تلاحقك البهجة وأنت تحتفي بكائنات (الحفظي) الشعرية الصادرة أخيراً في شهر واحد هو (رجب) وعام واحد هو (1438هـ) وهي الديوانين: عام لا يشبه وجهك.. (و) ظل الجذور. وكونهما صدرا في هذا الوقت فهذا يعطينا تأويلاً أنها ديوان واحد.. فصلا في عنوانين مختلفين . ولكن ما يشفع لصاحب هذا العمل تعريفه الديوان الأول بأنه (قصائد) وتعريفه الديوان الثاني بأنه (نصوص من النثر الفني) . وهنا مكمن البهجة .. والتساؤل.. والمثاقفة النقدية. ولعلي أتوقف عند الديوان الثاني الذي عرفه بأنه (نصوص من النثر الفني) متسائلاً اليست هذه النصوص تحمل شعريتها الفاتنة عبر لغتها ومفرداتها وموسيقاها الداخلية, وعنواناتها اللافتة, وتجلياتها السرد/شعرية؟! مما يجعلها نصاً شعرياً بديعاً ولافتاً!! مثل قوله: أيتها المملوءة بانكساري نحو بريق عيونك.. أيتها الماثلة في دمي المسكوب في همسك... ... دعيني ممسكاً بخيط المجرات الساربة في كونك المسبور. (ص21) وقوله: كان فجرك ممشوقاً بانهمارات العام الجديد/وبقايا العطر. والهدايا المغلفة /وإضاءات الألوان الزاهية في ليل متجمد/فاق تناهيات الاحتفال . أقف خلف تلويحة المدى.. اقتطف نبضة التواجد /وأمضي نحو امتداد الوقت /باتساع الإغماض على هنيهة تجلت جذور البصر الذي لن يغيب. (ص46). أشعر وأنا أقرأ هذه العبارات الدافئة أنها مثقلة بكثير من الشعرية والموسيقى الداخلية, وانهمار المعاني المبتكرة عبر فضاءات الجمل القصيرة, ومسارب المفردات الباذخة.. يدعم هذا الشعور إشاراته – في بعض النصوص – إلى أنها وردت في أحد أعماله الشعرية السابقة!!. * * * وأما الديوان الآخر: عام لا يشبه وجهك . فقد تلبسته القصيدة الخليلية والنص التفعيلي من (قمة رأسه وحتى أخمص قدميه) في تناوبات لافته , يضيء مجاهلها تواريخ انشائها المثبتة في ذيل كل قصيدة, وعناوينها المفاجئة المستنبتة من داخل النصوص التي تشكل عتبات مفضية إلى النص الشعري ومتشاكله معه. والديوان ينسكب في ذهن المتلقي /القارئ (سكرة نباتية) لها قابلية التواصل والانسجام , فالقارئ يشعر أنه يعيشها بكل كينونته حالة فرح, أو حزن أو وداع أو حنين أو أماني أو غزل جميل أو فقد ورحيل : أماه شاخ وتين الحرف وانقسامها فما أزال يتيماً أحتسي الألما أشق وجه الزوايا كيف كفنني رحيل ما بابك حتى سامني سقما *** عشرون عاماً تولت كيف أحملها ثقلاً من الفقد حيث استلها سئما *** الله يعلم حزني مذ توعدني ذاك المساء خلياً مرعباً نهما (ص25- 26) هذا في حالة الفقد . وأي فقد أشد وطأة على الشاعر من فقد الأم رحمها الله.. ورحم كل الأمهات. وانظر إلى حالة من حالات التغزل الرقيق , وكيف تتوجس مفرداته داخل الذات العاشقة. حول الذات المعشوقة المتسربلة بالأنا وشبه النرجسية ومثار التغيرات القلبية: كم جاء يخطو إلى مقلتيك.. يصب الرحيق.. ويسأل قلبك.. أين سيقبر؟ غداً ستقولين: مات حبيبي ..ومازال في دمه ألف دفتر ومازال يسكبني للمغيب كما كان من فجره يتعطر (ص40- 42) هنا تترائى (النزارية) تناصاً جميلاً .. توظيفاً أكثر شاعرية !! هنا تتوقف القراءة فيكفي ( من القلادة ما أحاط بالعنق )على أن في الديوانين شاعرية فاتنة تشكل إضافة معرفية إلى سجل إنجازات الشاعر ( محمد عبد الرحمن الحفظي) الشعرية ومسيرته الابداعية!!!
مشاركة :