كشف محافظ بنك السودان المركزي عن استراتيجية جديدة محددة معنية بالتعامل مع مستجدات وتبعات رفع العقوبات الأميركية على بلاده، واستيعاب ما يترتب من متغيرات، مشيراً إلى أن مباحثاته مع الجانب السعودي قبل يومين أثمرت عن تعهد ببحث ومعالجة مشكلة تعثر التحويلات بالريال السعودي إلى بلاده.وقال الدكتور حازم عبد القادر، محافظ بنك السودان المركزي، في حوار مع «الشرق الأوسط» في الرياض: «منذ إعلان قرار رفع العقوبات الأميركية على السودان في 13 يناير (كانون الثاني)، جلسنا لنتوافق على استراتيجية جديدة تستوعب هذه المستجدات، فالبنك المركزي أطلق استراتيجية تتعامل مع البنوك التجارية، وتكونت لجان مع وزارة المالية وجهات ذات صلة، مع المصارف لمعالجة المشتركات».وأضاف محافظ بنك السود المركزي: «هناك استراتيجية لتهيئة البيئة الداخلية لتأمين ومراجعة كل القوانين، والمتعلقات كمنظومة وفق جدول زمني محدد، بزيارة بنوك مركزية خارجية والبنوك التجارية السودانية تزور مراسليها في الخارج، وهناك عدد من البنوك زارت السودان، وعملنا خلال الـ6 أشهر الماضية، شهرين منها (الأوباك)، في السودان».وتابع عبد القادر: «وخلال عملنا على هذه الاستراتيجية، حل يوم 17 يوليو (تموز)، وحصل تمديد تجميد رفع العقوبات الأميركية إلى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونعمل حالياً على تنفيذ ما تبقى من خطط الاستراتيجية المتعلقة برفع العقوبات التي ستنتهي مع حلول أكتوبر، والتعاون والتفاهم بيننا وبين المؤسسات الأميركية المختلفة قائم».وزارت بعثة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، السودان مؤخراً، لتقديم مساعدات فنية لتعظيم السياسات النقدية والمالية لمرحلة ما بعد رفع العقوبات الأميركية. وقال محافظ بنك السودان: «سيشهد شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، زيارة لبعثة من صندوق النقد الدولي للسودان، لتقييم بعض المساعي الجارية، وتقديم بعض المساعدات الفنية في مجالات مختلفة، وهي مساعدات تقدم للبنك المركزي ووزارة المالية، وليست مرتبطة بموضوع رفع العقوبات الأميركية، في إطار البرامج المطروحة حالياً».وفيما يتعلق بعدم استقرار سعر الصرف وانخفاض الجنيه السوداني أمام الدولار الأميركي، وما يسببه ذلك من قلق لدى المستثمرين، قال عبد القادر: «الدولار زاد كنتيجة طبيعية، للعرض والطلب للعملة الأجنبية في السودان».وأقرّ، بأن هناك من احتفظ بما لديهم من مبالغ انتظاراً لاستقرار السوق، وأدت إلى دخول بعض من لديهم التزامات للشراء العملة، فأصبحت النتيجة عدم وجود عرض، وبالمقابل هناك طلب كبير، مما ضاعف الأسعار، من دون أن تكون هناك عملية بيع وشراء للعملة، على حدّ تعبيره.من الجانب الثاني، والحديث لمحافظ بنك السودان المركزي، هناك شركات في القطاع الخاص، تشتري حالياً ذهباً لتصديره لاستخدام ما يدرّه من عملة صعبة لتغطية في القطاع الخاص من غير أن يحددها، ولذلك برأيه فإن سعر الذهب زاد، لأن هناك ربطا كبيرا بين سعر الذهب والعملة.ونفى أن يكون هناك أي جهة حكومية تدخلت أو دخلت السوق من ناحية بنك السودان المركزي كجهة حكومية، ولكنه استدرك أن هناك شركات اتصالات وطيران ومصانع حديد وشركات كبيرة وغيرها، دخلت في سوق العملة لشراء احتياجاتهم المستقبلية خشية من ارتفاع جنوني لسعر الدولار، حتى لا يتكبدوا خسائر كبيرة: «لأن طلبها عال جدا جدا من العملة الأجنبية لذلك خلقوا شكلا من الضغط الكبير على العملة، فجعل الطلب للعملة كبير والعرض قليل».وفيما يتعلق بالمباحثات التي أجراها في الرياض، قال عبد القادر: «بحثت مع محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، ضمن اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة بين المملكة والسودان، العلاقات المصرفية بين البلدين، وناقشنا سبل تطوير هذه العلاقة وانسيابها بشكلها الطبيعي، حتى تسهم في تحريك التحويلات والاستثمارات والتعاملات التجارية بين البلدين».وأضاف محافظ بنك السودان المركزي: «أكدنا في هذه المباحثات مع الجانب السعودي، أن العلاقات المصرفية بشكلها الحالي، تواجه معضلة واضحة تتمثل في عدم انسيابها الطبيعي، الأمر الذي تسبب في مشكلات تتعلق بتحويلات السودانيين العاملين في المملكة، حيث إنها لا تنساب بطريقة منتظمة وسهلة وعادية، والجانبان السوداني والسعودي متضرران من ذلك».وأكد أن هذه المشكلة، تمثل عائقاً كبيراً أمام حصاد الصادرات السودانية، خاصة في مجال الثروة الحيوانية، حيث إنها لا تصل السودان، وحتى على مستوى الحجيج هناك أيضا مشكلة؛ إذ إنه من المعروف أن هناك مبالغ من المفترض أن تدفع نظير الخدمات التي تقدم لها في المجالات المختلفة، سواء أكان في سفريات الحج والعمرة والخدمات ذات الصلة، ولكن عدم وجود علاقات مصرفية منسابة بشكل طبيعي يعمل على تعطيل تقديم هذه الخدمات.وتابع عبد القادر: «فضلاً عن ذلك، أيضا يواجه السعوديون المستثمرون في السودان مشاكل، حيث تعيق عمليات تحويلاتهم وأرباحهم ومبالغهم المعنية بتلك الاستثمارات، ومن ناحية الجانب السعودي، أي مؤسسة النقد العربي السعودي، لا يعتقدون أن هناك سببا لهذه المشكلة».ولفت إلى أن محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، يعتقد أنه ليس هناك من سبب أو أي مبرر يجعل البنوك التجارية في السعودية لا تدعم البنوك التجارية في السودان على الأقل بالريال السعودي، مشيراً إلى أنه كلّف المختصين والمعنيين في المؤسسة على مراجعة البنوك لبحث ماهية هذه المشكلة من عدم القيام التحويلات بالريال السعودي.وقال عبد القادر: «تأتي مطالبنا المشروعة، في وقت لم نطلب فيه من الجانب السعودي، التعامل بالدولار أو اليورو الأوروبي، وإنما طلبنا أن يكون التعامل بالريال السعودي؛ باعتبار أن العملة السعودية، ليس عليها حظر وليس بها أي مشاكل بالنسبة لهم، ونحن طلبنا إيجاد حل لهذه المعضلة، لأننا نتعامل مع الإمارات بالدرهم الإماراتي، ولذلك طلبنا إيجاد حل لهذه المعضلة لتكون أمرا منسابا عاديا بين البلدين».وأوضح أنه شرح للجانب السعودي، «آخر التطورات السياسية في السودان، وقيام حكومة الوفاق، والإجماع والمناخ الإيجابي السياسي، الذي انعكس إيجابا على المناخ الاقتصادي، حيث جعله مهيئاً لاستيعاب التطورات والمستجدات في الاتجاه الإيجابي».وتابع: «شرحنا لهم أن هناك مخرجات اقتصادية لحكومة الوفاق الوطني، تمضي بخطى ثابتة لتنفيذها بشكل احترافي، حيث حدث تحسن كبيرا في الوضع الاقتصادي على أكثر من مسار، وذلك عن طريق زيادة الإنتاج والإنتاجية في أكثر من قطاع حيوي ومن بينها قطاع الزراعة والتعدين والذهب».وأكد عبد القادر، للجانب السعودي، أن هناك تحسّناً في المناخ الاقتصادي نتيجة للتحسن في المناخ السياسي، متوقعا انفراجة على مستوى التعامل المصرفي والمالي بين البلدين خلال الفترة المقبلة، وزيادة ونمو في حجم الاستثمارات بين البلدين كما ونوعا.وفيما يتعلق بالتعاون في غسل الأموال، قال عبد القادر: «هذه المسألة بالنسبة لنا ليس هناك مشكلة فيها، باعتبار أنهم يعرفون أنه منذ الاجتماع الذي سبق هذا اللقاء شرحنا لهم أن البنوك السودانية، مهيأة تماما للتعامل مع البنوك الخارجية، ومطبقين كل القوانين المتصلة بمكافحة غسل الأموال والإرهاب، والقانون الاستثمار الضريبي الأميركي، وغيرها مطبقة في كل البنوك السودانية تماماً وملتزمة بتنفيذها».أما فيما يتعلق بتعامل بنك السودان المركزي، مع رفع العقوبات الأميركية، قال عبد القادر: «الـ6 أشهر الماضية، التي سبقت الفترة التي تم تمديدها لـ3 أشهر أخرى، تمت التعاملات المصرفية والمالية مع بلدان اليورو ومع أميركا، عن طريق طرف ثالث»، مشيرا إلى أنه ليس هناك حتى الآن بنك سوداني لديه تعامل مباشر مع بنك أميركي.وأما فيما يتعلق بفك الأرصدة السودانية، قال عبد القادر: «تم إطلاق سراح بعض الأرصدة السودانية، لقطاعات خاصة، بعض منهم أبلغوني بذلك، علما بأنه ربما هناك جهات أخرى، فكوا لها أرصدتها، ولكنها لم تبلغنا حتى الآن»، مشيرا إلى أن ذلك يمثل خطوة إيجابية، ودليل عافية لفك الحظر لكل الأموال المحظورة أو المجمدة.
مشاركة :