أبناء غوبلز بجدارة سامية هاشم إلى أولئك الذين يعملون في مجال السياسة والمعلنين والمسّوقين ورجال المبيعات ومنسقي العروض، تعد المخادعة جزءا أساسيا من مهارات الترويج للأفكار والسلع والبضائع حيث يصبح الخداع حرفة ومهنة يفتخر ممارسوه بنتائج عملياتهم، دون أن يرف لهم جفن لأنهم ببساطة لا يشعرون بأنهم يمارسون عملية الكذب أو الزيف والخداع وحتى أخفاء الحقيقة تماماً، لأنهم وصلوا إلى الهدف الأساسي الذي يسعون إليه وهو التسويق ولا تهمهم الطريقة التي سوقت بها سلعهم وأفكارهم طالما أنهوا الصفقة بنجاح ولا يهمهم أيضاً ماذا سيقال عنهم لاحقاً لأنهم يركزون على اللحظة الآنية، وهناك طرق جديدة للخروج من أزماتهم فيما لو اكتشف خداعهم. هؤلاء ربما لا يدركون مفهوم الكذب أساساً بل يلبسونه مفاهيم أخرى مثل البراعة والحنكة والفهلوة والشطارة وفن الإقناع ولكن لو دققت قليلاً في تلك الممارسات لوجدت مبعثها الأساسي هو الكذب، فالناس يكذبون لكي يجمّلوا أفعالهم ولكي يكونوا مقبولين في مجتمعهم وتقبل أفكارهم. هل يولد الإنسان وهو يكذب؟ أم أن الكذب هو حالة أو صفة مكتسبة يتعلمها الفرد من بيئته التي ولد فيها ومن مجاله الذي يعمل فيه؟ ولعل الجواب على هذا السؤال يصيبنا بالدهشة وخيبة الأمل، فقد وجد الباحثون أن هناك جينات للكذب في تركيب الإنسان تكون هي المسؤولة عن صفة الكذب لدى الإنسان. ففي دراسة قديمة أجريت عام 1819 أجراها باحث من جزر هاواي وجد أن “أفراد العائلة الواحدة قد يختلفون في أربع وخمسين صفة، إلا أنهم يمكن أن يشتركوا في صفة واحدة وهي الكذب” التي تمكنهم من خداع الآخرين، وأعلن العالم دانيال ماكنيل أن سبب ذلك هو وجود جينات للكذب في التركيب الداخلي لأجسامهم. هل هذا يعني أن صفة الكذب قد تكون عاملاً مشتركاً في أسرة واحدة يعمد أفرادها إلى إخفاء الحقيقة وهو النوع الأول من أنواع الكذب، أما النوع الثاني والذي حدده الباحثون فهو الزيف والخداع الذي يقدم فيها الشخص من هؤلاء المعلومات الزائفة في غلاف براق فتبدو وكأنها حقائق. هل أضحى الكذب ضرورة من ضرورات الحياة وما هي حدوده؟ وهل هناك كذب ضار وآخر نافع؟ السؤال يصبح أكثر إثارة عندما يتعلق بوسائل الإعلام. والكذابون يفقدون ثقة الناس بهم فقد قال فريدريتش نيتشة “لست حزيناً لأنك كذبت عليّ بل أنا حزين لأنني لن أستطيع تصديقك بعد الآن”. وإذا كان الكذب هو حالة يشعر صاحبها بأنه لجأ إليها مع شعوره بالرفض الداخلي، لكي يدرأ عن نفسه العقاب أو لكسب ود الآخرين أو كحالة دفاعية كما في الحرباء لغرض إخفاء شيء أو كحيلة دفاعية لمواجهة الواقع وللقبول الاجتماعي، ولكن السؤال الأخطر هل يمكن أن يتحول الكذب إلى حالة مرضية نفسية؟ والجواب على هذا السؤال للأسف: نعم. وعيادات الأمراض النفسية تزخر بالعشرات من الحالات المرضية من هذا الداء. لكن الأسوأ في عالمنا المعاصر أن يلجأ الكثير من الإعلاميين والإعلانيين والمؤسسات إلى الترويج بواسطة معلومات غير صحيحة ويذهب الناس متأثرين بها ويشترون أو يصدقون تلك الأشياء المراد ترويجها، حتى يكتشفوا بعد حين أن ذلك الخطاب من صنائع كذابين مهرة في علم التسويق، وهم أبناء غوبلز بجدارة! أستاذة الاتصال الجماهيري الجامعة الأميركية- دبي سراب/12
مشاركة :