تعد الرضاعة الطبيعية أفضل أنواع التغذية للطفل في مرحلة الرضاعة، ومن الجيد أن فائدتها تتجاوزه إلى الأم لتشمل الاثنين معاً، وتشكل فائدة صحية مزدوجة تمد الطفل بحاجته من العناصر الغذائية التي تتناسب وتلك المرحلة العمرية وفي الوقت ذاته توفر مزايا صحية للأم؛ لذلك فهي تستحق أن تخصص لها أيام معينة من كل عام للتوعية بها ولتشجيع الأمهات على عدم إهمالها.يحتوي حليب الأم على تركيبة غنية بالعناصر الغذائية الأساسية فهي تحتوي على جميع أنواع الفيتامينات والمغذيات التي يحتاج إليها الرضيع خلال فترة الأشهر الـ6 من عمره، كما أنه زاخر بالمواد التي تحارب الأمراض وتقي الطفل منها؛ لذا فإن الرضاعة الطبيعية الخالصة(أي عدم إدخال حليب خارجي أو الماء أو أي طعام آخر على غذاء الطفل) خلال تلك الفترة الأولية من عمر الطفل تعد - بحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال- في غاية الأهمية، وتزداد الفائدة بزيادة تمديد فترة الرضاعة إلى اكتمال الحولين.الأشهر الأولىوجدت دراسات عالمية كثيرة أن حالات فيروسات المعدة، وأمراض الجهاز التنفسي السفلي، والتهاب الأذن، والتهاب السحايا؛ جميعها تنخفض وسط الأطفال الذين تمتعوا بالرضاعة الطبيعية وحتى إن تعرضوا لها فإنها تكون بدرجة متوسطة وليست حادة، ووجد أن الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال فترة الـ6 أشهر الأولى تعطي الوقاية الأكبر، وظهر من خلال نتائج الدراسة الواسعة التي أجراها المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية بالولايات المتحدة أن الأطفال الذين تغذوا على الرضاعة الطبيعية تتراجع حالات الوفاة بينهم في عمر 28 يوماً إلى عام واحد بنسبة 20% مقارنة بالأطفال الذين لم يتغذوا عليها، وكلما زادت فترة رضاعة الطفل فإن خطر الوفاة يتراجع، والعامل الوقائي الرئيسي هنا هو مادة تعرف بـ«افرازية الجلوبيولين المناعي A»، التي توجد بوفرة في اللبأ (الحليب الذي ينتجه الثدي في الفترة الأولي عقب الولادة)، وهي مادة تقي من الجراثيم من خلال تكوينها طبقة وقائية بالغشاء المخاطي بأمعاء وأنف وحنجرة الرضيع، ويتراجع تركيزها بالحليب بعد مرور الوقت؛ لذلك فإن حليب الأم مركب بحسب احتياجات الطفل الرضيع، فجسم الأم يستجيب لمسببات الأمراض كالبكتيريا والفيروسات، التي تدخل الجسم ويقوم بتكوين مادة الجلوبيولين المناعي A خصيصاً لتلك الجراثيم ما يوفر وقاية للطفل تعتمد على ما تعرض له جسم الأم وهو أمر جيد؛ لأن الأم والطفل يعيشان بالبيئة ذاتها؛ وتستمر تلك الحماية التي يوفرها حليب الأم للطفل الرضيع إلى ما بعد مرحلة الرضاعة؛ حيث وجدت بعض الدراسات أن الرضاعة الطبيعية تقلل خطر إصابة الطفل ببعض أنواع سرطانات الطفولة، ولم يتوصل الباحثون إلى السبب؛ ولكنهم يعتقدون بأن الأجسام المضادة بالحليب تعزز جهاز المناعة لديهم ومن الجيد أن مفعول الوقاية يقي الطفل لاحقاً من الأمراض المزمنة التي يتعرض لها الشخص كداء السكري النوع1 والنوع 2، وارتفاع الكولسترول، ومرض التهاب الأمعاء؛ والأطفال الخدج الذين يغذون على حليب الأم يكونون أقل عرضة لارتفاع ضغط الدم في بداية سن الشباب، أما في حالة الأطفال الذين لم يتغذوا عليها وجد العلماء أن هنالك علاقة بين عدم إرضاعهم طبيعياً وإصابتهم لاحقاً بمرض كرون والتهاب القولون التقرحيالوقاية من الحساسيةوجدت دراسة أن الأطفال الذين يعتمدون على الحليب من مصدر آخر كحليب الأبقار أو حليب الصويا يكونون أكثر عرضة لأمراض الحساسية مقارنة بالأطفال الذين تغذوا على حليب الأم، ويرجع الباحثون السبب إلى عامل المناعة الجلوبيولينA، الذي يساعد في الوقاية من التفاعل التحسسي تجاه الأطعمة من خلال الطبقة الوقائية التي يشكلها داخل القناة الهضمية للطفل، التي من دونها يصاب الطفل بالالتهاب ويصبح جدار الأمعاء لدى الطفل متسرب ما يجعل البروتينات غير المهضومة تعبر حاجز الأمعاء ما يسبب التفاعل التحسسي وبعض المشاكل الصحية الأخرى والطفل الذي لا يتغذى على الرضاعة الطبيعية من الأم ويتغذى على الحليب الخارجي فإنه يحرم من هذه الوقاية ويكون أكثر عرضة للالتهابات والحساسية وبعض المشكلات الصحية الأخرى لاحقاً؛ كما وجدت دراسات من قبل أن الطفل الذي يتغذى على الرضاعة الطبيعية يكون أقل عرضة لارتفاع درجة حرارة الجسم عقب تلقيه التطعيم؛ وذلك مقارنة بالأطفال الذين لم يتغذوا على الرضاعة الطبيعيةتعزز ذكاء الطفلوجدت دراسات مختلفة أن هنالك علاقة بين الرضاعة الطبيعية والتطور الإدراكي، ففي الدراسة التي شملت أكثر من 17,000 رضيع تمت متابعتهم منذ الولادة وحتى عمر 6 أعوام ونصف، وجد من خلال نتائج معدل مقياس الذكاء وبعض المقاييس الأخرى أن الرضاعة الطبيعية الخالصة وطويلة المدة تحسن بدرجة كبيرة من التطور الإدراكي للطفل؛ وفي دراسة أخرى شملت أكثر من 4,000 طفل تبين أن من تغذوا على الرضاعة الطبيعية ارتفع تحصيلهم في اختبار المفردات في عمر 5 أعوام أكثر من أقرانهم الذين لم يتمتعوا بالرضاعة الطبيعية، كما زاد التحصيل بزيادة طول فترة الرضاعة ومن ناحية أخرى وجد أن الخدج من ذوي الأوزان الأقل الذين تغذوا على الرضاعة الطبيعية مباشرة بعد الولادة تحسن تحصيل اختبار التطور العقلي لديهم في عمر العام والنصف؛ وذلك مقارنة بالخدج الذين لم يتغذوا على الرضاعة الطبيعية؛ وفي دراسة أجريت مؤخراً وجد أن من رضعوا من أمهاتهم كانوا أقل عرضة للحجز بالمستشفيات بسبب التهابات الجهاز التنفسي؛ ويقول الخبراء إن الرابطة العاطفية التي تنشأ بين الأم والطفل أثناء الرضاعة تفيد في تعزيز القوة العقلية للطفل ولكن الفائدة الأكبر تكمن في الأحماض الدهنية التي توجد بحليب الأم.الوقاية من البدانةتوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، بضرورة الرضاعة الطبيعية كطريقة تساعد في تقليل احتمالية إصابة الطفل بالوزن الزائد أو البدانة، وظهر من خلال تحليل نتائج 17 دراسة سابقة نشر بالمجلة الأمريكية لعلم الأوبئة، أن الرضاعة الطبيعية تقلل خطر إصابة الطفل بالبدانة عندما يصل مرحلة بداية الشباب أو النضج، وكان التأثير الأكبر واضحاً لدى الأطفال الذين تمتعوا بالرضاعة الطبيعية الخالصة والأطول فترة؛ ويعتقد الباحثون أن تأثير الرضاعة الطبيعية في اكتساب الوزن في وقت لاحق من العمر يعود لعدة أسباب وهي:• أن الطفل الذي تغذى على الرضاعة الطبيعية يكون أكثر مقدرة على التوقف عن الأكل عندما يصل إلى حالة الشبع، الذي يعد نمطاً صحياً للأكل• حليب الأم يحتوي على أنسولين أقل مقارنة بالأنواع الأخرى من الحليب، والأنسولين يحفز إنتاج الدهون• يتمتع الطفل الذي تغذى على الرضاعة الطبيعية بكمية أكبر من اللبتين وهو هرمون يعتقد العلماء بأنه يلعب دوراً في تنظيم الشهية والدهون• بالمقارنة بالأطفال الذين تغذوا على الرضاعة الطبيعية فإن الأطفال الذين تغذوا على حليب خارجي يكتسبون الوزن بسرعة خلال فترة الأسابيع الأولى من العمر ما يجعلهم يكتسبونه سريعاً لاحقاً ويصابون بالبدانة. فوائد للأم تمت مراجعة أكثر من 9000 دراسة أجريت على الأمهات اللاتي لم يرضعن أطفالهن أو توقفن عن إرضاعهم في وقت مبكر ووجد أنهن يكنّ عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة.وأخبرت كثير من النساء بشعورهن بالاسترخاء أثناء إرضاعهن لأطفالهن ويعزي العلماء السبب إلى أن الرضاعة تحفز إفراز هرمون «اوكسيتوسين» والذي وجد من قبل دراسات سابقة أنه يساعد على الاسترخاء كما وجد أيضاً أنه يساعد عضلات الرحم على الانقباض بعد الولادة ما يقي النزيف.ومن الفوائد الأخرى أن المرأة المرضع تكون أقل عرضة لسرطان الثدي وسرطان المبيض، فقد وجد أن الرضاعة لمدة عام واحد على الأقل يوفر الوقاية الأكبر للمرأة من سرطان الثدي ولم يتضح السبب بالتحديد ولكن ربما يرجع إلى إحداث تغيير ببنية الأنسجة كما أن الرضاعة تقمع الإنتاج الزائد لهرمون الاستروجين بالجسم وهو ما يعتقد بفائدته في منع سرطان المبيض. أثر التدخين تشير أحدث الدراسات إلى أن الرضاعة الطبيعية تسهم بشكل كبير في تعزيز نمو المخ وتميزه في الجانب المعرفي لدى الأطفال وخاصة الذكور منهم، حيث كشفت الدراسة أن الأطفال الخدج وهم الأقل في الوزن الطبيعي عند الولادة، عندما تتم تغذيتهم بمزيد من الرضاعة الطبيعية حتى وصولهم عمر 31 يوماً، لوحظ أن مساحات أكبر في مناطق معينة بالمخ لديهم تعمل بصورة أكثر كفاءة وقدرة وارتفاعاً نسبياً في مستوى الذكاء، وعند بلوغهم سن الدراسة تم ملاحظة أنهم يتميزون بذاكرة قوية وجيدة، وقدرات عالية في عملية التحصيل الدراسي، وبذلك تأكد لدى الكثيرين من العلماء المتخصصين في طب الأطفال أن الرضاعة الطبيعية في الأشهر الأولى من حياة الأطفال تؤدي إلى فوائد عظيمة، ومكاسب كبيرة في تنمية مهارات وقدرات الطفل العقلية وارتفاع مستوى الذكاء، والعكس إذا لم يحصل الطفل على لبن الأم في الأشهر الأولى من حياته، ودراسة أخرى كشفت دور التأثير السلبي للتدخين على نمو مخ الجنين في بطن أمه، حيث أثبتت الدراسة أن الأم المدخنة أثناء الحمل تسبب حدوث بعض التغييرات السلبية في تكوين بنية مخ الجنين ووظيفته قبل عملية الولادة، وأظهرت نتائج الدراسة وجود خلل لدى هؤلاء الأطفال في عملية التعلّم وانخفاض ملحوظ في نسبة الذكاء، مع الإصابة ببعض الاضطرابات السلوكية.
مشاركة :