وقفت أمام بوابة المجمّع التجاري تنتظر زوجها العزيز ويداها تقاوم لحمل أكياسها الثقيلة. راحت تتلفت في السيارات الكثيرة التي تتوقف وتغادر سريعاً من أمام البوابة محاولة إيجاد سيارة شريك حياتها. زوجها الكريم أرسل لها رسالة نصية يخبرها بوجوده في الخارج. بعد أن ملت الانتظار وفقدت الأمل في وجوده أدركت وقوعها كعادتها أسيرة لكذب زوجها الفارس. حيث إن الأخير اعتاد استخدام هذه الحيلة لكي يُجبر زوجته ونصفه الثاني على الخروج وليجدها بانتظاره لحظة وصوله عند البوابة إلى جانب المتسولات وموظفي الأمن. حاولت كثيراً تفسير سبب هذه العادة البغيضة والدافع خلف رفض زوجها الشهم الانتظار لدقائق بسيطة مرتاحاً في سيارته وهواء المكيف البارد ينفخ في وجهه الذي أُعطي شطر البشاعة. ظلت تنتظر بصبر أيوب وتتطلع في الأشخاص من حولها محاولة إشغال نفسها. لمحت سيارة تتوقف أمام البوابة وخلف المقود سائق آسيوي أخرج هاتفه المحمول وأجرى مكالمة سريعة لتخرج بعدها إحدى النساء من المركز التجاري وتركب بالخلف وتنطلق السيارة. ودت لحظتها لو عطف عليها زمانها البائس ومنحها وظيفة تشغل بها شهادتها الجامعية ولتمكنها من إحضار سائق خاص تتخلص به من سطوة مجتمعها الذكوري الظالم. اتصل بها زوجها اللطيف ليخبرها بوصوله فتلفتت بحثاً عنه لتدرك كذبه مرة ثانية فأخبرته وهي تتأفف بضيق السجين المحكوم بالإعدام «نحراً» بوجودها أمام الباب مباشرة. أنهت الاتصال بغضب وانتظرت لحظات حتى وصل زوجها الرشيد فركبت السيارة وهي تدفع بأغراضها بصعوبة إلى المقعد الخلفي. ألقت السلام عليه فنهرها زوجها الحليم بغضب وأشار بيده إلى سماعة البلوتوث في أذنه وأكمل محادثته. ابتسمت وحمدت ربها على وصوله وعلى قرارها الحكيم بخروجها للسوق ليلاً. راحت تتذكر أيام الدراسة الجامعية عندما كانت تنتظر أخاها العاطل كل يوم في الشمس الحارقة أمام بوابة الكلية قبل امتلاكها لهاتف محمول خشية غضبه من الانتظار أمام الباب. تذكرت كيف ساء الحال بعد شرائها الهاتف وبعد أن بدأ أخوها يأمرها بالمشي على الأقدام تحت شمسنا النووية لتتجاوز المواقف كلها ليتفادى هو الزحمة حفاظاً على وقته الثمين. أجبرها هذا الطغيان الذكوري على اقتطاع جزء من مكافأتها الشهرية لتأجير باص خاص لنقلها من البيت حوالي السادسة صباحاً وإلى بيتها قبل صلاة العصر بقليل. راحت تفكر وتقارن بين مراحل حياتها المضْنية وقدرها العجيب في الانتظار المتكرر أمام البوابات. لم تفهم لماذا كتب عليها القدر هذا البؤس والشقاء ولماذا اختصها وغيرها من نساء البلد بهذه الحياة التعيسة من بين نساء الأرض. راحت تدعو ربها أن يتغير حظها من الدنيا يوماً ما وأن تعيد لها الدنيا شيئاً من كرامتها المسلوبة. أرخت رأسها على مقعد سيارة زوجها التمساح وأغمضت عينيها وراحت ترسم بنعومة القوارير أحلامها البسيطة. توقفت بعد سنوات أمام باب المستشفى تنتظر ولدها صاحب الـ 13 سنة وهي تتذكر تلك الأحلام البسيطة وتضحك بمرارة..
مشاركة :