تتطلع النفوس إلى قراءة سير العلماء العاملين، وتزداد شوقًا عند السماع عنهم، ثم تتوق لرؤيتهم، لأنهم مثال يحتذى بهم في العلم والعمل، وقدوة يقتفى بهم في الجد والاجتهاد، ومن أولئك العلماء العاملين -فيما نحسبهم والله حسيب الجميع- الذين وفق الله رؤيتهم فضيلة الشيخ العلامة د. محمد بن هادي المدخلي -وفقه الله تعالى-، المدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. ومن فضل الله علينا أن يحل ضيفًا كريمًا في مملكة البحرين، ولطالما اشتاق لرؤيته طلاب العلم عندنا، ولست في مقام الترجمة والثناء لهذا العلم ولا في مقام الإشادة به والإطراء، فهو من أكثر من رأيت من مشايخي كراهة للثناء، ومن جالسه لاح له ذلك بجلاء، ويكفيه أنه ممن شهد له الإمام ابن باز رحمه الله أنه من خواص علماء السنة، ومن المعروفين بالاستقامة وحسن السيرة، ولكن هي كلمة حق عجز البنان إلا أن يبوح بها، لعلها تفي بالمراد.فالشيخ محمد بن هادي مجالسته تعلي الهمة، والدراسة عليه تنمي الذهن، وسؤاله يكشف مكنون الدرر والفوائد، والاستماع إليه متعة، والقراءة عليه غنيمة، فهو من سلالة علم وحفظ، ورث علمًا غزيرًا من شيخ شيوخه الحافظ حافظ الحكمي، بلغ الغاية في الحفظ والدراية والفهم، ولك أن تسأل الألفيات التي يحفظها، والمنظومات التي لا تغيب كثيرًا عن باله، أو المعلقات التي يستحضرها، فلو سئل في العقيدة والسنة خلته من المنافحين الأوائل، وإن تكلم في الحديث حسبته من المحدثين القلائل، وإن تكلم في الرجال وجدت عنده من أخبارهم وأحوالهم ما يفوق الوصف، وإن تكلم في الفقه وأصوله ظننت أنه لا يحسن غيره، وإن تكلم في العربية والأدب والبلاغة أيقنت أن هذا تخصصه وفنه.هو صاحب فراسة، فطنًا ذكيًا، ما ذكر نوع من العلم إلا كان عنده منه نصيب وافر، صاحب أخلاق عالية، ومعاملة لطيفة، له جهود عظيمة ومباركة في نشر العلم والسنة، وفضح جماعات الإرهاب والغلو والتطرف، وعلى رأسهم التكفيريون والخوارج وأرباب التحزب وشق عصا الطاعة، وله خبرة وفراسة في معرفة الجماعات وأصحاب الضلالات. وقد كانت محاضرته الموسومة (التوحيد وأثره على الفرد والمجتمع) التي أقيمت ليلة الإثنين بجامع الشيخ عيسى بسافرة، مثالاً لشغف طلاب العلم لرؤية أمثال هؤلاء العلماء، فالحضور فاق الألف فيما يبدو، وحصل بها من النفع العظيم ما تتشرف به مملكة البحرين ممثلة بإداراتها المنظمة، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
مشاركة :