تفكيك الخطاب التركي ـ

  • 7/27/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المراقب للخطاب السياسي التركي حيال الأزمة القطرية يجده مخادعا، كما هو في غالبية القضايا التي تحاول أنقرة الإيحاء أنها رقم مهم وفاعل ومؤثر في اتجاهاتها الرئيسي. هكذا يمكن تفسير زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لكل من السعودية والكويت وقطر قبل أيام. الطريقة التي تم الترويج بها مبكرا للزيارة، أراد من خططوا لها توصيل رسالة بأنها جولة غير عادية، وأردوغان جاء للوساطة السياسية، بينما كان الرجل منحازا للدوحة منذ بداية الأزمة، بل مؤيدا لموقفها الداعم للإرهاب الذي أدى إلى مقاطعتها من قبل الدول العربية الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين). الإعلام التركي تعامل مع الزيارة كما يفعل نظيره القطري، تصدير صورة براقة لزعيم أو لحدث والعزف على وترها بقوة وتكرارها ليترسخ في الذهن أن هناك تطورا حقيقيا، اعتمادا على الذاكرة الضعيفة للشعوب. من ذلك التضخيم المعنوي بأن أردوغان أول زعيم يقوم بزيارة الدوحة، وعلى استحياء تأتي الإشارة إلى "منذ أن زارها أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح" في بداية الأزمة التي لم تتجاوز الشهرين، وهي محاولة توحي بـ "حصار وعزل قطر"، مع أن وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، فضلا عن مسئولة الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قاموا بزيارة الدوحة خلال الفترة الماضية. ثم تعلن أنقرة أن جولة أردوغان ساهمت في التهدئة، بينما الرجل لم يتحدث عن لب الأزمة القطرية في السعودية التي بدأ بها زيارته، وكان حريصا لأبعد مدى على تعزيز علاقته الثنائية بالمملكة، وتخفيف حدة التوتر الذي نشب من وراء دعمه للدوحة في الأزمة، وتجنب أي خسائر اقتصادية في المستقبل القريب. اللافت أن الأزمة، التي قالت تركيا أن رئيسها نجح في تهدئتها، ازدادت تسخينا في اليوم الذي غادر فيه أردوغان المنطقة، وأصدرت الدول الأربع (مساء الاثنين الماضي) قائمة ثانية بكيانات وأشخاص (من قطر واليمن وليبيا) داعمين للإرهاب وعلى علاقة بالدوحة، وربما أنقرة. وهي رسالة تعني أنه أخفق بامتياز في تقديراته وسقط إعلامه في بئر الكذب، لأنه قرأ خطأ الموقف العام، ولم يدرك أن أسلوب العلاقات العامة الذي يتعامل به أردوغان لا يصلح مع أزمة بهذا الحجم تمس وترا حساسا في الأمن القومي لكثير من الدول، وهو الذي ينتفض ليلا ونهارا على وقع مشكلات تدور خارج تركيا، في كل من سوريا والعراق، بذريعة الدفاع عن أمن بلاده. إرسال قوات تركية إلى قطر أيضا لا يخلو من استعراض معنوي، يهدف إلى اقناع الحلفاء والخصوم أن أنقرة قادرة على مد بصرها وأرجلها خارج المحيط الإقليمي التقليدي، في حين أنه مهما كان عدد هذه القوات فهي ليست على استعداد قتالي، في ظل وجود قاعدة العديد الأميركية في قطر. والأهم أن أحدا من الدول الأربع لم يلوح بأي عمل عسكري ضد الدوحة، وعلى العكس تم التأكيد على أن الأزمة سياسية، تنتهي بمجرد أن يلتزم النظام القطري بوقف دعمه وتمويله للإرهاب. لذلك أرادت أنقرة توظيف الأزمة لصالحها، وتفعيل القاعدة العسكرية التركية في قطر، وعدم التخلي عن المتطرفين الذي أصبحوا جزءا من أدوات سياستها الخارجية، وردع أي محاولة لاحقة لتطبيق ما يجري على أنقرة، لأنها والدوحة تقفان في خندق واحد بالنسبة للتحالف مع متشددين وجماعات إرهابية وإخوان. المثير أن الاتصال الذي أجراه سامح شكري وزير الخارجية مع مولود جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا الأحد الماضي، أُعلن عنه من أنقرة وكأن مصر تراجع موقفها، وروجت بعض وسائل الإعلام هناك باعتباره تنازلا سياسيا يصب في صالح تركيا، مع أن المكالمة تمت بشكل بروتوكولي حول ما يجري في الأقصى بالقدس المحتلة من انتهاكات إسرائيلية، وبوصف تركيا رئيس الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، تسلمت قيادتها من مصر العام الماضي، ولم يذهب الرئيس عبدالفتاح السيسي لتسليمها بنفسه للرئيس أردوغان كالمعتاد. المواقف العنترية الظاهرة التي كشفت عنها تركيا في بداية الأزمة القطرية تغيرت كثيرا الآن، عندما وجدت أن الرياح الخليجية أكبر من قدرتها على الاحتمال، وانخراطها في أزمات إقليمية لن يمكنها من رفاهية الذهاب بعيدا في دعم الدوحة. فيكفي ما يدور في سوريا من إعادة ترتيب للأزمة وتشديد واشنطن على أن الأكراد رقم رئيسي فيها، وما سيجري في كردستان العراق عندما يتم الاستفتاء على مصير الإقليم في سبتمبر المقبل. المراقب للموقف التركي من أحداث الأقصى، يتيقن أنها لم تقم بالدور المطلوب، لا بوصفها دولة ترأس منظمة المؤتمر الإسلامي في هذه الدورة، من الواجب أن تمسك بزمام المبادرة لثني إسرائيل عن عملياتها الإجرامية في القدس الشريف، ولا بحسبانها قوة إقليمية في المنطقة يهمها عدم حدوث المزيد من التوتر، ولا حتى باعتبارها قائدة لمحور عريض من المتطرفين الإسلاميين، يتبنى خطابا مناهضا لإسرائيل. لم نسمع منه شيئا عن القيام بأي تحرك مادي أو معنوي لنجدة الأقصى، وانصبت معظم التحركات على النيل من استقرار بعض الدول العربية. المعطيات السابقة تؤكد أن التسليم بالخطاب التركي على علّاته خطأ جسيم، من الضروري تفكيكه سياسيا لاستكشاف الحقيقي من المزيف فيه. فالطريقة التي يتم بها تسريب الأخبار والتصريحات مليئة بالمغالطات، وتوقيت بثها له مرامي أبعد ما تكون عن الوظيفة الموضوعية للإعلام، وتريد توصيل رسائل بعينها، غرضها إيهام الناس أن أنقرة لاعبا مركزيا في المنطقة وتمتلك من الأوراق ما يمكنها من التأثير في مسار الأزمات. وهو ما يتنافى مع الانتهازية التي تدير بها تركيا سياستها، مع الخليج وإيران وروسيا وإسرائيل، وحتى الولايات المتحدة التي بدأت تصطدم أنقرة بها لن تستطيع المضي في طريق العداء لإدارة الرئيس ترامب، لأنها ببساطة لن تتحمل تكاليف الصدام على المستوى الإستراتيجي، بالتالي من الطبيعي أن تنحني وتتراجع أمام كل العواصف قبل أن تصل إلى حافة الهاوية، ومن بينها الأزمة القطرية، وهي أهم نتيجة يمكن الخروج بها من جولة أردوغان في كل من السعودية والكويت وقطر.   محمد أبو الفضل

مشاركة :