غادر الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، بعد جولة قصيرة على مدى يومين في المنطقة الخليجية لمحاولة دفع عجلة الوساطة في الأزمة القطرية، لكن أردوغان وهو الزائر الخامس من خارج المنطقة رحل دون إحراز أي تقدم ملموس، فما زال التعنت القطري مستمراً، وما زالت الوساطة الكويتية تعاني في كسر جمود الأزمة، في حين خرج أمير قطر للمرة الأولى منذ بدء الأزمة، ليبدد كل أمل في حلها بعد أن عرض حواراً مشروطاً على السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بدلاً من التجاوب بإيجابية مع قائمة المطالب العربية. وبعد صمت طويل منذ أن بدأت الأزمة، خرج أمير قطر في خطاب موجز، جاء في معظمه متطابقاً إلى حد كبير، مع التصريحات القطرية للمسؤولين والصحافة القطرية طوال الأيام الماضية، خطاب سمته الأساسية هي التناقضات والحديث عن المظلومية جراء المقاطعة، فيما اعتبر مراقبون أن تميم يحاول تهيئة شعبه لأي تصعيد قد تشهده الأيام القادمة أو عندما تسوء الأوضاع الداخلية في الإمارة القطرية إذا استمرت الأزمة لفترة أطول، يؤكد ذلك هو تجاهل الأمير القطري تماماً لقائمة المطالب العربية، ودور قطر التخريبي وحديثه عن أن الدوحة جاهزة لحوار مشروط والتوصل إلى تسوية لكل القضايا، من جهة أخرى فإن الزيارة الأردوغانية إلى المنطقة لم تأت بجديد، المتحدث باسم الرئاسة التركية «إبراهيم قالن» ذكر في بيان صحفي أن أردوغان قد «اتفق مع الزعماء الذين التقاهم في جولته الخليجية على ضرورة استمرار مبادرة الكويت والمبادرات الراهنة لحل الأزمة عبر التفاوض والحوار»، وذكر «قالن» أيضاً أن الرئيس التركي تناول خلال لقاءاته مع المسؤولين الخليجيين العلاقات الثنائية والتطورات في سوريا والعراق، كما ناقش قضايا مكافحة الإرهاب، أما الرئيس التركي نفسه فقد قال في تصريح صحفي بمطار «أسن بوغا» بالعاصمة التركية أنقرة، عقب عودته من جولته الخليجية: «وجدنا فرصة لبحث الأزمة الخليجية وتقييم المسائل الإقليمية الأخرى وأجرينا مشاورات بشأن ما يمكننا فعله لحل الأزمة». من جهتها فإن وكالة الأناضول التركية حاولت أن تعطي أهمية للزيارة بالقول إن أردوغان يعد أول رئيس دولة يزور قطر منذ زيارة أمير الكويت لها، في السابع من يونيو الماضي في إطار وساطته لحل الأزمة، وإن كان هذا الأمر له مدلول آخر، فهو يؤكد عزلة قطر إقليمياً ودولياً، ومشروعية موقف الدول الأربع المقاطعة لها. في حين غرد د.أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في تغريدة له عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر، أن «زيارة الرئيس التركي لا تحمل جديداً، والموقف المتسرع لبلاده جعل الحياد أفضل خيارات أنقرة»، مضيفاً: «المراجعة القطرية ستحقق ما لن تحققه الزيارات المتكررة». وقد سبق زيارة أردوغان لقطر.. تجاوب قطري، بطريقة غير مباشرة، مع مطالب الدول الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب، وذلك عبر إصدار أمير قطر مرسوماً أميرياً يقضي بتعديل مواد من قانون مكافحة الإرهاب تتعلق بتعريف الإرهابيين وكل ما يتعلق بهم، طالباً تنفيذه بعد صدوره في الجريدة الرسمية، القانون المعدل يتضمن تعريف الإرهابيين والجرائم والأعمال والكيانات الإرهابية، وتجميد الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك استحداث نظام القائمتين الوطنيتين للأفراد والكيانات الإرهابية. كما تضمن تحديد إجراءات إدراج الأفراد والكيانات في كلٍّ من القائمتين، إضافة إلى بيان الآثار المترتبة على ذلك، وتثبيت حق ذوي الشأن بالطعن في قرار الإدراج أمام محكمة التمييز، يأتي ذلك في حين أن الدول الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب قد أدرجت أسماء وكيانات جديدة لقائمة الإرهاب التي كانت أعلنتها في مايو الماضي، وبحسب البيان الصادر عن المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر فقد تضمنت الإضافة الجديدة تصنيف 9 كيانات و9 أفراد تضاف إلى قوائم الإرهاب المحظورة لديها، بينهم ثلاث مؤسسات وثلاث شخصيات يمنية، حيث اتهمهم البيان بالقيام «بدعم تنظيم القاعدة، والقيام بأعمال نيابة عنها اعتماداً على دعم كبير من مؤسسات قطرية خيرية مصنفة إرهابياً لدى الدول الأربع»، وأكد البيان أن «الدول الأربع ستقوم مع شركائها الدوليين بمراقبة مدى التزام السلطات القطرية بعدم احتضان الإرهابيين ودعم وتمويل الإرهاب، والانقطاع عن الترويج لخطاب التطرف والكراهية، واحتضان وتمويل المتطرفين داخل قطر وخارجها». مضيفاً أن «الدول الأربع تؤكد استمرار إجراءاتها الحالية وما يستجد عليها إلى أن تلتزم السلطات القطرية بتنفيذ المطالب العادلة كاملة التي تضمن التصدي للإرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة». ومع استمرار الأزمة، يتكشف ما كانت تخفيه الأيام من الدور العبثي لقطر في المنطقة، فالسفير الإماراتي لدى روسيا «عمر غباش»، أكد أن قطر قد زودت تنظيم القاعدة بمعلومات غاية في الأهمية، مكنته من استهداف القوات الإماراتية في اليمن، وأشار غباش إلى أن الإمارات لديها دلائل بالصوت والصورة على مساعدة الدوحة لتنظيم القاعدة من خلال نقل معلومات عن استعداد القوات الإماراتية لعملية أمنية، حيث أُبلغ تنظيم القاعدة بموقع القوات الإماراتية وخططِها، فوصل أربعة انتحاريين وفجروا أنفسهم بالقوات الإماراتية، ودعا «غباش» المجتمع الدولي إلى دعم إجراءات استهداف مصادر تمويل الإرهاب، لافتاً إلى أن هناك أفراداً في قطر يرسلون التعليمات لتابعين لهم في اليمن وليبيا وسوريا لتنفيذ عمليات محددة، أما السفير السعودي في الأردن «خالد بن فيصل آل سعود» فقد قال إن مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب من قطر واضحة وفي مقدمتها وقف دعم وتمويل الإرهاب، مشيراً إلى أن هناك دلائل واضحة على دعم قطر للإرهاب على مدار سنوات. من جهته، كشف وزير الخارجية السعودي، السيد «عادل الجبير»، عن منح الدوحة جواز سفر قطري للإرهابي «عبد العزيز المقرن»، وهو ما مكنه من دخول أراضي المملكة العربية السعودية، حيث خطط لتنفيذ عديد من الهجمات الإرهابية، ومن المعروف أن المقرن قد تزعم تنظيم القاعدة في السعودية لمدة ثلاثة أشهر، كانت الأكثر دموية في تاريخها، فقد بدأ المقرن رحلته للتطرف من أفغانستان في التسعينيات، حيث تلقى تدريبه في معسكرات القاعدة، وبعد تنقله بين دول عدة، عاد إلى الرياض متزعماً القاعدة عبر جواز سفر قطري. وأكد «الجبير» أنه «ليس هناك مجال للمفاوضات مع قطر لأن الأمر لا يتعلق بمفاوضات، بل بمسألة مفادها، هل هناك دعم للإرهاب أم لا»، وتابع الجبير: «تحدثنا عن الوضع مع قطر، وشرحت القرارات، التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر، وهي دعم الإرهاب وتمويله، وإيواء الإرهابيين والتحريض، ونشر خطاب الكراهية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وقدمنا إلى أشقائنا القطريين مجموعة مطالب تقع ضمن هذه المبادئ ونأمل أن تسود الحكمة في قطر وأن يستجيبوا بشكل إيجابي لهذه المطالب لنطوي هذه الصفحة ونمضي، وسننتظر حتى يحدث التغيير المرجو»، مضيفاً: «ينبغي ألا يكون هناك أي تسامح مع التطرف والإرهاب، ويجب أن نجد حلولاً لهذه المشاكل». وتابع بالقول إن الدول الأربع «أقدمت على هذه الخطوة لا بهدف إلحاق الضرر بقطر، بل على العكس قامت بذلك عن ألم». وأكد أن حل الأزمة مع قطر يجب أن يكون داخل إطار مجلس التعاون الخليجي، معبراً عن الأمل في أن يتغلب صوت الحكمة في قطر، لتكون المنطقة في وضع أفضل مما هي عليه الآن. أما المستشار في الديوان الملكي السعودي «سعود القحطاني»، فقد علق على التقارير المتداولة حول قرصنة وكالة الأنباء القطرية، قائلًا إن قرار الدول المقاطعة لقطر، لا يمكن اختزاله بتلك التصريحات، متهماً ما وصفه ب«تنظيم الحمدين» بحكم قطر، كما لم يستبعد تزايد المطالب الموجهة للدوحة، ودعا القحطاني الدوحة إلى مراجعة نفسها وسياستها التي وصفها ب «العدوانية منذ انقلاب حمد على والده ثم مراجعة المطالب ال13. وقد تزيد؛ بعد أن اتضح للعالم سوء نيتهم»، متابعاً: «البكائيات الكاذبة حول اختراق وكالة الأنباء ليست لب الموضوع من قريب ولا بعيد وإذا كان تنظيم الحمدين يظن أنه سينجو بهذه الحجة فقد وهم كعادته». وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد القطري من تداعيات كثيرة منذ بدء الأزمة، تأتي أزمة العمالة الوافدة إلى قطر لتزيد من تلك التداعيات وتحمل الدوحة ما لا تطيق، فالأوضاع الصعبة التي تعاني منها العمالة الوافدة استدعت تحقيقاً من منظمة العمل الدولية، وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست، نشرته الأسبوع الماضي، فقد أظهرت الأزمة الدبلوماسية في الخليج عيوب نظام العمل في قطر، وفي هذا السياق.. منعت المؤسسات الحكومية القطرية العمال من الحصول على إجازاتهم السنوية والسفر إلى الخارج، لتتركهم محاصرين داخل البلد على حد قول الصحيفة الأمريكية إذ يقدر عدد العمال الأجانب في قطر بنحو 2.2 مليون عامل، غالبيتهم من دول آسيوية، في حين قال موقع فوكس الإخباري الأمريكي إن الإعلام القطري تجاهل بشكل كبير المخاطر التي يتعرض لها العمال في قطر، مشيراً إلى أن قناة الجزيرة القطرية بثت قصصاً كثيرة عن تأثير الإجراءات الخليجية على العائلات المختلطة والطلاب القطريين في دول الجوار، بينما لم تعط مساحة تذكر لأوضاع ومشكلات العمالة الوافدة. الموقع الإخباري نقل عن «آدام سوبيل»، مخرج الفيلم الوثائقي «كأس العمال» الذي سلط الضوء على الأوضاع المزرية للعمالة التي يتم استغلالها في بناء منشآت كأس العالم عام 2022 في قطر، قوله إن «العمال الوافدين خارج اهتمام ونظر المجتمع، وذلك عن عمد». وبحسب تقرير لوكالة رويترز في مارس عام 2016، فإن معظم الشكاوى ضد الدوحة بهذا الصدد تشمل مصادرة جوازات السفر غير المشروعة، وسرقة الأجور، وسكن العمال دون المستوى المطلوب، والرسوم المفرطة على العمال والموظفين، في حين أصدرت «شاران بار» الأمينة العامة للاتحاد الدولي للنقابات الحرة، بياناً في 19 يونيو الماضي، أكدت فيه أن العمال من بنجلادش والهند والنيبال يعانون معاناه شديدة في قطر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية خاصة حالياً المستوردة من إيران وتركيا، وأضافت أن الأوضاع المأسوية للعمالة الوافدة في قطر تعاني بشدة من عدم وجود حقوق لهم في ظل نظام التوظيف غير العادل. يأتي ذلك في حين تبدأ 388 شركة سعودية الخروج من السوق القطرية خلال الأيام القادمة، إضافة إلى شركات خليجية أخرى، وهذا يعني خروج استثمارات بحجم 50 مليار ريال من السوق القطرية، وهو ما يؤشر إلى أن الأسوأ لم يأت بعد، فالدول الخليجية ما زالت تسمح لناقلات النفط والغاز القطرية بشق عباب البحر، ولم تطلها المقاطعة الاقتصادية. كما أن واقع المؤشرات الاقتصادية القطرية يوضح أن الأزمة الحالية قد بلغت مستويات حرجة وحساسة، فقد تراجع الريال القطري إلى أدنى مستوى له خلال 12 عاماً مقابل الدولار، وترافق ذلك مع هبوط في سعر الفائدة المعروض بين بنوك قطر بلغ نحو 1.8 %، هذا إلى جانب التباطؤ الحالي الذي تشهده قطر في طرح وترسية مشروعات جديدة، وهو ما سيؤدي إلى استمرار ضعف النشاط الاقتصادي سنوات قادمة، الأزمة لا تقتصر على المشروعات الجديدة، بل في تأثير تباطؤ تنفيذ المشروعات الحالية على معدلات نمو الاقتصاد القطري، وذلك نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد، وقد ذكرت شبكة فوكس نيوز الأمريكية في تقرير لها، أنه في حال استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر على خلفية تورطها في دعم المنظمات الإرهابية، فإن هذا سيعرضها لأزمات اقتصادية طاحنة قد تؤدي إلى امتناع أصحاب الشركات عن دفع رواتب العمالة الوافدة، مشيرة إلى أن ادعاء السلطات القطرية بصلابة اقتصادها، رغم المقاطعة ليس له أساس من الصحة. وبعيداً عن الأزمة وتوابعها، فقد أصدرت وزارة الحج السعودية، بياناً بشأن الحجاج والمعتمرين القطريين، أوضحت فيه الخدمات المقدمة لهم وسبل وصولهم إلى الأراضي المقدسة، فبوسع المعتمرين القطريين الاستمرار في أداء العمرة في أي وقت وعبر أي خطوط، باستثناء الخطوط القطرية بما في ذلك الخطوط التي تنطلق من الدوحة مروراً بمحطات ترانزيت، أما بالنسبة لأداء فريضة الحج فإنه يمكن للقطريين وللمقيمين في قطر ممن لديهم تصاريح حج من وزارة الحج بالمملكة ومن الجهة المعنية بشؤون الحج في قطر ومسجلين في المسار الإلكتروني للحج، القدوم جواً عن طريق شركات الطيران الأخرى التي يتم اختيارها من قبل الحكومة القطرية ويتم الموافقة عليها من قبل الهيئة العامة للطيران المدني في المملكة، وسيكون قدوم جميع الحجاج من قطر لهذا العام عن طريق الجو، وفي حدود الأعداد المحددة في اتفاقية الحج المتخذة لهذا الموسم.
مشاركة :