الحضارة الإسلامية.. هل كانت إسلامية؟ "1"

  • 8/4/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

خلال القرن المنصرم وفي تلك الفترة التي كان يطلق عليها زمن الصحوة، كانت تكثر تلك الكتابات التي تتغنى بأمجاد الماضي وتمنّي عودته، زمن الحضارة التي علمت العالم، والعزة التي كانت. وصار الشعراء ينادون معتصماً وصلاحاً ويأسفون لخلو الأمة من أمثالهما، ثم انتبه البعض لما فى ذلك من خلل وأن الفخر بالأجداد لن يفيد الأحفاد الضائعين أو يحرر لهم وطناً ولن يعيد إليهم قدساً أو أندلساً. فقل خطاب التيه بالماضي، وانتقل إلى الانتباه إلى الحاضر الأليم، ثم خفت حديث الماضي حتى وصلنا إلى زمن صارت صورة هذا الماضي باهتة لا أثر لها، يتشكك فيها من لم يرَ امتداداً لها، أو يراها بعضهم بشعة مليئة بما ينفر وغيره يراها فترة غير قابلة للتكرار. لأجل هذا التشويش كان مهماً أن يكون حديث التاريخ والحضارة جزءاً هاماً لا ينقطع من خطابنا دون مبالغة أو تسطيح. ومع أن مصادر الاطلاع اليوم قد تعددت وتنوعت على نحو هائل، إلا أنك ما زلت تشعر أن كثيراً من الشبهات مصدرها واحد، وهي كتب المستشرقين وخصوم الإسلام من النصارى الحاقدين أو العملاء الكارهين، وفي الغالب لم تنقل من هناك مباشرة، لكن هناك من أبناء هذه الأمة من يبتدئ بحثه وقراءاته من كتابات صحفية أو برامج سطحية، أو قراءات أجنبية متفرقة هنا وهناك، قد كان أساسها تلك الكتب التي كتبت لتشويه الإسلام وحضارته، ولو ابتدأ بداية صحيحة لربما تغير فكره وانتفت شبهاته. الخلافة الراشدة 30 عاماً فقط من ذلك ما يوصم به التاريخ السياسي للمسلمين على امتداد حضارتهم بأنه تاريخ صراعات دموية متأججة لا تهدأ حتى تلبث أن تعود، وتحديد مدة الخلافة الراشدة بأنها ثلاثون عاماً أعقبها تاريخ مليء بالحروب والصراعات على السلطة والحكم. نعم، انتهت الخلافة الراشدة مع بداية توريث الحكم زمن معاوية، لكن هل يعني ذلك غلق صفحة تاريخ طويل من محاولات ترشيد الحكم من خلال الوقوف فى وجه الحاكم، أو خلع حاكم ظالم، أو نصحه وتذكيره بالله؟ كان هناك دائماً علماء يقفون فى وجه الحاكم كما كان هناك مَن ينصرفون إلى العلم ويعتزلون أمر الحكم والسياسة، كان هناك القاضي الذي يخشى الله، والإمام الذي يقود الجهاد، والعالم الذي ينصح الحاكم فى الله. لقد كانت هناك سنن أو قوانين غير مكتوبة تدار بها كل مرحلة من تلك المراحل، بعضها ظالم قاسٍ وبعضها مقبول فيه قدر من العدل ومن إعطاء الحقوق، إلا أن تلك المراحل كلها تميزت بأنها لم تفقد الصبغة العامة للإسلام، لم يفقد المسلمون تعريفهم للإسلام، ظل التعاون مع الأعداء يعرف بأنه خيانة وليس سلاماً استراتيجياً، والمقاومة بأنها جهاد وليست إرهاباً، وهكذا فى سائر نواحي الحياة. فإذا كان هذا البعد عما أراد الله قد حدث في مجال الحكم، وانتقضت به عروة من عرى الإسلام، لكن الإسلام ما زال هو الحاكم و قيمه هي التي تسود. اضطهاد العلماء خلال عصور تفوّق الحضارة الإسلامية كانت هناك فترات انحطاط كان منبعها دائماً هو البعد عن مصدر الإلهام الأول، لكن ذلك لم يكن هو الغالب، بل كان نقيض ذلك هو الشائع والمشهور في كتب التاريخ. وإلا فكيف كان لمثل أولئك العلماء الأفذاذ الذين كانت إسهاماتهم أصل كثير من علوم اليوم أن يكتبوا كتبهم وتتصل جيلاً بجيل حتى تصل إلينا أخبارهم؟ ولقد كان مما يُعرف عن كثير من الخلفاء حبهم للعلوم والمعارف وطلبهم لترجمة كتب السابقين، وكانت المكتبات جزءاً هاماً من قصور الخلفاء، كما أن هناك من الكتب العلمية الهامة ما كتب بطلب من الحكام أو رغبة في التوصل إليهم. وقد حدث في بعض الأحيان أن اتُهم بعض من تعلموا الفلسفة أو تحدثوا بها بالزندقة والمروق من الملة، لكن ذلك لم يكن السائد وكذلك لم يتعلق بالعلوم الطبيعية، وإنما بالفلسفة وعلم الكلام الذي تسبب بفتن وانحرافات في عقائد بعض المسلمين. يُتبَع في المقال القادم.. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :