تونس: المنجي السعيداني أبدت الأحزاب الإسلامية التونسية تحفظات كثيرة تجاه «المعركة» السياسية التي تخوضها حركة النهضة ضد خصومها من التيارات اليسارية والليبرالية، ولم تدعم رؤية راشد الغنوشي زعيم التيار الإسلامي وتصوراته لحل الأزمة السياسية التي تتواصل منذ أشهر واستفحلت بعد اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي يوم 25 يوليو (تموز) الماضي ومطالبة المعارضة بحل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة. وعبر أكثر من طرف سياسي إسلامي عن معارضته لتوجه حركة النهضة في إدارة الشأن العام والتعاطي مع الأزمة السياسية. ولم تخف تلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية انتقاداتها لحركة النهضة التي تقود البلاد منذ نحو السنة والنصف ولم تسع إلى مساندتها فيما بات يعرف بـ«معركة الشرعية»، بل اتخذت مسافة تجاهها ربما في انتظار الاستفادة من تأزم الوضعية السياسية للحركة وتراجع شعبيتها والاستفادة من ذلك خلال المحطات الانتخابية المقبلة. وفي هذا الشأن، قال عبد المجيد الحبيبي الأمين العام لحزب التحرير (حزب إسلامي ينادي بعودة الخلافة) إن الحزب يدعم المشروع الإسلامي وأن يكون الإسلام في السلطة ولكن ثورات الربيع العربي على حد تعبيره أوصلت الإسلاميين إلى مقاليد السلطة دون الإسلام. ونفى الحبيبي أن يكون لحزب التحرير مشكلة مع حركة النهضة ولكنه وجه انتقادات حادة إلى ما سماه «أزمة الحكم وصراع الحكام»، وصنف الأزمة الحالية بكونها مفتعلة وهي عبارة عن صراع مغلوط لا يمكن فضه بمجرد تنازل حركة النهضة عن رئاسة الحكومة. وأضاف الحبيبي أن الإسلام غير موجود اليوم في الساحة السياسية التونسية وأن حركة النهضة لا تمثل التيارات الإسلامية. وحول هذا الصراع المفتعل قال الحبيبي إن وصول أي طرف سياسي على حساب حركة النهضة لا يمكن أن يحل الأزمة ويخرج المشهد السياسي من دائرة الصراع. ولم تعبر معظم الأحزاب الإسلامية التونسية المقدر عددها بأكثر من 15 حزبا سياسيا عن مواقفها تجاه الصراع الدائر بين حركة النهضة والتيارات العلمانية والليبرالية، واكتفت بمتابعة الأحداث دون الاصطفاف مع طرف سياسي دون آخر. إلا أن أطرافا سياسية من المعارضة لم تعبر عن ثقتها في تلك الأحزاب بعد أن صرحت قيادات سياسية من النهضة أنها تنظر إلى تلك الأحزاب على أساس أنها «احتياطي انتخابي» في صراعها مع منافسيها. وفي هذا السياق، قال محمد الصالح الحدري الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية (حزب إسلامي تأسس بعد الثورة) لـ«الشرق الأوسط» أن حزبه إسلامي ولكنه «معارض لحركة النهضة» ويرى أن سياساتها منذ فوزها في الانتخابات المجلس التأسيسي موفى سنة 2011 كانت «خاطئة كما أن الحكومات المتعاقبة التي شكلتها كانت فاشلة» على حد تعبيره. وعارض بصفة قطعية وجهة نظر حركة النهضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية ودعاها إلى التخلي عن رئاسة الحكومة، على أن تكون طرفا مشاركا في الحياة السياسية ولا يقع إقصاؤها كما هو الأمر بالنسبة للتيار الإسلامي في مصر. وأشار إلى اختلافه مع رؤية الغنوشي ودعوته إلى إجراء انتخابات نهاية السنة الجارية وقال: إن «الأمر مستحيل ولا يمكن التوصل إلى الانتخابات قبل يوم 20 مارس 2014» على حد تقديره. وأعرب الحدري عن دعمه لموقف حركة النهضة فيما يتعلق بضرورة المحافظة على المجلس التأسيسي (البرلمان) ولكنه نزع عنه مهمة مواصلة كتابة الدستور وأسندها إلى لجنة خبراء في القانون الدستوري وأرفق الأمر بعرضه على الاستقاء على أن يعرض أكثر من مشروع دستور على التونسيين. وحدد من ناحية أخرى مهام المجلس التأسيسي في صياغة القانون الانتخابي وتشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. من ناحية أخرى، ذكرت الجبهة الشعبية التي تقود أحزاب اليسار المعارضة في تونس أن حركة النهضة الإسلامية هي المدعوة أولا إلى استخلاص الدرس من السيناريو المصري. وفي هذا السياق، قال جلول عزونة القيادي في الجبهة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» إن حركة النهضة هي المدعوة أولا وأخيرا لاستخلاص الدرس من مصر وذلك بقبول حل المنظومة النابعة عن انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بعد أن فقدت كل شرعية سواء بتجاوزها مدة التفويض لصياغة الدستور، أو بسوء الأداء وفشلها في إدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي. وكان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس قد دعا مختلف الأطياف السياسية أول من أمس «إلى الاتعاظ مما حدث في مصر والدخول في حوار مفتوح ودون شروط مسبقة». ودعا راشد الغنوشي إلى تفهم الظرف السياسي والقبول بتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني التي تطالب بها معظم القوى السياسية والمدنية والاجتماعية لتصحيح مسار الانتقال الديمقراطي والإعداد لانتخابات حرة وديمقراطية وشفافة وإيقاف نزيف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. وأضاف عزونة أن القوى السياسية والمدنية ساعية نحو «سد الباب أمام كل المغامرات التي قد تخامر أذهان المتطرفين من زعماء حركة النهضة الذين يهددون بتكرار ما حصل في مصر» على حد قوله.
مشاركة :