العطلة الصيفية عند التونسيين.. اليوم قرض وغدا أمرالتونسي يحب الحياة، لذلك لا يجعل الظروف الاقتصادية وقلة ذات اليد تحرمه من عطلة قصيرة على شاطئ البحر يستمتع فيها مع عائلته ببعض الوقت لينسى ضغوط العمل والحياة اليومية، ولكي يحقق ذلك يلجأ إلى العديد من الطرق ليوفر مصاريف أيام الاصطياف، فإذا لم يسعفه الادخار لجأ إلى الاقتراض من البنك أو حتى التداين من الأقارب والأصدقاء.العرب [نُشر في 2017/07/29، العدد: 10706، ص(20)]سعادة الأطفال أهم تونس - لا يتنازل التونسيون من جميع الشرائح عن الاستمتاع بالعطلة الصيفية أو ما يسمى في ما بينهم بـ”الخلاعة”، فرغم كثرة المناسبات والمصاريف في فصل الصيف، إلا أن العائلة التونسية تتدبر أمرها لقضاء أيام على شاطئ البحر، سواء في نزل أو في منزل على وجه الكراء في إحدى المدن الساحلية. ومع تسارع نسق الحياة وعلى وقع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتعدد المناسبات الاحتفالية أو غير الاحتفالية يبحث التونسي عن طريقة لتوزيع مرتّبه بين جملة هذه الحاجيات الضرورية والعطلة الصيفية التي خرجت من الكماليات لتصبح هي أيضا من الضروريات، لأنها مناسبة جيدة يجتمع فيها الأطفال بوالديهم بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية التي تبدأ من الصباح في زحمة النقل وتنتهي عند الغروب بعد جهد من العمل الدؤوب. ويعتبر الأخصائيون الاجتماعيون أن الترفيه ضروري وليس من الكماليات كما يعتقد البعض، لذلك لن تقف الظروف الاقتصادية الصعبة عائقا أمام رغبة التونسي في الترويح عن نفسه في حدود الإمكانيات المالية والميزانية المتاحة له، رغم تراجع نسبة إنفاق التونسي في هذا المجال. وأكدت دراسة قام بها المعهد الوطني للاستهلاك أنه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، ما زال المستهلك التونسي يفكر في الترفيه والاصطياف ويخصص الميزانية اللازمة لذلك بطرق مختلفة تبدأ من الادخار إلى الاقتراض من البنوك وتصل إلى التداين من العائلة والأصدقاء. وتشير الدراسات إلى أن 53 بالمئة من التونسيين يتمكنون من قضاء العطل خارج منازلهم. ومازال التونسي متمسكا بما يسميه “الخلاعة” والترفيه رغم الأزمة المادية، ويرى أنه من المهم التمتع بالبحر للتخلص من الضغط النفسي، وخاصة للترفيه على الأطفال خلال عطلتهم المدرسية. وتكتسب نفقات الترفيه في المجتمع التونسي وفق معهد الاستهلاك، بعدين أساسيين؛ أولهما البعد الاستهلاكي ويندرج في إطار التطور العادي والطبيعي للمجتمع الاستهلاكي، وثانيهما البعد النفعي باعتباره وسيلة للترفيه. الزهو أفضل من المال ويعتبر الخبراء أن العادات الاستهلاكية قد تسللت إلى النظام اليومي وتقاليد التونسي الذي يعتبر الترفيه جزءا أساسيا في نمط حياته ولو كلفه ذلك التداين وتجاوز إمكانياته المتاحة. ويقول أكرم الباروني من منظمة الدفاع عن المستهلك “الخلاعة (أي العطلة الصيفية على شاطئ البحر) ليست من الكماليات بل ضرورة وذلك للترفيه عن الأبناء بعد سنة طويلة من الدراسة والضغوط”. وتساءل ما الذي أعدته الدولة للفئات الضعيفة للاستفادة من الشواطئ التونسية الممتدة؟ كما تساءل عن سبب غياب أسعار تفاضلية للتونسي في النزل؟ ويؤكد لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن “التونسي لا يحرم نفسه من الخلاعة مهما كانت إمكانياته المادية. صحيح انه لا يقوم بتخطيط وحجز مسبق للاصطياف لكنه يقبل على البحر رغم معاناة التنقل إلى الشاطئ بالنسبة إلى الفئات الشعبية. كما أن الشواطئ غير مهيأة لاستقبال المصطافين بتكلفة معقولة”. اصطياف بالدين من التونسيين من يخطط منذ بداية العام لادخار بعض الأموال التي عادة لا تكفي لعطلة صيفية تفوق الأسبوع أو بعض الأيام. يقول جمال، وهو موظف سام يسكن العاصمة ويشتغل في محافظة سليانة، إنه لا يرى طفليه طيلة العام ما عدا يوم الأحد الذي يكون لترتيب الحياة للأسبوع الموالي، فهو يصحو فجرا تاركا إياهما يغطان في النوم ليعود مساء منهكا لا يستطيع التواصل مع طفليه اللذين كبرا دون أن يتفطن لذلك، “حين نلتقي ليلا لا نجلس مع بعضنا إلا بعض الوقت الذي نتناول فيه الطعام لنستعد للنوم، حتى زوجتي التي تشتغل هي أيضا تعاني من الضغط اليومي لتهتم بالطفلين وتأخذهما إلى المدرسة، ثم تذهب إلى شغلها لتعود مساء إلى الشؤون المنزلية”، هكذا هي الحياة في منزل جمال، التي لا تختلف عن بقية حياة الأسر التونسية حتى أن هناك من يسمي بيته فندقا بخدمات عادية من باب التندر على تسارع نسق الحياة. فجمال الذي يرى أن العطلة الصيفية فرصة للراحة وتجديد الحياة لأفراد العائلة الذين يعيشون مع بعضهم البعض طيلة العام لكنهم لا يلتقون إلا ليفترقوا، يخطط مع زوجته منذ بداية السنة ليدخرا بعض النقود، يقول جمال إن الحقيقة أن غلاء المعيشة لا يسمح لهما بالادخار أصلا لأن الأعياد والعودة المدرسية وأفراح الأهل والأصدقاء لا تترك لهما إلا جيوبا مثقوبة، ومع ذلك تتحايل زوجته هالة كي توفر بعض المال من ماهيتها لترتاح بعض الأيام في الصيف.المصطافون في قبضة المحتالين تقول هالة “إن عملية الادخار التي نعتمدها لا تكفي، وتتم على حساب بعض المصاريف الأخرى، فنضطر إلى إضافة ماهيتينا لشهر يوليو لنتمكن من قضاء عشرة أيام في نزل متوسط؛ أختار الإقامة في الفندق حتى أرتاح من عناء الطبخ والاهتمام بالعائلة وإلا أصبحت خادمة في نزل”. إلياس أستاذ جامعي وأب لأربعة أبناء أفاد بأن قدوم الصيف واقتراب مواعيد المناسبات من بعضها البعض يحتّمان على المواطن الإنفاق، لا سيما وأن فصل الصيف يعد الفصل الوحيد الذي يوفر الظروف الملائمة للترفيه عن النفس بعد موسم كامل من العمل والتعب. أما في ما يتعلّق بالمصاريف وهل أن المواطن لا يزال قادرا على الادخار وسط متطلبات الحياة وما تقتضيه من تكلفة، يقول “لم يعد المواطن قادرا على الادخار، فكثرة المصاريف تجعله لا يقدر على الانخراط في الادخار، فقد تعددت المصاريف والجيب الذي ينفق واحد، فكثرة المصاريف حتمية ولا مفر من مجابهتها إلا بالاقتراض أو بالتداين”. عادل واحد من الإطارات العاملة في بنك، ورغم ذلك يؤيد نفس الفكرة، وعلى حدّ تعبيره، فإن أغلب الحسابات البنكية في “الرّوج” (أي أنها خالية من الأرصدة)، وأغلب الناس متورطون مع البنوك في قروض الاستهلاك وفي الآن نفسه هم مدينون لأطراف أخرى بمبالغ متفاوتة ويتولون تسديدها شهريا، فضلا عن النفقات اليومية العادية التي تزيد حدتها من سنة إلى أخرى، مما يضطرهم إلى التداين واعتماد القروض كحلّ لمجابهة نفقاتهم. السيدة لطيفة تقول إنها تحصلت مؤخرا على قرض من أحد البنوك لمواجهة مصاريف الصيف في انتظار الحصول على قرض جديد لمواجهة نفقات رمضان والعودة المدرسية والعيد. مضيفة أن الخلاعة ليست من الكماليات إذ أن ضغوط الحياة اليومية وحرارة الطقس لا يمكن أن تواجها سوى بشيء من الترفيه حتى ولو كان ذلك بواسطة الديون. منجي، موظف بشركة خاصة، يقول “بسبب صعوبات المعيشة فإن المواطن التونسي لا يخطط للخلاعة ولا يحجز في الغالب مسبقا في النزل أو كراء مسكن قريب من الشاطئ، رغم أنه محب للحياة كما أنه لا يخصص ميزانية للترفيه والسياحة، ولكن يحاول أن يتدبر أمره مع بداية الصيف، وغالبا ما يلجأ إلى البنك للحصول على قرض استهلاكي ليقرر بعدها ماذا سيفعل لقضاء إجازته؛ هل سيتنقل إلى فندق أم يكتري شقة قريبة من البحر؟”. شواطئ ومعاناة سجلت العديد من الشواطئ التونسية مع ارتفاع درجة الحرارة خلال الأيام الماضية توافد جحافل من المصطافين الفارين بأبنائهم من لهيب الطقس من مختلف المحافظات، لكنهم يصابون بخيبة أمل من الشواطئ التونسية غير المهيأة لاستقبال العائلات محدودة الدخل أو التي يكون عدد أفرادها مرتفعا. فأغلب الشواطئ التونسية لا تحتوي على دورات مياه ولا فضاءات للاستحمام أو فضاءات لإعداد الطعام، وأصبح المصطافون من ذوي الدخل المحدود يعيشون معاناة كبيرة في النقل للوصول إلى الشواطئ المتاخمة للعاصمة وكذلك أبناء المناطق الداخلية الذين نادرا ما تشملهم برامج خاصة بالترفيه رغم أن الترفيه حق يجب أن توفره الدولة لكل المواطنين.القانون ينص على أن كل الشواطئ عمومية، ومياه البحر وسواحل البلد لكل التونسيين وأكد رئيس جمعية «آس أو آس بيئة» مرشد قربوج، أن العديد من الشواطئ التونسية أصبحت غير مهيأة للسباحة نظرا لارتفاع منسوب التلوث داخلها بسبب المياه المستعملة والصناعية والمنزلية على غرار شواطئ ضواحي رادس والزهراء في العاصمة، وبالخصوص في محافظة نابل في كل من منطقة قليبية ودار شعبان. وأضاف أنه أصبح من الصعب أن يتمتع التونسي اليوم بالسباحة والشواطئ دون دفع المال سواء تعلق الأمر بتنقلاته إلى شواطئ نظيفة والابتعاد عن الشواطئ الملوثة بالقرب منه أو بسبب ظهور عادات جديدة غير مألوفة تتمثل في الاستحواذ على الشواطئ والسمسرة في المظلات ومآوى السيارات وغيرها. وقال قربوج إن تواصل حرمان المواطن التونسي من حقه في التمتع بالسباحة في مياه بحر نظيفة، يعد أمرا محيرا، كما استنكر بلاغ وزارة الصحة المتعلق بمنع السباحة في العديد من الشواطئ دون توضيح الأسباب والعمل الفعلي على إزالتها، معتبرا أنه من “الجرائم البيئية أن يتواصل غلق شواطئ خليج تونس لأكثر من 20 سنة مضت دون إيجاد الحلول لهذه الإشكاليات البيئية”. وما إن يتخلص رواد البحر من معاناة التنقل وحركة المرور حتى يصطدم الكثير منهم بمتاعب كبيرة بمجرد بلوغ مداخل الشواطئ. وتبدأ معاناتهم بالمعاليم المشطة التي يفرضها أشخاص نصبوا أنفسهم أعوان استخلاص لمعلوم الوقوف بمآوى السيارات يتصرفون مع من يعارضهم بخصوص قيمة المقابل المطلوب بكل عنجهية، ويصل الأمر حد التلاسن والعنف. وبعد الدخول وبمجرد أن يهم البعض بتركيز مظلاتهم الشمسية يباغتونهم بطلب دفع مقابل المكوث بالمكان والادعاء أنه يتبع المساحة الرملية التي يستغلونها. عادل الحمدي موظف في سلك التعليم يشتكي من الممارسات التي تشهدها الشواطئ التونسيّة كلّ صيف، منها احتلال الشواطئ ونصب حرّاس عليها لمنع المصطافين من دخولها إلا بعد دفع مبالغ مرتفعة تثقل كاهل العائلات التونسية التي تتدبر أمرها كي تقضي بعض الوقت الممتع، فيدفع المواطن لوضع السيارة على الشاطئ كما يدفع ثمن المظلة التي يكتريها ليستظلل تحتها من حر الشمس. ويلاحظ عادل أنّ هذه التجاوزات مثل استغلال المقاهي الشاطئيّة للحريف أو إغلاق بعض المناطق الشاطئية المحاذية للنزل، وتشييد المساكن والإقامات على الشريط الساحليّ دون رخص قانونيّة، تتم أمام السلط المعنية والبلديات. ويقول المحامي مراد إنّ ظاهرة استغلال الشواطئ تتنافى والقانون التونسي الذي ينصّ على أنّ “كل الشواطئ عمومية، ومياه البحر وسواحل البلد جميعها لكل التونسيين والتونسيات من دون استثناء”.
مشاركة :