العنف الزوجي يكشّر عن أنيابه طارقاً أبواب المحاكم

  • 7/28/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: جيهان شعيب - محمد بركات كم هائل من القصص والحكايات المؤسفة لوقائع العنف الزوجي تشهدها أروقة المحاكم الأسرية، وتنطوي عليها السجلات وهي قيد التحقيقات، فهناك قول رقمي للدراسات الحديثة التي قام بها علماء الاختصاص في العلاقات الإنسانية، إذ يؤكدون بأن معظم العلاقات التي انتهت بالعنف الجسدي أو اللفظي أو غيرها من الأشكال الأخرى، كانت في بدايتها عبارة عن حياة رومانسية وعاطفية، تتسم بالمحبة والمودة والهدوء، لكنها ما لبثت أن وصلت إلى حد العنف، وفي ذلك قولهم إن التعرف إلى المنزل العنيف ليس بالسهولة بمكان، لأن كل المنازل مرشحة أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى أماكن تتسم بالعنف.«الخليج» في هذا التحقيق ترصد قصصاً وحكايات واقعية تسجلها بعض محاكم الدولة..نعرضها من دون رتوش على أحداثها، فهذه سيدة تزوجت منذ خمسة أشهر، وكانت سعيدة بحياتها، إلى أن دخل عليها الزوج غاضباً في أحد الأيام لأنه لم يجد المنشفة في مكانها، واندفع تجاهها، ومن دون تردد، وبقسوة متناهية سكب عليها دلو ماء ساخن، حارقاً جسدها، وصارخاً في وجهها «عندما أناديكِ مرة أخرى يحسن بك أن تعيريني اهتمامك، وتسارعي لتلبيتي» وذلك لعدم سماعها له عندما ظل يناديها طالباً منها إحضارها له، لجلوسها في الغرفة المجاورة، وانشغالها بمشاهدة التلفاز. هذه قصة واقعية أخرى سجلتها إحدى محاكم الدولة لواقعة عنف أسري، تقدمت بها زوجه ضد زوجها الذي تعدى عليها جسدياً، مما عرضها لأذى بدني عنيف، لم تستطع معه سوى التقدم ببلاغ للشرطة، تم تحويله إلى قضية، فيما لا تعد الواقعة الوحيدة أو الأولى من نوعها، إذ إن هناك العديد من مثل هذه الدعاوى، التي أخذت طريقها إلى المحاكم الأسرية، وإن اختلفت التفاصيل، بما يشير إلى أن المودة والرحمة توارت في بعض البيوت، وراء ستار الضغوط المادية، والحياتية، التي أضعفت الترابط، والتماسك، وأتت على الاستقرار، والهدوء، واستمرارية الحياة.وتلك جريمة أخرى ارتكبها مؤخراً أحد المقيمين الأجانب في الدولة، قتل زوجته جراء ضربها بآلة حادة أثناء مشاجرة نشبت بينهما، ضمن خانة الأذى الجسدي، فضلاً عن العنف اللفظي الأسري أيضاً الذي يأخذ أشكالاً مختلفة، تصب جميعها في إطار انفصام عرى العلاقات الزوجية الصحيحة، والتقنع ظاهراً بعباءات سعادة كاذبة لحياة أسرية مهلهلة من الداخل.ومن ذلك قصة زوج عاد ثملاً لبيته في الساعة الرابعة فجراً، وطلب من زوجته إعداد الطعام له، ولأنها لم تجد شيئاً سوى القليل من الجبن والزيتون والمربى، استشاط غضباً آخذاً في سبها، لأنها لم تحضر له الدجاج واللحم، وعندما أخبرته أن الثلاجة فارغة منذ أسبوعين، وأنها أخبرته مراراً بذلك، إلا أنه لم يهتم لإنفاقه المال على معاقرة الخمور، جن جنونه، وأخذ يركلها بكلتا قدميه، وهي تتلوى على الأرض من الألم، ثم ربطها من يديها ورجليها، وجرها من شعرها على الأرض، وألقاها في دورة المياه، ومن ثم عمد إلى قص شعرها، ولم يكتف بذلك حيث انطلق نحو سيارته وأتى بعصا غليظة كان يحتفظ بها فيها، مواصلاً ضربها على جميع أنحاء جسمها بكل قوة حتى تهشمت العصا، فخرج إلى غرفة مجاورة وأحضر غيرها، واستمر في الاعتداء عليها بقسوة، حتى كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فتركها مربوطة ومقيدة وهي تنزف دماً حتى الصباح، فيما شهد الاعتداء على الزوجة، أطفالها الصغار الذين استيقظوا فزعين من صراخها. حالات عدة وفقاً لخليفة محمد المحرزي الخبير في الشؤون الأسرية أثبتت الدراسات بأن الزوج الذي اعتاد ضرب زوجته يكون من الصعوبة بمكان عليه التوقف عن ذلك، وأنه في عام 1994 شهد العالم خلال سنة واحدة أكثر من أربعة ملايين واقعة عنف ضد الزوجات فقط، فضلاً عن أن 20 % من الزوجات اللائي تعرضن للعنف المنزلي كانت إصاباتهن بليغة، وتراوحت بين كسور في العظام وتلف في الأنسجة، وعلاج لأكثر من عشرين يوماً، و44 % من الزوجات ممن تعرضن للضرب، حصلت لهن آثار على أجسادهن مدى الحياة نتيجة الضرب، و52 % من مرضى الاضطرابات النفسية الذين خضعوا للعلاج النفسي كانوا من ضحايا العنف المنزلي، فيما أثبتت الدراسات بأن حوالي 67% من الأزواج الذين يستخدمون العنف ضد زوجاتهم، رأوا آباءهم يضربون أمهاتهم أمام أعينهم أثناء الصغر.ومن واقع عمله في المؤسسات الاجتماعية المعنية بشؤون الأسرة، وفي قسم الإصلاح والتوجيه الأسري بدائرة محاكم دبي كموجه للعلاقات الأسرية، يروي أنه تعامل مع الكثير من اللواتي تعرضن للعنف العائلي على يد أزواجهن، وكانت معظم الحالات تأتي من أجل التخلص من قسوة الحياة التي يعشنها في المنزل، وبعض الحالات القليلة كن يأتين طلباً للمشورة، أو إيجاد بيئة بديلة للعيش فيها والبحث عن أنماط أخرى للتعامل مع الزوج العنيف، وفئة من الزوجات فكن يبحثن عن النصيحة القانونية لوقف هذا النزيف غير الأخلاقي، حيث كن وأطفالهن ضحايا للعنف والقسوة وسحق للإنسانية الكريمة، منوهاً في هذا الصدد بأن العنف ليس له هوية معينة، بل هو شريك لكثير من البيوت سواء كان ذلك في الشرق أو الغرب، ومعظم الذين يمارسونه من الرجال، مقابل قليلات من النساء يتسمن بالعنف الجسدي مع أزواجهن، فيما يؤكد عدد من المختصين بأن العنف الزوجي يزداد في المجتمعات البدائية، ذات الثقافة البسيطة، ويقل في المجتمعات المتمدنة التي تتسم بالثقافة العالية، لكن نسبته تكاد تكون متساوية في المجتمعات الحديثة والبسيطة. الجهل بالحقوق والتأكيد التالي لتزايد واقع العنف الزوجي جاء من د. خليل إبراهيم القاضي في محاكم استئناف دبي، حيث أكد ارتفاع دعاوى التطليق للضرر وغيره، وتزايدها في الفترة الأخيرة، لجهل بعض الأزواج بحقوق الزوجات، وبالأحكام الشرعية التي تحث على الرفق بهن، ومعاملتهن بالحسنى، ولانعدام الثقافة الصحيحة للزوجين بالحقوق والالتزامات، وعدم فهم بعض العادات والتقاليد بشكل صحيح، وأيضاً الجهل بالمعنى الحقيقي للتأديب الشرعي للزوجة، حيث يعد الضرب في بعض المجتمعات أمراً عادياًَ، فيما وبشكل عام ينافي التعاليم الإسلامية.ولابد من إكمال نقص التشريعات المتعلقة بالحالات الزوجية، حال التعدي بالضرب، أو السب، بحيث تتوافق مع كل حالة وفقاً لطبيعة الدعوى المقدمة للمحاكم، وتثقيف الزوجين شرعياً، وقانونياً بالحقوق الزوجية المكتسبة في عقد الزواج، وعلى الزوج كبت غضبه عند الخلاف مع الزوجة، وتجنب اللجوء لمد اليد عليها بالضرب، والإيذاء، وعليها أيضاً احتواء المشكلات، وتمرير الأمور. نفسي واجتماعي ولا شك في أن الواقع المرئي يبين أن العنف الأسري يأخذ أشكالاً مختلفة حيث لا يقتصر على الإيذاء البدني فقط، وفي ذلك ما توضحه المحامية منوهة هاشم من أنه لا يعني الضرب والإيذاء الجسدي أو البدني فقط، وإنما هناك عنف نفسي، ولفظي، واجتماعي.ومن ذلك تجريح وسب الزوج زوجته وقذفها بألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان، بما يهين كرامتها، وقد يكون عنفاً اجتماعياً بحرمانها من رؤية الأبناء مثلاً، أو من الاختلاط بالمجتمع، وفي حالات يحرم الزوج زوجته من إكمال الدراسة، أو العمل، أو حتى زيارة أهلها، كشكل من أشكال التسلط والعنفوان.وهذه الأشكال من العنف تتسبب في التفكك الأسري، والعقوق، وانحراف الأبناء، وفي ذلك تواصل قولها: نلحظ حالات عدة من أبناء الخلافات الأسرية سقطوا في بئر تعاطي المخدرات، وإدمان الكحوليات، للهرب من الواقع المرير لآبائهم وأمهاتهم، إضافة لتدني مستواهم التعليمي، وضعف التحصيل.فيما كثير من وقائع العنف الزوجي تتداول في المحاكم لإيجاد حل لها، رغم أنه ليس من وجهة نظري بالتقاضي، وإنما وبشكل أساسي، ومن البداية يجب التركيز على حسن الاختيار تفادياً للخلاف بعد ذلك، وتقوية الوازع الديني لطرفي العلاقة الزوجية، والحرص على حل المشكلات بينهما بعيداً عن الأبناء. عدم تجاوز المشكلات ببساطة ويسر قالت نعيمة الزعابي «سيدة أعمال»: لاشك في أن تسيد الماديات على واقع الحياة بشكل عام، زاد من حجم الضغوط النفسية على كثير من الأزواج والزوجات، ما أفقدهم الصبر في التعامل، وعدم تجاوز المشكلات ببساطة ويسر من دون تفاقمها، وتزايدها، وتناميها، إلى حد انفلات أعصاب الزوج مثلاً في معاملة الزوجة، ومعاملتها بقسوة وخشونة، وإهانتها بصور مختلفة، ربما لتعنتها، وعندها، والوقوف نداً له، والعصبية في مواجهة طلباته، وربما أيضاً من دون أسباب تذكر سوى التنفيس عما يعانيه من هموم وغيرها. وربما لعمل الزوجة، وتحملها كثيراً من مهام وظيفتها، فضلاً عن متطلبات بيتها، واحتياجات أطفالها، دور في سرعة فقدانها لهدوئها في احتواء المشكلات التي تقع مع زوجها، أو التغاضي عنها، ولملمتها، فيما على الزوجين التعامل بمنطق الشراكة الحقيقية القائمة على المودة، والرحمة، والرغبة الصادقة في الحفاظ على استمرارية الحياة بينهما، وتجنب تصعيد أي خلاف، واعتماد المرونة في تمرير الأزمات. انعدام النضج العاطفي والإنساني للزوج أكدت دراسات أن بعض الأزواج لا يقدمون على الضرب إلا لوجود أسباب جوهرية كبيرة، تشكلت لديهم منذ الصغر، تزامناً مع تنشئتهم التربوية، وتعتبر الموجه الداخلي لتعاملهم مع المحيط الخارجي، ومن ذلك الشعور بالنقص، وضعف الشخصية، والاضطرابات النفسية الموروثة من الوالدين.البطالة والفشل في الحياة العملية مما ينعكس على الحياة العائلية، فتجد الزوج يفرغ كل انفعالاته الداخلية بالاعتداء على جسد زوجته أو أبنائه، وانعدام النضج العاطفي والإنساني للزوج، فيصبح حاداً، جاف الطباع، صعب الإرضاء، متبلد الإحساس تجاه زوجته، يغلب على تعامله وأسلوبه القسوة، وضعف الوازع الديني والابتعاد عن التعامل الطيب مع الآخرين، وخاصة الزوجات، إلى جانب سوء استخدام الرجل سلطته، وقوامته على المنزل، والفهم الخاطئ لمعنى الرجولة وتفسيره على أنه مجرد صراخ، وسيطرة، وضرب. الأمراض النفسية التي قد يكون مصاباً بها الزوج، وتسبب الاضطرابات لديه، وتتولد عنها العصبية، فالزوج المصاب بمرض السادية منذ صغره ينشأ والعصبية تلازمه في تعامله، والمصاب بمرض السيكوباتية يتصرف بشيء من القسوة والقهر، فضلاً عن بعض الأزواج ممن لا يطيق الحياة الزوجية ويرى أنه قد تورط بالزواج، فيكره زوجته ويتضايق من بيته ويحس بثقل المسؤوليات الملقاة على عاتقه، علاوة على إمكانية معاقرة الزوج الخمور، وإدمان المخدرات، حيث لا يدرك ما حوله، ويتصرف من دون وعي بأفعاله.

مشاركة :