قصة إدمان حيوانات وطيور لتناول الكحول عمدًا: البحث عن مصدر للاستراخاء

  • 7/25/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هناك الكثير من المقاطع المصورة على الإنترنت تؤكد أن حيوانات مثل الفيلة والقردة تحب تناول ما يصيبها بالُسكْر أي تتحول إلى حيوانات «سكرانه»، كما أن الأيائل من فصيلة الموظ تنتشي بأكل فواكه فاسدة وتفعل طيور الأمر نفسه مع ثمار التوت المتجمدة، وكل هذه الثمار تعتبر بديلا عن النبيذ والخمر. كما أن القنافذ تشفط الجعة التي توضع لها كفخ وكذلك تلتهم حيوانات الرنة أنواعا من الفطر تسبب الهلوسة، الكثير من هذه المقاطع موثق ومبرهن على صحته، ولكن القليل منها فقط هو الذي خضع للبحث. فهل تناول حيوانات للكحول الموجود في الثمار والفطريات يتم عن عمد؟ هل تتعرض الحيوانات للخطر جراء ذلك أم أنها تسعد وتنتشي به؟ هل هي حالات فردية أم أنه سلوك متوارث؟ أكثر ما يشغل الباحثين في هذا الشأن هو: ما الذي نتعلمه من مملكة الحيوان بشأن سلوك الإنسان الإدماني؟ تعتبر هينريكه شولتس من الباحثين القلائل في ألمانيا، الذين بحثوا في هذا الموضوع، وهي متخصصة في علم الأحياء العصبي والسلوك بجامعة كولونيا، وذلك فولفجانج زومر، خبير في الطب النفسي، و راينر شباناجل، باحث في علم العقاقير، وكلاهما بمعهد الصحة النفسية في مدينة مانهايم الألمانية. ليس الهدف من وراء مختبر شولتس في كولونيا إنتاج أفلام كوميدية حيث يُطعم الباحثون هناك ذباب فاكهة بالكحول ثم يراقبون رد فعل الذباب “فعندما نقدم للذباب كحولا ثم نتركه يفيق من تأثيره، ونعود ونعطيه كحولا مرة أخرى، فإنه يغير سلوكه” حسبما أوضح شولتس. أشار شولتس إلى أن هذا الذباب يصبح تحت تأثير الكحول أكثر نشاطا، ويحوم في المكان ويطير في منحنيات، ثم يسقط وقتا ما ويظل على ظهره بلا حركة. أوضحت الباحثة الألمانية أن هذا الذباب يحتاج وقتا أطول قبل وصول درجة السكْر في المرة الثانية، وبررت ذلك بتكيف عملية تحويل الغذاء إلى طاقة “الأيض” وقالت إن تأثير هذا التكيف ينعكس على المخ أيضا. كما تبين للباحث شولتس أن “الكحول لا يغير عملية الأيض فقط حيث إن تأثيره يظهر أيضا في المخ”. فبمجرد إفاقة الذباب من تأثير الكحول، فإنه يريد العودة للحالة المريحة التي كان عليها، وذلك بفعل نظام المكافأة. أي أن ذباب الفاكهة أيضا يمكن أن يصبح مدمنا. بل إن هذا الذباب يقبل بالتعرض في سبيل ذلك لما لا يرضيه حيث كان هذا الذباب مستعدا، على سبيل المثال، خلال التجارب لتحمل مواد مرة إذا كانت هذه المواد ستسمح له بالحصول على كحول، وهنا يرى شولتس تشابها مع الإنسان. غير أن الباحثين تعمدوا خلال التجارب وضع الكحول أمام الذباب. ولكن ماذا عن الذباب الذي يعيش حرا؟ إنه يتجه أيضا في هذه الحالة إلى الكحول الموجود على شكل فاكهة متخمرة، سواء فاكهة متناثرة في مروج الفاكهة أو بقايا طعام في المطبخ “حيث تعلمت هذه الحيوانات أنه حيث يكون الكحول، فهناك سعرات حرارية” حيث يفضل ذباب الفاكهة وضع بيضه على مثل هذه المواضع حتى يتغذى نسله بشكل أفضل. أكد البروفيسور فولفجانج زومر، من معهد مانهايم للصحة النفسية، أن الباحثين يعرفون من مملكة الحيوان أنه يتعاطى الكحول “بدءا من دودة الأرض ومرورا بالفئران والجرذان و وصولا للرئيسيات”. ويجري زومر أبحاثا عن الأسس العصبية والجينية والسلوكية النفسية للإدمان. وركز زميله راينر شبانجال على حيوان زبابيات الشجر الثديي في ماليزيا، والذي لا يتغذى أثناء وقت الزهور سوى على رحيق بعض أشجار النخيل تقريبا، وهو الذي يبلغ الكحول نحو 4% منه وهي نسبة تعادل زجاجة فودكا يوميا بالنسبة للإنسان، وذلك نظرا لوزن الحيوان الضئيل مقارنة بوزن الإنسان. ومع ذلك فإن هذا الحيوان لا يبدي أي أثر للترنح تأثرا بالكحول وهو ما يعتبره الباحثون تكيفا لنظام الأيض لدى الحيوان مع الكحول بشكل يجعله يستفيد منه بشكل فعال. وخلافا لبعض البشر، فإن الحيوانات، سواء ذباب الفاكهة أو زبابيات الشجر، تعرف حدودها في تناول الكحول حيث اكتشف شولتس أن نسبة تصل إلى 5% من الكحول مغرية بالنسبة لذباب الفاكهة، وهي ما تعادل محتوى كوب من الجعة بالنسبة للإنسان. وإذا زادت هذه النسبة، فإن العواقب السلبية للشرب تصبح هي الغالبة على جسم الحيوان. لذلك لا تلمس ذبابة الفاكهة الثمار، التي تزيد فيها نسبة الكحول عن النسبة الموجودة في الخمرة “حيث إن هناك نوعا ما من التوازن في الطبيعة” حسبما أوضح شولتس. ويفرِّق زومر بين تعاطي الكحول وإدمانه، قائلا إن تعاطيه أمر عادي لدى الحيوانات وإن البحث عن ثمار متخمرة وتحتوي بذلك على كحول كمصدر للطاقة “سلوك طبيعي جدا ومستقر في المخ ولا يحتاج لتعلم بالضرورة” في حين أن الإدمان لا يكاد يوجد لدى الحيوانات “فمعظم الحيوانات لا تستطيع الإدمان، لأنها ستصبح عندئذ ضحية لأعدائها”. كما أن شولتس هي الأخرى لا تعتقد بأن هناك إدمانا في الطبيعة ولكن ما تراه هو “سلوك غير عادي في بعض المواقف الشديدة”. عادة ما تفضل الحيوانات، حسب شولتس،غذاء يحتوي على كحول بسبب حلاوته فقط وبسبب محتواه من السعرات الحرارية وليس لأسباب ذات صلة بالعامل النفسي أو لأنها تجعلها تشعر بالارتياح. كلما كانت الحيوانات متطورة كلما قل أعداؤها الطبيعيون وكلما كانت قادرة على الإفراط في شرب الكحول “حيث لا نرى سلوكا مفرطا في شرب الكحول سوى لدى الأنواع الحيوانية المتطورة” حسبما أكد زومر مضيفا: “يبدو أن هناك حاجة لمخ متطور جدا لتطوير سلوك الإدمان”. ربما كان الأمر معقدا كثيرا لدى القوارض للوصول إلى فقدان السيطرة على سلوكها فترة قصيرة من خلال زيادة نسبة الكحول في الدم، “ولكن الأمر أكثر سهولة لدى القردة حيث إن الوصول الحر للمشروبات الكحولية يكفيها لتحقيق ذلك”. وأوضح الباحثون أنه من غير النادر أن يكون هناك قرد مخمور. حيث لاحظ باحثون برتغاليون في غينيا أن قردة شمبانزي تعيش في البراري تشرب ما يصل إلى ثلاثة لترات من عصير النخيل المتخمر.و”من النادر أن تتعاطي قرد الشمبانزي عصير النخيل في منطقة بوسو في غينيا ولكنه أمر يتفق مع عادات هذه القردة” حسبما أكد هؤلاء الباحثون في دراستهم التي نشرت عام 2015 في مجلة “رويال سوسايتي أوبن ساينس” المتخصصة. غير أن الباحثين رفضوا التقارير التي تؤكد أن دلافين تستخدم أسماكا مستديرة “ينفوخية” كنوع من المخدرات بسبب السم العصبي الذي تفرزه قائلين إنها من الأساطير. ولم يستبعد زومر إمكانية حدوث ذلك، ولكن من قبيل الصدفة وليس العمد،مبررا ذلك بالفضول الفطري لدى الحيوانات الذي يجعلها تلتهم ذات مرة فطرا به نوع من المخدرات أو أوراق الكوكا.

مشاركة :