آخر أيام المدينة بقلم: أمير العمري

  • 8/2/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المخرجون الشباب يجوبون العالم من أجل تدبير الدعم المالي الذي لا يجدونه لأفلامهم في الداخل، ويرغبون في تحريرها من قيود الإنتاج السائد.العرب أمير العمري [نُشر في 2017/08/02، العدد: 10710، ص(16)] بعد جولة عالمية ممتدة لفيلم “آخر أيام المدينة” للمخرج المصري تامر السعيد، عرض الفيلم أخيرا في مركز الفنون المعاصرة في لندن، وكان الفيلم قد عرض للمرة الأولى في مهرجان برلين- فبراير 2016. وقد كتبت عنه في هذه الصحيفة، وقلت في مقالي إنه “فيلم عن الغربة كما أنه عن الموت والتدهور والاحتضار، وكأننا نشهد نهاية حضارة كانت قائمة ذات يوم، إنه يجسد حالة التحلل والانهيار، ويلمس تلك الثورة الكامنة في الصدور التي كانت قد تراكمت في 2009 وقت تصوير الفيلم، ولكن الفيلم يبدو أيضا كما لو كان نبوءة بفشل الثورة، بالتراجع إلى ما هو أسوأ من الماضي الذي ثار عليه الثائرون. إنه باختصار فيلم عن الإحباط على المستويين؛ العام والخاص، وعن سقوط مدينة في براثن الجهل والتخلف والشعوذة والإهمال والهدم”. وقد نشرت مقالات كثيرة عن الفيلم في الصحف العربية والأجنبية، أحدثها المقال الذي كتبته مراسلة “الغارديان” البريطانية في القاهرة، روث ميكايلسون، ونشر بتاريخ 12 يوليو تحت عنوان “رسالة حب سينمائية إلى القاهرة لن يراها أحد من سكانها”. عنوان مقال “الغارديان” يلخص ما وصل إليه الفيلم حاليا، أي باختصار “اغتيال فيلم” بعد “موت مدينة”، فهناك جهات عديدة داخل دولاب السلطة لا تريد لهذا الفيلم أن يرى النور، وتريد أن تعاقب مخرجه الذي تجرأ وصور إرهاصات الغضب الذي اندلع في 2011، يحدث هذا وسط مؤامرة صمت مريبة من جانب ما يسمى بـ”الجماعة الثقافية” المشغولة بلعبة تبادل المصالح المتدنية. في العام الماضي أعلن مهرجان القاهرة السينمائي اعتزامه عرض الفيلم في مسابقته الرسمية، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة بدعوى أن الفيلم عرض في مهرجانات أخرى منافسة رغم أن مخرجه كما صرح، امتنع عن عرضه في المهرجانات الإقليمية المنافسة. أدركت في ذلك الحين أن استبعاد الفيلم من المهرجان لم يكن قرار إدارته، خاصة بعد أن رأيت صورة “اللواء” حسن خلاف يتصدر منصة المؤتمر الصحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة، فقد كانت الصورة كاشفة بما يكفي. كان هناك وقتها من تصور أن المهرجان استبعد الفيلم لكي يخلي مكانا لفيلم آخر في مسابقته، وهي نظرة ساذجة بالطبع، فكان يمكن جدا أن يعرض المهرجان الفيلم خارج المسابقة إن لم يجعله الفيلم الثاني في المسابقة، وفي حالة رفض مخرجه، يكون هو الذي استبعد فيلمه وليس المهرجان. بعد فترة قصيرة أعلن مهرجان شرم الشيخ اعتزامه عرض الفيلم في مسابقته الدولية، وفي اللحظة الأخيرة، استبعد المهرجان الفيلم بزعم أنه لم يحصل على تصريح من الرقابة، ومرة أخرى يصدر صناع الفيلم بيانا فندوا فيه مزاعم المهرجان، وباتت الصورة أكثر وضوحا لمن يريد أن يرى. قضى خالد السعيد ست سنوات في صنع فيلمه، ويبدو أنه سيقضي سنوات أخرى قبل أن يرى فيلمه معروضا على شاشات مدينته التي لم تمت تماما بعد، وقد ناقش السعيد فيلمه مع الجمهور في الشرق والغرب، لكنه لم يتمكن من مناقشته مع الجمهور الذي صنع من أجله، ومنذ طلب الحصول على تصريح بالعرض لم يصدر هذا التصريح حتى الآن عن الرقابة، وهو ما يؤكد أن المسألة بأسرها تتجاوز المهرجانات، بل وتتجاوز جهاز الرقابة نفسه. والمعروف أن الرقابة تتلقى دائما تعليمات من جهات عليا “سرية”، لكنها معروفة، والمسؤول الحالي عن الرقابة يصرح بأنه لا يرى ما يمنع من عرض الفيلم، لكنه لا يمنحه التصريح المطلوب، والأمر بأكمله أصبح ظاهرة تضر بصورة الثقافة المصرية والسينما المصرية، فالمخرجون الشباب يجوبون العالم من أجل تدبير الدعم المالي الذي لا يجدونه لأفلامهم في الداخل، ويرغبون في تحريرها من قيود الإنتاج السائد، لكن هذه الأفلام تنتهي إلى المنع والحظر أو في أفضل الأحوال، توضع “على الرف”، وهو ما حدث قبل سنوات مع فيلم إبراهيم البطوط “عين شمس”. ناقد سينمائي مصريأمير العمري

مشاركة :