تغيير النظام الإيراني بالقوة العسكرية ليس الخيار الوحيد

  • 7/28/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد مرور سنتين على إبرام الاتفاق النووي الإيراني و 6 شهور من ولاية ترمبرجل ينظر من نافذة من مبنى البرلمان الإيراني في طهران بعد يوم واحد من هجوم على المجمع. وقالت إيران إن الإيرانيين الذين قتلوا في هجومين متزامنين في طهران كانوا من ضحايا أعضاء تنظيم داعش في العراق وسوريا. يذكر ان الهجمات التى وقعت يوم 7 يونيو فى مجمع البرلمان فى طهران وضريح الزعيم الثورى اية الله روح الله الخمينى اسفرت عن مقتل و اصابة اكثر من 50 شخصا – (غيتي) 8 يونيو 2017 واشنطن – ماديسون شرام وأريان طبطبائي* * ينبغي أن يدرك صناع السياسة أنّ تحليل الكلفة والربح من تغيير النظام في إيران مرهونٌ بالاستراتيجية والوسائل المستخدمة. * أظهر التاريخ أنه حتى بعد الانتقال العضوي والسلمي للسلطة، فإن الدول الجديدة غالباً ما تكون لديها نظم هشة ومؤسسات ضعيفة، وهي أكثر عرضة للنزاع نسبياً. بمناسبة مرور سنتين على إبرام الاتفاق النووي الإيراني هذا الشهر، يطالب الصقور الإيرانيون مرةً أخرى بتنفيذ الحل الأفضل لمشكلة إيران بالنسبة لهم وهو تغيير النظام. وذكرت مجلة «بوليتيكو» في يونيو (حزيران) أنه وبعد فترةٍ وجيزةٍ من تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قدمت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة أبحاث محافظة مقرها واشنطن، مذكرة إلى مجلس الأمن القومي تقول فيها إن «إيران معرضة لاستراتيجية إجبار الديمقراطية لأنها تفتقر إلى الدعم الشعبي وتعتمد على الخوف للحفاظ على سلطتها. فبنية النظام ذاتها تدعو إلى عدم الاستقرار والأزمة وربما الانهيار». وكما قال راي تاكيه، العضو البارز في مركز أبحاث تابع لمجلس العلاقات الخارجية: «إن مهمة الإدارة الأميركية الآن هي دراسة الطرق التي يمكننا الاستفادة فيها من أزمة إيران التي تلوح في الأفق لعزل أحد خصوم أميركا الأكثر رسوخاً». وقد شجع الرئيس ترمب وأداء فريقه تجاه الجمهورية الإسلامية مطالب الصقور، إذ أشار وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مؤخراً إلى أن تغيير النظام السلمي هو خيار سياسي يمكن لفريقه أن يتّبِعه. غير أن تغيير النظام ليس ممكناً إلا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للالتزام سياسياً وعسكرياً بمسرحٍ آخر في الشرق الأوسط لفترةٍ طويلةٍ من الزمن. فمحاولة تحقيق انتقال للسلطة مع الالتزام السياسي والوجود العسكري المحدود لا يؤدي إلى تحقيق هدف إزالة الجمهورية الإسلامية أو تطوير حكومة بديلة قابلة للاستمرار.إيران تحدي استراتيجي للولايات المتحدة وقد شكلت إيران تحدياً استراتيجيًا للولايات المتحدة منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية في 1979. ولمواجهة أنشطة طهران العدوانية من انتهاكات حقوق الانسان إلى برنامجها النووي ودعم الجماعات الارهابية، دعا بعض النقاد والعلماء واشنطن إلى ممارسة المزيد من الضغط على النظام الإيراني. ولكن في كثيرٍ من الأحيان، تأتي توصياتهم مع عيوبٍ أساسية. فعلى سبيل المثال، افترض البعض أن الضربات الجوية يمكن أن توقف الأنشطة النووية الإيرانية. لكنهم غالباً ما يفشلون في تحديد استراتيجية واقعية ستدعمها العمليات العسكرية المقترحة ولا تعالج بشكل ملائم المضاعفات المحتملة. وافترض آخرون أن تغيير النظام هو السبيل الوحيد لوقف سوء السلوك الإيراني مرة واحدة وإلى الأبد، ولكنهم لم يتمكنوا من تحديد الخطوط العريضة للوسائل المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف وجعلها مستدامة. ينبغي أن يدرك صناع السياسة الجيدون أنّ تحليل الكلفة والربح من تغيير النظام في إيران مرهونٌ بالاستراتيجية والوسائل المستخدمة. ويشير تاريخ الولايات المتحدة الطويل في تغيير النظام إلى أن هناك طريقين تقريباً يمكن لواشنطن من خلالهما تحقيق الهدف في إيران: إما من خلال دعم فصيل أكثر ودية للولايات المتحدة وإما من خلال غزو البلاد واستبدال مؤسساتها. وحتى لو كان تغيير النظام من مصلحة الولايات المتحدة، فإنّ تنفيذ أي من الاستراتيجيتين لن تعطي الغاية المرجوة. المعارضة الصعبة من الناحية النظرية، هناك ثلاثة مرشحين في إيران يمكن للولايات المتحدة أن تدعمهم. المرشح الأول هو منظمة مجاهدي الشعب الإيراني، أو منظمة «مجاهدين خلق»، المعروفة بمعارضتها لطهران. وتظهر هذه المجموعة بشكل متزايد في واشنطن وتتلقى بعض الدعم من مسؤولين ومشرعين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد أزالت المجموعة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في 2012 بعد اتفاق نزع السلاح ونقل عناصرها من معسكر أشرف في العراق، فإن تكوين منظمة «مجاهدين خلق» العدوانية من الشيعة والشيوعيين يجعلها حليفاً مشكوكاً فيه. والأهم من ذلك أن منظمة «مجاهدين خلق» لا تحظى بشعبية كبيرة على الصعيد المحلي بسبب دعمها لغزو صدام حسين لإيران في 1980. إذ قاتلت المنظمة إلى جانب القوات العراقية حتى مع استخدام بغداد للأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين والأكراد العراقيين. باختصار، إن التغيير المدعوم من قبل منظمة «مجاهدين خلق» سيكون مصيره الفشل. أما الخيار الثاني فهو الحركة الخضراء التي برزت خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2009، والتي انتهت بإعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد عن طريق الاحتيال. وعلى الرغم من أن الحركة تلاشت بشكل أساسي بعد بضعة أشهر من الانتخابات، فإن البعض في واشنطن ما زالوا يعتقدون بأنها كانت على وشك إسقاط النظام ويمكن إحياؤها اليوم. ولكن الحركة لم تكن قط فصيلاً متماسكاً ولم تهدف إلى إسقاط النظام. ويخضع حالياً اثنان من قادتها وهما مير حسين موسوي ومهدي كروبي للإقامة الجبرية. كما يخضع الرئيس السابق محمد خاتمي، الذي برز في المظاهرات، لمراقبة دقيقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلاً منهم يستطيع توفير استمرارية مؤسسية في المنصب الذي يتولاه. وفي الواقع، كلهم ذكروا مراراً وتكراراً أنهم يؤيدون الأسس المؤسسية للجمهورية الإسلامية، وأيد جميعهم المعتدل حسن روحاني عندما ترشح للرئاسة في الانتخابات التي أجريت منذ عام 2009، وفي عامي 2013 و2017. وعلى غرار الجمهور الإيراني الأوسع، أرادت هذه الوحدة إصلاح النظام وليس الثورة. ولهذا السبب لم يطالبوا بالمقاطعة خلال الانتخابات الرئاسية اللاحقة لمواصلة الحركة. وبدلًا من ذلك، اختاروا السماح لروحاني بتحقيق التغيير من خلال الآليات والعمليات المؤسسية القائمة. لذلك لن ترحب هذه الشخصيات بالتدخل الأميركي في السياسة الداخلية الإيرانية، كما أن تمكينهم لن يمثل تغييراً حقيقياً في النظام الإيراني. وأخيراً، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم الملوك الذين فروا من البلاد خلال الثورة. ويقيم حالياً رضا بهلوي، وهو إبن شاه إيران السابق، في الولايات المتحدة، ويمكن أن يعود نظرياً إلى إيران لاستعادة عرش والده. في الواقع، وبعد الانتخابات الرئاسية في 2016، هنأ بهلوي الرئيس المنتخب على فوزه، وحاول أن يضع نفسه كلاعب سياسي وطلب من ترمب الانخراط مع القوى العلمانية والديمقراطية في إيران. لكن، وعلى الرغم من أن النظام الملكي هو أكثر شعبية من منظمة «مجاهدين خلق»، فإن الحنين لهذا العهد محدود. وعلى كل حال، لم تشهد البلاد ثورةً، وخاضت حرباً مدمرة استمرت ثماني سنوات، وتحملت ما يقرب من 40 عاماً من العقوبات والعزلة للعودة إلى الوضع السابق. لذلك فإن كل هذه المجموعات إما تفتقر إلى رأس المال السياسي والدعم الشعبي أو إلى الرغبة في العمل مع الولايات المتحدة لإسقاط النظام. ونتيجةً لذلك، هناك خيار آخر يستحق النظر فيه وهو القيام بعملية سرية للإطاحة بشخصيات رئيسية داخل النظام. على سبيل المثال، يمكن لمجتمع الاستخبارات الأميركي تنفيذ حملة لإزالة المرشد الأعلى آية الله خامنئي وقادة الحرس الثوري. بيد أن هذا لن يعالج قضايا واشنطن مع طهران. لأن الحكومة الإيرانية تتكون من شبكة معقدة نسبياً من اللاعبين داخل وخارج الأجهزة السياسية والأمنية. وقد صُممت هذه الأجهزة عمداً لحماية النظام من الانقلابات المحتملة. وهذا يجعل النظام مختلفاً عن النظام في العراق قبل 2003، إذ سهّلت مركزية صدام حسين للسلطة إسقاط النظام عن طريق إزالة قيادته.الدبلوماسية قد تكون هي المفتاح بسبب غياب شخصيات معارضة لدعم الولايات المتحدة، أصبح الخيار الوحيد لواشنطن هو تغيير النظام من خلال الوسائل العسكرية وإقامة نظام جديد. ولكن لا يمكن لأي انتقال للقيادة أن ينجح ويكون مستداماً دون إجراء إصلاح مؤسسي أولاً. فدون وجود مؤسسات شرعية وقادرة على الصمود، سيكون البلد عرضة لعدم الاستقرار والتغيير المستمر في القيادات أو الانقلابات، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة الهشة أصلاً. ونتيجةً لذلك، فإن السبيل الوحيد لتأمين نظام سياسي مستدام هو من خلال إنشاء مؤسسات قوية وبدعمٍ شعبي. ولكن خلق البنية التحتية المؤسسية الضرورية والعمليات السياسية الجديدة من الصفر يستغرق وقتاً طويلاً وموارد كبيرة. ومن المرجح أن يستلزم ذلك القيام بحملة طويلة الأمد ومكلفة في بيئة تشغيلية معقدة جداً. أي ثلاثة مرات أكبر من حجم العراق، ومرتين أكبر من أفغانستان التي تشمل صحراوات وجبالا وسهولا شاسعة، فضلاً عن المدن الكبرى التي يعيش فيها ما يزيد على 70 في المائة من سكان إيران البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة – مما يؤدي إلى حرب مدنية وحشية. فبمجرد البدء، سيكون هذا التجديد غير فعّال ومكلفا في أحسن الأحوال. وفي أسوأ الأحوال قد يؤدي إلى حرب أهلية. وقد أظهر التاريخ أنه حتى بعد الانتقال العضوي والسلمي للسلطة، فإن الدول الجديدة غالباً ما تكون لديها نظم هشة ومؤسسات ضعيفة، وهي أكثر عرضة للنزاع نسبياً. وكما أثبت الغزو العراقي في 2003 وما أعقبه من آثار، يمكن تضخيم هذه التأثيرات عندما يكون الدافع وراء هذا الانتقال تحريضا من الخارج وتكون الحكومة الجديدة قد أنشأها بلدٌ أجنبي. على مدى السنوات الـ14 الماضية، علم الأميركيون بالطريقة الصعبة بأن تغيير النظام من خلال الوسائل العسكرية ليس حلاً سريعاً ولا سهلاً. والواقع أنه من أجل تحقيق تغيير مستدام في النظام، فإن انتقال السلطة غالباً ما يكون مجرد بداية لحملة عسكرية دائمة أكثر. إذا أرادت الولايات المتحدة إنشاء دولةٍ أكثر وداً وامتثالاً فعليها أن تستخدم أدواتها الأخرى من مجموعة أدوات السياسة الخارجية التي لا تستلزم نفس التزام الدم والمال والتي أثبتت أنها أكثر فعالية بكثير على المدى الطويل. واليوم، يعتمد الاتحاد الأوروبي على الاتفاق النووي لإشراك طهران في أنشطتها الشائنة الأخرى، بما في ذلك دعمها للإرهاب وانتهاكاتها حقوق الإنسان وبرنامجها للصواريخ البالستية. ويوجد في بروكسل وعواصم رئيسية بينها برلين وباريس وروما عدداً من القنوات المفتوحة مع طهران لمناقشة هذه القضايا. وكما قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية وللسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: «نحن نبحث دائما عن أرضية مشتركة. ونعتقد أن هناك دائماً إمكانية للعمل معاً وإيجاد حلول يمكن تطبيقها». وبدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها، حتى إن العناصر الأكثر تحفظاً في الجمهورية الإسلامية وافقت على العمل مع الأوروبيين، كما هو الحال مع وزير العدل الإيراني صادق لاريجاني، الذي قبل إجراء محادثات حول سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان. هذا هو المثال الذي يجب أن يُحتذى. يجب على واشنطن استخدام النفوذ لديها في محاولةٍ لدفع إيران لتغيير سياساتها. إذ إن السبل الدبلوماسية لم تنفع بأي شكلٍ من الأشكال. تتفق المصالح الأميركية والإيرانية أكثر مما تعترف به الصقور في واشنطن. فعلى سبيل المثال، تشترك الدولتان في مصلحة هزيمة «داعش» وهي أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة. إن هزيمة «داعش» وضمان الاستقرار والأمن المستمرين في المنطقة يتطلبان مشاركة البلد. ومما لا شك فيه أن البلدين لا يتفقان على كل شيء، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن لا تأخذ بعين الاعتبار التهديدات الإيرانية. ولكن التخلي عن السبل الدبلوماسية دون إتاحة الفرصة لها للنجاح سيكون تصرفاً مندفعاً. * ماديسون شرام: مرشحة في إدارة الحكومة في جامعة جورج تاون – واشنطن وتحمل الدكتوراه في الفلسفة. وأريان طبطبائي: مدير المناهج في كلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون في برنامج الدراسات الأمنية.(غوريت أفيرز)

مشاركة :