القاهرة: رحاب عبد العظيملا يملك الشاب المصري عبد الرحمن عمران ذرة حنق تجاه إعاقته، هو يراها مصدراً لسعادته ونجاحه بل وصانعة لمستقبله العلمي، الذي بدأ في عمر مبكر للغاية، الصغير الذي قضى أكثر سنوات عمره بين العيادات وطاولات الجراحة بسبب مشكلة طالته أثناء الولادة، حاز مؤخراً على لقب مبتكر مصر الأول، وحصل على الميدالية الذهبية في معرض جنيف للاختراعات هذا العام.عمران الطالب في المرحلة الثانوية يمتلك الكثير من الخطط لمستقبله، بدأ في تنفيذ بعضها، ويتسم كذلك بالحكمة، وعن أفكاره وأحلامه والدروس التي تعلمها في سنوات عمره القليلة، كان معه هذا الحوار. ما هي المشكلة الأساسية التي عانيت منها في طفولتك؟ حدث لي نقص في الأكسجين أثناء الولادة، أثر على بعض خلايا الجهاز الحركي، ترتب على ذلك تأخري في المشي، وظللت أحبو حتى عمر السنة الخامسة، وخلال تلك الفترة لم تكف عائلتي عن زيارة عيادات العلاج الطبيعي، وللأسف كان الأطباء يصيبونهم بالإحباط، كلما أخبروهم أنه لا يوجد أمل وأنني لن أسير أبداً. ولم ييأس والداي، وواصلا البحث عن علاج، وقمت بإجراء ثماني عمليات في سن السادسة، من بعدها أصبح المشي ممكناً، مع مواصلة العلاج الطبيعي حتى عمر الثالثة عشرة تقريباً.متى بدأ اهتمامك بالنواحي العملية؟ وكيف أدركت اختلافك؟ بداية الاهتمام كان في المرحلة الابتدائية، كنت أحب مادة الحاسب الآلي للغاية، لكن مدرسي المادة داخل المدرسة كانوا يخشون على الأجهزة من عبث الطلبة، ويدرسون لنا المواد نظرياً فقط، شكوت لأبي فلم يهمل الشكوى، وتوجه بالفعل إلى المدرسة حيث سجل اعتراضه، لأصبح الطالب الوحيد الذي نجح في دخول معمل الكمبيوتر وأستخدم الجهاز وأتعلم كيفية تشغيله والعمل عليه.كنت أميل أيضاً إلى مادة العلوم، وكان مشهد المخترعين يحفزني باستمرار، ويجعلني أتمنى أن أصبح مثلهم يوماً ما، وكان لدي حب استطلاع شديد، يدفعني لفتح أي جهاز أراه أمامي، حتى أني كنت أزور محلاً لإصلاح الأجهزة الكهربائية بالقرب منّا من أجل مشاهدة أصحابه وهم يصلحونها، وكنت حريصاً ألاّ يمر شيء من تحت يدي دون أن أعرف سببه.ما الذي دفعك إلى طريق البحث العلمي؟ كانت البداية مع موقف لن أنساه ما حييت، حين حصلت على الشهادة الابتدائية وكنت الأول على محافظتي، لذا، كرمني المحافظ، وحصلت على جهاز كمبيوتر محمول، حين استخدمته لأول مرة حذفت أيقونة «ماي كمبيوتر» بالخطأ، حينها تخيلت أنني أفسدت الجهاز، وشعرت برعب شديد، لذا سارعت إلى شاب أعرفه يدرس بكلية الهندسة، وأخبرته بما حدث فضحك وسخر كثيراً، وقتها شعرت أنني لم أتعلم بما يكفي، وأنني ضئيل للغاية لذا بدأت في التبحر أكثر بمجال الكمبيوتر والبرمجة، وأشغلت نفسي بكورسات إلكترونية وأخرى على أرض الواقع.كيف بدأت رحلتك مع الجوائز؟ كانت لدي فكرة كرسي متحرك لمرضى ضمور العضلات، بدأت في تنفيذها بالفعل وأردت اختبارها عبر التقدم إلى مسابقة بعنوان «إنتل أيسف»، تهتم بالبحث العلمي، من خلالها تعرفت إلى معنى البحث، وكيفية تحويل المعلومات التي امتلكها إلى دراسة إلاّ أنني لم أفز في المسابقة على مدار سنوات، وكان هذا يحزنني بشدة، ولكنني لم أستسلم، فقد التحقت بمسابقة «أبر إيجيبت» التابعة لكليات الهندسة في صعيد مصر، واشتركت بمشروعي ونظام تشغيل كمبيوتر ابتكرته أيضاً، ونافست في هذه المسابقة طلبة الهندسة، بعد أن رفضت أن يكون وجودي شرفياً، وجدت نفسي أواجه مئات الطلبة المبتكرين من بينهم جاري الذي سخر من جهلي بالكمبيوتر، وكانت المفاجأة أنني فزت وحصلت على المركز الأول في يوم الهندسة المصري، وكانت تلك هي البداية الحقيقية، حيث مثل لي الكثير أن أفوز على طلبة الهندسة وأنا ما زلت طالباً في الصف الأول الثانوي.وكيف تواصلت مع الهيئة العربية للتصنيع؟ انتشرت قصتي في الصحف وتواصلت معي وزيرة التضامن الاجتماعي، وقامت بتكريمي، ووجهتني إلى الهيئة العربية للتصنيع قبل ثلاث سنوات تقريباً، فاستقبلني الفريق عبد العزيز سيف الدين، رئيس مجلس إدارة الهيئة، وأعجب جداً بالمشروع وعقد لجنة فنية لمناقشته من قبل متخصصين، وبعدها وجهوني لمصنع قادر للصناعات المتطورة لدعمي في إنتاج الكرسي مادياً وفنياً.متى جاء فوزك بلقب مبتكر مصر الأول؟ عبر المشاركة في مسابقة بعنوان «القاهرة تبتكر»، وكان التحكيم صعباً، إلا أنني مررت بالمرحلة الأولى وتأهلت للنهائية حيث جرت التصفيات بين أكثر من ألف مبتكر على مدار عام ونصف العام، وحظيت باللقب والجائزة الكبرى التي تبلغ قيمتها 250 ألف جنيه، وكانت فرحة كبيرة بالنسبة لي ومثال فخر، وبداية لصدور التعليمات بإنتاج أول خمس عينات من الكرسي لنزول السوق.أشرح لنا مشروعك ببساطة؟ هو عبارة عن كرسي متحرك كهربائي لمساعدة مرضى الشلل الرباعي، يتم التحكم فيه عن طريق حركة الرأس، يتمتع بوسائل أمان تمنع المريض من الاصطدام، قمت بتطويره وعملت نموذجاً نهائياً يتم التحكم فيه عن طريق إشارات المخ، ومع تلافي نسبة الأخطاء لمرضى الضمور الكامل في العضلات. وتم ترشيحي من قبل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجي لتمثيل مصر في معرض جنيف للابتكارات والاختراعات، وهناك حصلت على الميدالية الذهبية في مجال الأنظمة المدمجة، وكانت تلك آخر جائزة لي حتى الآن، وتم تكريمي عنها عقب رجوعي من وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
مشاركة :