حرب مصر المنسية على الطرقات تعود في عطلة نهاية الأسبوع

  • 7/30/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حرب مصر المنسية يتصاعد قتلاها وتتأجج نيرانها وتتفاقم ويلاتها. ومن لم تقتله دواليبها أو تدهسه مكابحها، اكتوى بنار فقدان عزيز أو إعاقة قريب أو انتظار مصير الأهل والأحباب. ولأن عطلة نهاية هذا الأسبوع تشير إلى راحة فرضها منفذو العمليات الإرهابية على أنفسهم، فقد وجدت سلسلة من حوادث الطرق المميتة والمروعة طريقها إلى اهتمام المصريين ودقائق الأثير ووقت المحللين. محللو الطرق الرئيسية وخبراء التخطيطات العمرانية ومتخصصو البحث في حال السلامة على الطرق المزرية لا يجدون من يحنو عليهم بظهور تلفزيوني هنا، أو فرصة للإدلاء بدلو هناك. فأمام هجمات الإرهاب في شمال سيناء وغيرها من المحافظات تتضاءل كل المشكلات والأزمات، إلا أن أعداد من تُسفك دماؤهم يومياً على الطرقات تفرض نفسها على كل الساحات. ساحة إدارة المرور – التي يشكو كثيرون غيابها – بشّرت المصريين بأنه بات في الإمكان الاستعلام عن مخالفات المرور عبر لوحة أرقام السيارة مع إمكان سداد قيمة المخالفات المرورية عبر الإنترنت. الخبر العظيم لم يثلج الصدور. فملايين الصدور حانقة لأن أصحابها ملتزمون بقواعد المرور وتثبيت لوحات الأرقام، ومن ثم يسهل التقاطها ومخالفتها. لكن ملايين أخرى تغزو الشوارع ضاربة عرض الحائط بقواعد القيادة ونصوص القوانين ومن دون لوحات أرقام، ما ينقذهم من براثن المخالفات ويسهّل هروبهم عقب ارتكاب حوادث تُسفك فيها الدماء. دماء عشرات المواطنين الذين قُتلوا خلال عطلة نهاية الأسبوع الحالية، بالإضافة إلى مئات المصابين، لم تعد تثير الكثير من الاهتمام. فبين إدارة مرور شبه غائبة عن الشارع – باستثناء تأمين مرور المواكب وبعض اللجان للكشف على رخص القيادة- ومواطنين ملّوا انتظار تطبيق القوانين ومعاقبة المسرعين ومخالفة غير المرخصين فاعتنقوا مذهب القضاء والقدر، تحول نزيف الأسفلت إلى ظاهرة من ظواهر الطبيعة. «مقتل خمسة وإصابة 26 في العلمين»، «مصرع ضباط شرطة وسائق في حادث على طريق القاهرة – الإسماعيلية»، «مقتل شخصين وإصابة اثنين آخرين من أسرة واحدة في حادث سيارة في مرسى مطروح»، «إصابة سبعة أشخاص بانقلاب سيارة عند قرية أبو صويرة في رأس سدر»، «إصابة مسعف وسائق إسعاف أثناء توجههما لإنقاذ مصابي حادث طريق في كفر الشيخ»، «تصادم مروع بين سيارة نقل ولودر واشتعال الأخير بالقرب من مطار القاهرة» عينة من عناوين الصحف في عطلة نهاية الأسبوع التي لم تنقض بعد. انقضت جلسات مجلس النواب (البرلمان) لمناقشة نصوص قانون المرور الجديد، الذي وضعت نصوصه وزارة الداخلية، ليخرج بعدها رئيس لجنة النقل والمواصلات في المجلس ذاته اللواء سعيد طعيمة مؤكداً أن القانون «لن يحقق أية فائدة»، وأنه على رغم تغيير نصوص القانون ثلاث مرات في العقدين الماضيين (1997 و2008 و2014)، إلا أن حوادث الطرق لم تتوقف بل زادت، والازدحام المروري لم يتحسن بل زادت طرقات مصر تكدساً. ليس هذا فحسب، بل جاهر طعيمة بالمسكوت عنه، مشيراً إلى أن السبب في زيادة حوادث الطرق والتكدس الرهيب هو عدم تطبيق القانون، مؤكداً السهل الممتنع ألا وهو «الحل في تفعيل بنود القانون الحالي وليس تغيير بنود وتعديل لوائح». اللوائح المعطلة والبنود المجمدة وضباط المرور وجنوده وأفراده المرفوعة خدماتهم وغير المحسوس بوجودهم أدت إلى بليّة اعتقد البعض أنها خيالية. ولأن شر البلية ما يضحك، فإن شاباً في مدينة طنطا اعتبر لوحة الأرقام أمراً غير ملزم، فاختار لوحة مكتوباً عليها «باشا مصر» بديلاً. وباتت سيارة «باشا مصر» معروفة في شوارع المدينة التي كان يتجول فيها نهاراً جهاراً حتى صوّره أحدهم وباتت الصور متاحة على الإنترنت. فما كان من مديرية الأمن إلا أن شكلت فريقاً للبحث والتحري وتوصل إلى هوية صاحب السيارة. وحين عرف الشاب بالأمر ترك السيارة ولاذ بالفرار. إحدى وسائل الفرار من مواجهة المشكلات والمراوغة للتنصل من المسؤوليات هي الإغراق في الإجراءات والإفراط في التعقيدات. قانون المرور الجديد يحوي ضمن بنوده عقوبة «تسجيل نقاط» بحق السائق المخالف مع تعليق رخصة القيادة والخضوع لدورة في التوعية المرورية في مركز معتمد. الطريف أن شوارع مصر عامرة بكم هائل غير محدد من «التوك توك» والدراجات النارية وغيرها من المركبات غير المرخصة، ما يعني أن عقوبات النقاط وتحرير المخالفات وغيرها لن توقع إلا على الملتزمين فقط. على صعيد آخر، تدرس إدارة مرور القاهرة إمكان وضع «صندوق أسود» إلى جوار كل سائق نقل ومقطورة لضمان معرفة تفاصيل الحوادث حال حدوثها، وذلك بغرض الحد منها. الطريف أن الجميع، بدءاً بالمواطنين مروراً بإدارة المرور وانتهاء بسائقي النقل، يعرفون السبب الرئيسي لسفك الدماء على الطرقات. قبل أيام أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن العامل البشري هو سبب حدوث 72 في المئة من حوادث السيارات في مصر خلال 2016. وزاد عدد الحوادث خلال العام الماضي إلى 14 ألفاً و710 حوادث، مقابل نحو 14 ألفاً و548 حادثاً عام 2015، بنسبة ارتفاع 1.1 في المئة نتج منها مقتل 5343 شخصاً وحوالى 19 ألف مصاب وما يزيد على 21 ألف مركبة تالفة، هي حصيلة «حرب مصر المنسية».

مشاركة :