للمرة الأولى، تعلن وزارة الآثار المصرية عن توليها ترميم المعبد اليهودي «إلياهو حنابي» بالإسكندرية، الذي يعود تاريخ تشييده بشكله الحالي، إلى عام 1850. وذلك بتكلفة 100 مليون جنيه مصري ممولة بالكامل من الحكومة المصرية. ويأتي ذلك بعد مرور 11 شهرا على زيارة السفير الإسرائيلي بالقاهرة ديفيد جوفرين للمعبد والتي أثار بها ضجة واسعة؛ بسبب إعلانه عن رغبة إسرائيل في تقديم الدعم المادي لترميم المعبد اليهودي بالإسكندرية.وصرح محمد عبد العزيز أمس، مدير عام مشروع القاهرة التاريخية، أنّ مشروع الترميم سوف يستغرق نحو ثمانية أشهر، وستقوم بها شركتا أوراسكوم والمقاولون العرب المكلفتان من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وأكد عبد العزيز أن «وزارة الآثار لن تتوانى عن ترميم الآثار اليهودية في مصر، باعتبارها آثارا مصرية لا بد من حمايتها طبقا لقانون حماية الآثار، كما أنّها تمثل جزءاً من التراث المصري». كما كشف عبد العزيز أنّ الحكومة المصرية كانت قد خصّصت مبلغ مليار و270 مليون جنيه مصري للانتهاء من أعمال ترميم ثمانية مشروعات وهي: المعبد اليهودي، والمتحف القومي للحضارة المصرية، وتطوير هضبة الأهرامات، وقصر البارون، وقصر محمد علي بشبرا، واستراحة الملك فاروق بمنطقة أهرامات الجيزة والمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية وقصر الكسان بأسيوط.«إنّها المرة الأولى التي ترعى فيها وزارة الآثار ترميم المعبد، وهو خطوة سارة وخبر سعيد لنا كمصريين»، هكذا كان رد فعل رئيس الجالية اليهودية بالإسكندرية يوسف بن جاوون في تصريح خاص وحصري لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «تأثر مبنى المعبد كثيراً نتيجة الأمطار الغزيرة في العامين الماضيين التي أدّت لانهيار أجزاء من السقف الجانبي وتهشم بعض السلالم الخشبية، إثر سقوط سقف (شخشيخة) السلم الخاص بمصلى السيدات، لكنّ المكان الرئيسي المخصص للصلاة لم يتعرض لأي ضرر» مضيفا: «أعتقد أنّ هذا القرار جاء في وقته تماما، لأنّ مبنى المعبد من أهم المباني الأثرية وأكثرها تميزاً على مستوى المعابد اليهودية ليس في مصر فقط، بل لأنّه الأكبر في الشرق الأوسط، فضلا عن كونه يتميّز بطراز معماري فريد».وأشار جاوون إلى أنّ «ترميم المعبد طوال أكثر من قرن كان يتم بأموال الجالية أو المتبرعين من أبناء الجالية اليهودية بالإسكندرية حول العالم»، لكن بمرور الزمن ووفاة كبار رجال الأعمال منهم، لم تتوفر الموارد المالية الكافية للترميم الشامل للمعبد منذ فترة. ومن المعروف أنّ كبار رجال أعمال أوروبا كانوا من أبناء الجالية اليهودية بالإسكندرية ومنهم: عائلة (زيلخا) التي أسست سلسلة المحال البريطانية الشهيرة (مذركير).يتحدث جاوون بنبرة حزينة مستكملا: «ما بقي من الجالية بالإسكندرية 18 سيدة من المسنين، أما آخر 3 رجال من أبناء الجالية فقد سافر أحدهم إلى القدس، والآخر إلى كندا والثالث لا نعرف عنه أي خبر منذ فترة، وكانت آخر صلاة يهودية تقام به حتى عام 2012، وكان يقوم بها حاخام من فرنسا وبوفاته لم تقم صلاة حتى اليوم».ولد جاوون لأب وأم مصريين وغادر مصر طفلا وأكمل تعليمه في فرنسا، لكنّه يتحدث العامية المصرية بطلاقه وإجادة تامة، وتتمثل مهام رئيس الجالية اليهودية بالإسكندرية برعاية المسنين منهم وتلبية احتياجاتهم فضلا عن إدارة الأملاك الباقية والتي لم يتم تأميمها من قبل ثورة يوليو 1952. ويقول: «من المهم أنّ الدولة المصرية تعير اهتماما بالتراث اليهودي لأنّه يمثل جزءا هاما من التراث المصري، ومن المهم أن تتعرف الأجيال الجديدة على تاريخ مصر وتاريخ أحد الأديان السماوية الثلاثة ونحن نتمنى أن يتم إعادة افتتاح المعبد وإتاحة زيارته للجميع، لكنّني أعتقد أنّ ذلك لن يتم قبل عام من الآن»، ويضيف ضاحكا: «ربنا سبحانه وتعالى يدينا ويديكم طولة العمر». وكان المعبد قد أُغلق أمام الجولات السياحية منذ عام 2015 بسبب انهيار بعض أجزاء منه، فضلا عن تراجع أعداد الأفواج السياحية التي كانت تأتي إليه من الأرجنتين وفرنسا وإنجلترا في أعقاب ثورة يناير.من جانبه، قال المهندس وعد الله أبو العلا، رئيس قطاع المشروعات في الوزارة: «إن البدء في أعمال ترميم المعبد جاءت بعد الانتهاء من إعداد كافة الدراسات العلمية والهندسية الخاصة به، وستشمل أعمال الترميم المعماري وأعمال الأرضيات، وتفكيك الألواح الخشبية، وإزالة الدهان الداخلي والخارجي، وأعمال الشبابيك والأسقف الخشبية وأعمال الترميم الإنشائي والموقع العام. كما ستشتمل أيضا على أعمال الترميم الدقيق من حيث التكسيات والعناصر الرخامية والزخارف الجصية والزجاج المعشق بالرصاص، وأعمال ترميم الأخشاب، وكذلك أعمال الكهرباء ومكافحة الحريق وصرف المياه».وتكمن أهمية وقيمة المعبد اليهودي بالإسكندرية بشارع النبي دانيال، كونه أقدم وأشهر معابد اليهود في الشرق الأوسط. فقد بني عام 1354 وتعرض للقصف من الحملة الفرنسية على مصر، عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي باشا.وهو بناء فخم من القرن التاسع عشر، استخدمته الطائفة اليهودية في الإسكندرية، وكان يصل عددها حتى فترة الثلاثينات إلى أكثر من 20 ألف يهودي، وبه طابقان طابق للرجال وطابق للسيدات، وبه كتب التوراة أو الأسفار القديمة التي كانت موجودة في 18 معبدا بالإسكندرية تم هدمها أو بيعها واندثرت، ويتضمن مبنى المعبد بوسط الإسكندرية عددا من المكاتب الخاصة بالطائفة اليهودية التي قدّمت الخدمات إلى أبناء الطائفة ومنها: المحكمة الربانية (المحكمة الدينية اليهودية) والمدرسة ومكاتب القيد وإصدار الوثائق ومنها وثائق الجنيزة التي توثق لحياة الجالية الاجتماعية والثقافية والرياضية والمالية، والتي يسعى إليها الباحثون من كل مكان في العالم.
مشاركة :