أي طريق سيختار معبود جماهير منتخب “السامبا”؟ هل سيتجاهل كل إغراءات الباريسيين ويستمر نجما وركنا ثابتا في المثلث الذهبي لبرشلونة أم يسير عكس التيار ويشق طريق السفر نحو العاصمة الفرنسية؟العرب مراد البرهومي [نُشر في 2017/07/30، العدد: 10707، ص(23)] طبعا، فإن جميع عشاق نادي برشلونة الإسباني في شتى أصقاع العالم يتابعون بشغف وقلق كبيرين أطوار قضية إمكانية رحيل النجم البرازيلي نيمار عن الفريق باتجاه نادي باريس سان جرمان الفرنسي، خاصة وأن التطورات الأخيرة تغذي بلا شك هذه الأخبار التي ربطت أحد أضلاع “الأم. أس. أن” بالفريق الباريسي المستعد لدفع مبلغ خرافي من أجل إرضاء رغبات وتطلعات هذا اللاعب الألمعي. منذ أشهر قليلة كان من الصعب للغاية أو لنقل من المستحيل الحديث عن وجود فرضية لمغادرة ميسي أو سواريز أو نيمار أسوار القلعة الكاتالونية، فالكل هناك مطمئن ومرتاح البال بخصوص تجديد عقود العقد البرشلوني الفريد، والكل يعلم جيدا أن أي مفاوضات ستقوم بها إدارة “البارسا” مع هؤلاء اللاعبين ستكون بلا شك مجدية مهما كانت عسيرة أو معقدة. ومع ذلك، كل شيء تغير في لمح البصر، واهتزت نسبيا أرجاء البيت البرشلوني مع إطلالة الفريق في رحلته الأميركية، حيث يجري معسكرا إعداديا استعدادا للموسم الجديد، إذ أجمع كل المتابعين لأخبار الفريق أن نيمار اقترب من الرحيل باتجاه عاصمة الأنوار بعد أن أعلن باريس سان جرمان استعداده لدفع قيمة الشرط الجزائي الذي يتضمنه عقد اللاعب مع برشلونة والمقدر بحوالي 222 مليون يورو. ربما لو اقتصر الأمر على العرض الباريسي لهدأ الجميع في برشلونة ومرّ العرض الباريسي دون ضجيج كبير، لكن ما حدث زلزل أركان برشلونة حيث لم يغلق نيمار الباب، بل بدا وكأنه يدرس جديا هذا العرض وبدا مستعدا لنسيان ذكرياته الجميلة مع ميسي وسواريز في برشلونة من أجل خوض تجربة جديدة قد تكون ناجحة أو فاشلة. وبعد التأكيدات المتواترة التي تشير إلى رغبة النجم البرازيلي في الرحيل إلى باريس يظل السؤال ملحا: لماذا فكر نيمار في الخروج من نعيم دائم، مستقر ومريح صوب وجهة غير معلومة لخوض تجربة محفوفة بالمخاطر ونتائجها الكروية غير مضمونة؟ وفي المقابل، تبدو الإجابة لا تحتاج إلى اجتهاد كبير، فنيمار وبالتنسيق مع والده الذي يشغل في الوقت نفسه منصب مدير أعماله يفكر في زيادة دخله وإيراداته المالية، فهو يعلم جيدا أن الفريق الباريسي مستعد لدفع الغالي والنفيس من أجل أن يكون نيمار نجمه الجديد أو لنقل صفقة العمر لديه، ولهذا السبب من المؤكد أن نجم منتخب “السامبا” سيحقق مكاسب مالية كبيرة للغاية تجعله ربما يتجاوز ميسي ورونالدو بأشواط كبيرة. سبب آخر ربما يدفع نيمار للتفكير مليا في عرض باريس سان جرمان يتمثل أساسا في أنه يريد أن يكون النجم الأول بعيدا عن ظل ميسي الذي يغطي على الجميع في برشلونة، أما في الفريق الفرنسي سيختفي جميع اللاعبين وراء توهّج نيمار. أما السبب الثالث فيتعلق بأن الإقامة في عاصمة الأنوار والاندماج صلب باريس سان جرمان لن يكونا عسيرين، خاصة وأن الفريق يضم عددا من اللاعبين البرازيليين المقربين من نيمار وفي مقدمتهم زميله السابق في برشلونة داني ألفيس وقائد منتخب “السامبا” تياغو سيلفا، وبلا شك فإن وجود مثل هؤلاء اللاعبين سيسهل كثيرا تأقلم نيمار مع عالمه الجديد. إذن فكّر نيمار وتشاور مع كل المقربين منه وبدأ يدرس العرض بكل جدية، وهو الأمر الذي أزعج كثيرا إدارة برشلونة التي سارعت للحديث إلى وسائل الإعلام لتؤكد أن نيمار سيواصل ولن يرحل، والشرط الوحيد الذي قد يجعلها تفرط في أحد لاعبيها المدللين هو قبول الفريق الباريسي بدفع قيمة الشرط الجزائي وموافقة اللاعب نفسه على الرحيل. ورغم كل الأحاديث، إلاّ أن موقف نيمار ظل غامضا فلم يحسم بعد المسألة وينهي الجدل سواء بالإعلان عن رفض العرض والبقاء مع بقية النجوم في برشلونة أو بالتأكيد على أنه سيغادر قريبا.. نيمار بدا أيضا مترددا ومرتبكا ومتشنجا في بعض الأحيان، والدليل على ذلك ما حصل خلال حصة تدريبية، حيث تشاجر مع أحد زملائه قبل أن يغادر ملعب التدريبات في قمة غضبه. هذا الحدث أكد لكل متابعي برشلونة أن نيمار يمرّ بفترة صعبة على المستوى الذهني، فبين تلبية نداء القلب الذي يقول له واصل مع الفريق البرشلوني وبين نداء العقل الذي يلحّ عليه بضرورة الذهاب إلى باريس وتتويج نفسه الملك الأوحد في عاصمة الأنوار، مازال نيمار في حيرة من أمره رغم أن أهدافه الجميلة والرائعة في المباريات الودية لفريقه خلال منافسات كأس الأبطال الدولية تشير إلى أنه في قمة جاهزيته البدنية والفنية. فأي طريق سيختار معبود جماهير منتخب “السامبا”؟ هل سيتجاهل كل إغراءات الباريسيين ويستمر نجما وركنا ثابتا في المثلث الذهبي لبرشلونة أم يسير عكس التيار ويشق طريق السفر نحو العاصمة الفرنسية؟ هي وضعية صعبة ومزعجة، لكن على نيمار أن يكون حاسما ويعرف أين يضع قدمه، عليه أن يخرج للملأ ويعلنها صراحة، فإما البقاء وتأكيد أن ما حصل مؤخرا لا يعدو أن يكون مجرد فاصل قصير انتهى بسرعة، وإما القبول بالعرض الباريسي والرحيل، وبالتالي بدء فصل جديد في مسيرته الرياضية، لكن عليه أيضا أن يدرك ويعي جيدا أن المسافة الفاصلة بين الفاصل والفصل أو لنقل بين النجاح الرياضي وتحقيق المكاسب المالية، هي رفيعة للغاية وقد تؤدي أحيانا إلى السقوط الحرّ نحو الهاوية. كاتب صحافي تونسيمراد البرهومي
مشاركة :