إذا كان دخلك الشهري في مصر نحو 5 آلاف جنيه قبل البدء في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، فإنك تستطيع أن تدخر منهم ألفي جنيه شهري، بعد دفع إيجار السكن وفواتير الغاز والكهرباء والمياه، فضلاً عن مصاريف المدارس، في أسرة تتكون من الزوج والزوجة وطفلين، لكن هذا الوضع تغير تماماً مع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر بداية عام 2015، الذي زاد الضغوط على الأسر المصرية.الأمر الذي أعاد هيكلة الطبقات الاجتماعية في الدولة التي يتخطى تعدادها السكاني 92 مليوناً، بنسبة فقر تتعدى الـ30 في المائة، التي ارتفعت بالتأكيد بعد تعويم العملة الذي قلل من القيمة الشرائية للـ5 آلاف جنيه لتصل إلى 2250 جنيه، أي بأكثر من 100 في المائة.وكان الجنيه يتداول عند 7.7 جنيه للدولار الواحد، قبل تعويم العملة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بينما بلغ الـ20 جنيهاً بعد التعويم، ويتداول حالياً عند مستوى 18 جنيهاً، مع ملاحظة عدم تحرك أحد المسؤولين لتحريك الأجور لمواجهة تلك القفزة في الأسعار بعد تخطي التضخم 30 في المائة.ومن تقل أجرته اليومية عن 34 جنيهاً، نحو 1020 جنيهاً شهرياً، يدخل تحت خط الفقر الذي حدده البنك الدولي عند 1.9 دولار لليوم الواحد.وتضع الحكومة حداً أدنى للأجور عند 1200 جنيه شهرياً، لكنه غير مطبق في جميع المؤسسات، سواء حكومية أو خاصة، فيما تصل بعض المعاشات إلى 500 جنيه شهرياً، تغطي قطاعاً كبيراً من المصريين.وتتضمن خطة الإصلاح الاقتصادي في مصر تقليل الدعم على المحروقات والكهرباء والغاز، وهو ما يزيد الضغوط على المصريين الذين ينتظرون هدوء موجة الغلاء الفاحش في البلاد، وهو ما توقعه المحللون بنهاية العام المالي الحالي، أي في يونيو (حزيران) المقبل.ورفعت الحكومة المصرية في 29 يونيو الماضي أسعار الوقود بنسب تصل إلى 100 في المائة في بعض المنتجات، في إطار خطتها لإعادة هيكلة دعم المواد البترولية. وهذه هي المرة الثانية التي ترفع فيها أسعار الوقود خلال 8 أشهر، بعدما رفعتها في نوفمبر الماضي بنسب تراوحت بين 30 و47 في المائة، في إطار خطة لإلغاء الدعم بحلول 2018 - 2019، وفقاً لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، تحصل بموجبه القاهرة على قرض قيمته الإجمالية 12 مليار دولار. وشملت الزيادات أيضاً أسعار بيع الغاز الطبيعي المضغوط إلى المنازل، لترتفع بنسب تراوحت بين 12.5 في المائة إلى 33 في المائة، كما رفعت سعر السولار نحو 55 في المائة للتر، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 40 في المائة.والتضخم المرتفع المستمر يؤدي إلى انخفاض معدل نمو الاستهلاك الخاص، وكذلك سيؤدي إلى تآكل تنافسية الجنيه المصري، مما يؤثر بالسلب على الوضع الخارجي للبلاد.وقد رفع البنك المركزي المصري، أخيراً، أسعار الفائدة إلى نحو 19.75 في المائة للإقراض، و18.75 في المائة للإيداع، بزيادة ألف نقطة أساس في 8 أشهر.وزيادة أسعار الفائدة تمثل ضغوطاً إضافية على إجراءات خفض عجز الموازنة، حيث تضيف نحو 50 مليار جنيه على فاتورة الدين العام المتضخمة، مما قد يمحو أثر خفض الدعم الذي كان متوقعاً أن يوفر 51.5 مليار جنيه (40 مليار جنيه من فاتورة دعم الوقود، و11.5 مليار جنيه من فاتورة دعم الكهرباء).وتبلغ فاتورة الدين العام في موازنة العام المالي 2017 / 2018 نحو 381 مليار جنيه، مرتفعة بنحو 88 مليار جنيه عن العام الماضي، وذلك دون الأخذ في الاعتبار رفع أسعار الفائدة الأخيرة.وفاتورة الدين العام تمثل عبئاً ضخماً على الموازنة العامة المصرية منذ أعوام، حيث تمثل 32 في المائة من إجمالي الإنفاق في العام المالي الحالي، الأمر الذي يفرض المزيد من التحديات أمام هدف الحكومة لخفض عجز الموازنة إلى 9.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2017 / 2018.
مشاركة :