يشهد عالم البنوك والتحويلات المالية في بريطانيا تغيرات ملحوظة، والفضل في ذلك يعود إلى التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية. فقد كشفت دراسة بنكية حديثة أن حجم المعاملات المالية اليومية التي تتم في المملكة المتحدة عبر الهواتف الذكية والإنترنت المصرفي تبلغ نحو مليار جنيه إسترليني. وتقدر الدراسة حجم التحويلات التي تجري أسبوعياً خلال العام الراهن بقرابة 6.4 مليار إسترليني، مقارنة بـ 5.8 مليار أسبوعيا العام الماضي. ولـ "الاقتصادية" يعلق أندروا دين نائب رئيس اتحاد المصرفيين البريطانيين على تنامي هذه الظاهرة بالقول: "التطور التكنولوجي يتطلب من البنوك البريطانية إعادة هيكلة بنيتها التقنية، ويدفعها إلى مزيد من الاستثمارات في هذا الجانب، لتمتلك القدرة على جذب المزيد من المودعين، ولا شك أن أعداد الأشخاص الذين يعتمدون على التكنولوجيا والإنترنت في حياتهم اليومية لتلبية احتياجاتهم المالية سيأخذ في التزايد في السنوات المقبلة، فهذا اتجاه تصاعدي". ويضيف: "إلا أن لهذه الظاهرة أيضاً جوانبها السلبية، فتنامي أعداد العملاء الذين يعتمدون على التكنولوجيا لإنهاء احتياجاتهم المالية، سيكون له انعكاسات سلبية على العمالة والتوظيف في البنوك البريطانية، فمن المتوقع أن يؤدي هذا إلى خفض معدلات التوظيف بصورة عامة، وإلى إحالة العديد من العاملين إلى التقاعد المبكر". وحتى الآن تم تحميل نحو 14.7 مليون تطبيق مصرفي في بريطانيا، بمتوسط يومي بلغ 15 ألف تطبيق خلال هذا العام. إلا أن الدراسة وجدت أن العديد من عملاء البنوك يفضلون أن تتم معاملاتهم البنكية الكبيرة، عبر أجهزة الكومبيوتر والشاشات الكبيرة بدلاً من الهواتف الذكية، مهما بلغ حجم شاشاتها، وذلك لضمان إطلاعهم على كل التفاصيل. ولـ "الاقتصادية" يعلق سيمون روبرت رئيس الوحدة التكنولوجية في فرع بنك لويدز في منطقة بكنم جانكشن قائلاً: "غالباً يفضل العملاء التأكد من سلامة حساباتهم المصرفية والتحويلات البسيطة أو السحوبات النقدية الصغيرة عبر هواتفهم المحمولة، بينما يستخدمون الكومبيوتر للمعاملات الخاصة بطلب قرض عقاري أو شخصي، أو لتحويل مبالغ مالية ضخمة". ويشير البعض إلى أن تنامي الاعتماد من قبل عملاء البنوك على الشبكة العنكبوتية، لا يعود فقط إلى التقدم التكنولوجي الحادث في هذا المجال، بل أيضاً لعدم قدرة المصارف البريطانية على تطوير فروعها المختلفة بصورة جذابة للعملاء. فلا تزال البنوك البريطانية تشهد طوابير من العملاء خاصة في ساعات الذروة، ولا تتوفر مساحات ملائمة على سبيل المثال للأمهات إذا كان أطفالهن برفقتهن، ما يجعلهن يفضلن أداء كل احتياجاتهن المصرفية عن طريق الإنترنت. وتقدر عدد فروع البنوك الرئيسة في بريطانيا بعشرة آلاف فرع، إلا أنها تتصف في أغلبها بطابع تقليدي محافظ، وهو ما دفع ببعض البنوك التي دخلت السوق البريطاني أخيراً إلى "تجديد" الشكل أو تقديم نوع من الخدمات الجذابة للعملاء لضمان مواصلة ترددهم على البنك. ومع إدراك بعض البنوك الحديثة التحديات التي تطرحها المعاملات المصرفية عبر الإنترنت لفروع البنوك، فإنها سعت إلى طرح نماذج جديدة أكثر جاذبية للعملاء. فعلى سبيل المثال قام بنك "مترو" بفتح أبوابه للعملاء على مدار الأسبوع طوال العام، باستثناء ثلاثة أيام فقط يغلق فيها، كما قام بتمديد ساعات الدوام. بينما قرر "بانك أوف أميركا" إدخال ماكينات سحب نقدي يمكن للعميل من خلالها إجراء محادثة عبر الفيديو مع موظف البنك لإنهاء معاملاته. وعلى الرغم من أن مشاعر سلبية تسود بعض كبار المسؤولين المصرفيين في بريطانيا حول مستقبل "فروع البنوك" في ظل التحديات الراهنة من الشبكة العنكبوتية، إلا أن البعض لا يزال يراهن أن "فروع المصارف" يمكن لها أن تنجو من مصير مظلم، إذا أفلحت في تطوير ذاتها بما يلائم العصر واحتياجات العملاء.
مشاركة :