض من السياسيين آنذاك أطلقوا على هذه الظاهرة ” الحزب الواحد في قالب تعددي”. أحزاب كرتونية صحيح أن الأحزاب القديمة بمصر تؤدي دورها في مناقشة قرارات الحكومة لكنها لا تستطيع القيام بأكثر من إصدار البيانات الصحافية للتعبير عن مواقفها، خصوصا أن الإعلام لا يركز على أنشطة الكثير من الأحزاب، وهناك 70 حزبا تم إنشاؤها على الورق فقط دون أن تكون لها مقار على الأرض، أما الأحزاب الحقيقية فلا تتجاوز 35 حزبا، منها خمسة فقط فاعلة وقوية وذات اتصال مع الجمهور. وأكد عدد من رموز الأحزاب السياسية بمصر لـ”العرب”، أن الغاية تبرر الوسيلة في محاولة الأحزاب جذب الجمهور، في ظل حالة الطوارئ التي تم إعلانها في أبريل الماضي لمدة ثلاثة أشهر وجرى تجديدها مرة أخرى، والتي تمنح الرئيس الحق في وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور بأماكن أو أوقات معينة، وهو ما يُعد من العوائق الرئيسية أمام الأحزاب في ممارسة نشاطها السياسي. لفت وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، إلى أن الكثير من الأحزاب العاملة بمصر هي “كرتونية” وليست لها جماهير أو دور وبرامجها السياسية متشابهة وغير واضحة المعالم وأعضاؤها لا يستطيعون تفرقتها عن بعضها، وهذا أحد أسباب اتجاهها للعمل الاجتماعي والبعد عن السياسة في وسيلة للبحث عن نشاط مغاير عن الآخرين. على سبيل المثال، فإن هناك نحو عشرين حزبا لا يمكن تصنيفها سياسيا لأن برامجها خالية من أي توجه سياسي أو اقتصادي واضح وتتشابه هوياتها وبرامجها إلى حد بعيد بحيث يصعب التمييز والتفرقة بينها على أساس فكر الحزب وتوجهاته، كما تتداخل معظم الأحزاب في ما بينها من حيث الأهداف ما يُصعّب من المفاضلة والاختيار في ما بينها. وتطالب القوى السياسية في مصر بقانون يجبر الأحزاب على أن يكون لكل واحد منها أكثر من مئة ألف عضو فاعل بالمحافظات لإجبار المتشابه منها على الاندماج مع بعضها البعض وحل من يفشل في تحقيق تلك الاشتراطات لضمان وجود أحزاب قوية قادرة على الوصول للجماهير والمنافسة على السلطة. وأكد الأقصري، لـ”العرب”، أنه بعد تغيير قانون الأحزاب نشأت سلسلة مما أسماها بأحزاب الأغنياء، بينها اثنان أو ثلاثة فقط تمارس العمل السياسي الحقيقي، مضيفا أن الأحزاب المصرية تعاني منذ سبعينات القرن الماضي من المشكلات ذاتها، لكن دخول ما يوصف بـ”أحزاب الأغنياء” ضاعف من الأزمة وتسبب في ظهور ظاهرة أحزاب العمل الاجتماعي والرياضي.

مشاركة :