من المعروف أن اللغة – كأحد أهم إنجازات البشر إن لم تكن أهمها على الإطلاق- كانت وتظل عاملًا رئيسًا خلف ظهور المخترعات التكنولوجية، وذلك منذ بدأت الآلة مسيرتها في دعم التطور البشري، وحتى هذا العصر الذي يشهد انفجارًا في تقنيات الاتصال. لكن هذا لا يعني أن التكنولوجيا لم تقدم شيئًا، كرد للجميل، تخدم به اللغات عمومًا، والعربية خصوصًا. ولعل التذكير باختراع الطباعة يكفي كمثال حي على خدمة التطور التقني للغات، توثيقًا ونشرًا وتطويرًا.ولعل إحدى صور التفاعل بين التقنيةاليوم- والإعلام الجديد فرع من فروعها - وبين اللغة العربية، يتمثل في تقديم التقنية عددًا من المصطلحات أو المفاهيم الجديدة للمعجم العربي. ورغم عدم الاتفاق على قبول هذه الظاهرة بين المختصين في علم المعاجم العربية، ورغم وجود بعض المخارج التي نجدها في (فقه اللغة) لهذه الظاهرة، مثل باب «الدخيل» الذي يناقش الظاهرة وكيفية التعامل مع الكلمات الدخيلة على العربية، إلا أن الموقف الصارم مع الكلمات غير العربية، ظل مسيطرًا على العقل اللغوي لزمن طويل. وأحسب أن آثاره لا تزال باقية؛ إذ يثور الجدل دومًا حول أي محاولة لإضافة كلمات غير عربية - أو حتى نحت كلمات جديدة لا أصل لجذرها - إلى المعجم العربي، بغض النظر عن تاريخ استخدامها في السياق الشعبي العربي.المثال الشهير الذي يمكن استخدامه في هذا السياق هو (قوقل) الذي تحول إلى كلمة (اسم وفعل) في القاموس الإنجليزي، لكن اعتماده في المعجم العربي – رغم استخدامه الواسع في الحياة اليومية عربيًّا - لا يبدو أمرًا ممكنًا.هذا لا يعني - بالطبع - أن المؤسسات اللغوية المتخصصة في العالم العربي، من جامعات ومجامع لغوية، وقفت مكتوفة الأيدي حيال هذه الظاهرة الحديثة دون حل مقترح؛ فقد أوصى مجمع اللغة العربية بالقاهرة –على سبيل المثال- (في دورتيه الستين والواحد والستين) إلى اعتماد إستراتيجيتي الترجمة والتعريب مع المصطلحات العلمية التي ترد من لغات أخرى. بحيث تكون الأولوية بأن يوضع «مصطلح من أصل عربي لمقابله الإنجليزي أو الفرنسي بالترجمة المباشرة أو بالاشتقاق أو بالنحت أو بالمجاز من لفظ عربي». ولا يكون الأخذ بالتعريب إلا عند الحاجة، «وبخاصة عندما ينصب المصطلح الأجنبي على اسم عام، أو كان من أصل يوناني أو لاتيني شاع استعماله دوليًّا ويحتفظ بصورة قريبة لصورته الأجنبية للملاءمة بينها وبين الصيغ العربية».لا بد أن نعترف أن هذه الكلمات غير العربية تجد طريقها عبر التقنية إلى اللسان العربي؛ فالكمبيوتر، والإنترنت، وفيس بوك، وتويتر، وريتويت، وهاشتاق، وفولورز، ومنشن، وبوست، وغيرها أصبحت كلمات من حياتنا اليومية مهما كانت سياسة المؤسسات اللغوية الرسمية، ومدى تفهمها وتسامحها مع الظاهرة.. فهل تحتاج هذه المؤسسات إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه هذه القضية!؟
مشاركة :