عرف عن عميد الأدب العربي طه حسين، أنه دخل العديد من المعارك الأدبية مع أدباء عصره مثل العقاد، مصطفى صادق الرافعي ومحمد حسين هيكل والشيخ عبدالعزيز البشري وأحمد حسن الزيات والدكتور زكي مبارك ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم، والقائمة تطول، لكن ما الذي يدفعه لهجوم يصل إلى السب بحق أديب كبير مثل المنفلوطي وهو لا يزال مجرد طالباً في الأزهر. «كنت شابا صغيرا راغبا في الشهرة على حساب كاتب كبير معروف، كما أنني كنت حاد المزاج»، كشف هذا طه حسين بعد 40 عاما كاملة أخفى خلالها سبب هجومة العنيف والذي وصل لسب إمام النثر وأحد أشهر الأدباء المصريين والعرب في بدايات القرن العشرين مصطفى لطفي المنفلوطي، لكنه بررها في تلك الفترة بصغر السن والرغبة في لفت الأنظار إليه. في هذا الوقت كان المنفلوطي أحد أهم الادباء وأفضل من كتب النثر حتى صار مدرسة في الوطن العربي وله مذهب في ذلك، وفي الوقت الذي يحظى فيه بالإشادة فوجئ بمقال منشور في جريدة «اللواء» يهاجم فيه، ويصفه كاتبه بأوصاف من الصعب قبولها. كتب طه حسين: «أيها الكاتب المجيد..أسعد الله صباحك وأحسن مفادك ومراحك.. وقوم المزور من شأنك والمعوج من لسانك وألهمك الصواب في الإعراب والإحسان في البيان، فما أعلمك في كل ذلك إلا دعيّا بحثت عن معناك فلم أجد إلا غثًا، وعن لفظك فلم أجده إلا رثًا، وعن أسلوبك فلم يألفه إلا مبتذلًا، وعن مقرظيك فإذا هم بين ظالم ومظوم، ولائم وملوم فسألت الله أن يثأر منك العرب». ولم يتوقف الطالب «طه حسين» عند ذلك فقط، بل استمر متجاهلاً هجوم زملائه عليه ورفضهم لما يكتبه ومذهبه الجديد والذي يتجه فيه نحو الغرب ويهاجم أديب وشاعراً لطالما أعتبروه قدوه، وكتب عدة مقالات متتالية يشوه فيها المنفلوطي، وشجعه على ذلك -وفقاً لما يذكره الكاتب «هاني الخير» في كتابة «مشاهير وظرفاء القرن العشرين»- الشيخ عبدالعزيز جاويش -الذي تسلم رئاسة تحرير صحيفة «اللواء» خلفا للزعيم مصطفى كامل- حيث ساعدت هذه المقالات في رفع مبيعات الجريدة. أمام هذا التشجيع أحس طه حسين بالزهو بأن طالباً صغيراً يباري كاتباً كبيراً، فاستمر، إلا أن ما شهدته باقي المقالات كانت أبعد ما تكون نقداً بل وصلت للتجريح فكتب: «المنفلوطى شيخ أزهرى – يخطئ فى اللغة، ويضع الألفاظ فى غير مواضعها ويصطنع ألفاظا لم ترد فى المعاجم مثل لسان العرب والقاموس المحيط». ظلت المقالات التي كتبها «طه حسين» لسنوات طويلة تؤرقه ومن فرحة بها إلى حزن شديد لكنه لم يفصح عنه ولم يتحدث إطلاقاً عن هذا الهجوم، وكان دائماً ما يتجاهل الحديث عنه رغم معاركة المستمرة مع الأدباء والشعراء، حتى سأله أحد الصحفيين عن هذا الهجوم، فقال إنه نادم على ذلك وأنه كان طالباً راغباً للشهرة وفي نفس الوقت حاد للمزاج، وهو ما أوصل مقالاته لحد السب وطول اللسان، لكنه نادم على ما فعل. ثم عاد طه حسين ليكتب في «الأيام»: «كلما تذكرت المقال السخيف الذى أعجب به عبدالعزيز جاويش وقرأه للحاضرين فى مكتبه بصوت عال.. كلما تذكر هذه الساعة طأطأت رأسي وسألت الله أن يتيح لي التكفير عن ذنبي العظيم، ولم يكن د. محمد حسين هيكل راضيا عن هذه المقالات، ولكنه لم يمنع نشرها لأنه يؤمن بحرية الرأى ويعطى للمنفلوطى حق الرد»، لكن لم يثبت أن رد المنفلوطي على ما كتبه طه حسين من الأساس.
مشاركة :