أميركا وإيران وآخر الأحزان بقلم: إبراهيم الزبيدي

  • 7/25/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

دعوة إلى التخلي عن أوهام الغزو والتوقف عن الدعوة إلى قتل أكبر عدد من الناس، واستبدالها بسياسة إشغال النظام الإيراني بنفسه وبهمومه في الداخل، بدعم المعارضة الإيرانية التقدمية الديمقراطية.العرب إبراهيم الزبيدي [نُشر في 2017/07/25، العدد: 10702، ص(8)] شهادتان مضللتان صدرتا عن اثنين، الأول هنري كيسنجر، وزير خارجية أميركا الأسبق الذي تخصص في إطلاق تنبؤات وتوقعات مفرقعة خارجة عن إطار المعقولية، وصادرة من مخيلة تدميرية متخمة بالكراهية والحقد لم تعد تنفع في زمن حروب القوة الناعمة وفنونها وقوانينها. فقد أكد، في حوار أجرته معه جريدة ديلي سكيب الأميركية، “أن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب”، وأن “أميركا وإسرائيل جهزتا نعشا لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش”. والثاني وزير عراقي متهم بأنه اختلس من وزارته أموالا وهرب إلى أميركا، دأب من أول فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إطلاق تصريحات ومقالات يوحي بها بأن له علاقات مباشرة وثيقة مع الدائرة الضيقة المحيطة بترامب، وبأنه مطلع اطلاعا دقيقا ومفصلا على أسرار الخطط المقررة لقلب الأوضاع العراقية، وإعادة تأهيل المنطقة لتكون واحة عدل وأمن وسلام. ويحرص فيها على شرح تفصايل العمليات الأميركية الهادفة إلى إحداث التغيير في العراق بالقوة، بدءا بحل الحشد الشعبي وجميع الميليشيات التي شكلتها إيران، وطرد قاسم سليماني والحرس الثوري من العراق، وتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، ومحاكمة المتهمين بالفساد والاختلاس. ويبدو أنهما، كليهما، ما زالا يعيشان في خيالات العصور الماضية، ويتوهمان بأن أميركا هي المارد القادر على أن يفعل ما يريد، متى يريد، وأينما يريد، وينسيان أن الذي يحكم أميركا ليس ترامب ولا الكونغرس ولا الوزير ولا السفير، على أهميتهم، بل يحكمها الدولار وحده لا شريك له. فبالإضافة إلى اللوبيات والمافيات المالية والإعلامية والسياسية، فإن للشركات الضخمة التي تنتج سنويا ضريبة دخل تقدر بمئات المليارات من الدولارات تمول بها الحكومة الفيدرالية أنشطتها داخل أميركا وحول العالم أهدافا ومصالح ومخططات قد لا تتفق مع “تنجيمات” كيسنجر والوزير العراقي. كما أن الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي المتشابك في العالم، بوجود قوى عالمية فاعلة لا تقل جبروتا عن أميركا، كالهند والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها، قد وضع قيودا ورسم حدودا لاستخدام القوة العسكرية يصعب تجاهلها والقفز عليها. وفي الشرق الأوسط، وفي العراق بشكل خاص، لأميركا ولمنافسيها الكبار، مصالح عميقة متشابكة لا يمكن المقامرة بها تبعا لمزاج رئيس أو وزير أو سفير. كما أن غرور القوة الذي دفع إدارة جورج بوش الابن إلى غزو العراق خلق واقعا جديدا معقدا في المنطقة أصبح معه صعبا بل مستحيلا، على أي إدارة أميركية تالية تغييره إلا بغزو عسكري آخر، ولكن للعراق وسوريا معا هذه المرة، وخوض حرب عصابات، وقتال من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، مباشرة وليس بالوكالة. وهو أمر لن تتورط أميركا فيه من جديد. فإذا كان الجيش الأميركي المحتل، من أول أيام دخوله العراق عام 2003 وإلى يوم رحيله عنه، قد خاض مواجهات دامية ومنهكة مع “فتافيت” مقاومة عراقية سنية ضعيفة فقيرة متفرقة آلمته كثيرا، وكلفته الكثير من الدم والمال والسلاح، فهو، إذا ما عاد، مثلما يبشرنا به الوزير العراقي وكيسنجر، سيجد في انتظاره إيران الدولة، بقوتها العسكرية الذاتية، وإيران المتخفية وراء ميليشياتها ووكلائها المتناثرين في كل مفاصل الحياة العراقية والسورية، بالإضافة إلى “تجمعات” عربية سنية وكردية واقعة تحت سلطانها، مع ما يُتوقع من ردود أفعالٍ روسية وتركية غير متوقعة، ومواقف دول وأحزاب وقوى راديكالية وطائفية وقومية أخرى عديدة في المنطقة لم تكشف عن عدائها لأميركا بعد. والذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية يعلم، أكثر من الذي لا يعيش فيها، بأن المزاج العام للشعب الأميركي لم يعد حربيا كما كان. فهو في كل يوم يزداد قناعة بأن من غير الضروري أن تخوض حكومته حروبا جديدة في أي منطقة من العالم، لأي سبب إلا لما يتأكد أنه تهديد جدي وحقيقي. وتظهر هذه القناعة واضحة في أجهزة إعلام محلية، صحافة وإذاعة وتلفزيون، في المدن البعيدة عن واشنطن ونيويورك، تتحدث بلغة واقعية مختلفة اختلافا كبيرا عن لغة الصحف الفيدرالية الكبرى المرتبطة بمراكز القوى السياسية والاقتصادية الحاكمة. ومأزق إدارة ترامب مع كوريا الشمالية وإيران دليل لا يقبل النقض. فقوة كوريا الشمالية النووية والصاروخية مصدرُها الوحيد المعروف والمكشوف هو روسيا والصين. ولكن ترامب، لم يُظهر قط أي عزيمة على الاصطدام بهما، بل إنه منهمك في ترضيتهما وتحفيزهما، بالتي هي أحسن، على التوقف عن تقوية “عدوتيه” عليه، ويكتفي بتهديد كوريا الشمالية وإيران بـ“العواقب الوخيمة” وليس أكثر من ذلك. وقد أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، في خطوة استفزازية جديدة، عن خط إنتاج جديد لتصنيع الصواريخ الهجومية. وتحدث وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، أثناء حفل تدشين الخط الجديد، عن قدرات صاروخ “صياد ثلاثة” الذي يمكنه استهداف مقاتلات وطائرات دون طيار وصواريخ كروز وطائرات هليكوبتر. ويأتي هذا الإعلان بعد أسبوع على فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة على إيران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية. وهاهو ترامب في العراق وسوريا يتحاشى الصدام الحقيقي مع إيران وميليشياتها، ومع روسيا وقواتها، ويستخدم الحرب على داعش ستارا للتسلل العسكري والتمدد في سوريا وفي العراق، على مضض. وهذه المقالة ليست دعوة إلى اليأس، وإلى ترك إيران تصول وتجول وتعبث بأمن الشعب العراقي وشعوب المنطقة، وتهدد مصالح العالم وأمنه، بل هي دعوة إلى التخلي عن أوهام الغزو، والتوقف عن الدعوة إلى قتل أكبر عدد من الناس، واستبدالها بسياسة إشغال النظام الإيراني بنفسه وبهمومه، في الداخل، بدعم المعارضة الإيرانية التقدمية الديمقراطية، وبتثوير القوميات والأقليات المقموعة من قبل الحرس الثوري، ومدها بما يلزم من الدعم والمساندة والتمويل والتسليح. وهذا هو أمضى أسلحة الهجوم، وأفضل وسائل الدفاع. وربما يكون هذا هو ما عناه مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، مايك بومبيو، حين كشف النقاب عن أن واشنطن في وارد تطوير سياسة التعامل مع النظام في طهران، ولكن بعيدا عن الغزو والاحتلال. وقال “لقد بدأنا أولى الخطوات وهي أن الرئيس ترامب بدأ بتأسيس ائتلاف من دول المنطقة لإيجاد أرضية مشتركة في مواجهة التوسع الإيراني”. وأغلب الظن أن الإدارة الأميركية أصبحت أقرب ما تكون إلى رؤية السناتور جون ماكين رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي التي تقول إن “الوقت قد حان لتغيير النظام في إيران من أجل تحقيق تطلعات الشعب الإيراني وقيام ديمقراطية فعالة لبناء مجتمع حر ومنفتح في إيران”. وتأتي هذه التصريحات بعد أيام من كلمة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، والتي أعلن فيها أن “سياسة أميركا تجاه إيران تركز على دعم القوى الداخلية من أجل إيجاد تغيير سلمي للسلطة في هذا البلد”. فألا يكفي هذا كله لاعتبار ما اعتاد هنري كيسنجر والوزير العراقي على الترويج له أضغاث أحلام وحديث عجائز عن السلاطين؟ كاتب عراقيإبراهيم الزبيدي

مشاركة :