سأبدأ هذه المقالة بمقولة شهيرة لأحد أبرز علماء الفلسفة وهو العالم الإسكتلندي "ديفيد هيوم" الذي أعلن في فلسفاته انه (لا يمكن فصل الخطأ عن الصواب) وهنا يمكننا أن ننطلق لمناقشة المبادئ التي وضعناها للتعامل مع اهم منتجات المجتمع واكثرها عددا وهم الشباب، لنطرح السؤال عبر بوابة يجب أن تكون مفتوحة للجميع وامام الجميع وتحت مسؤولية الجميع: فهل شبابنا عرضة للسرقة الفكرية والايديولوجية، وهل هناك من يعرضهم للبيع فكريا وايديولوجيا ليتاجر بهم في سوق الانحراف الفكري ويبيعهم عبر متاجر الايديولوجيا المتشددة او المنحلة. لقد كنا نتحدث عن شباب مجتمعنا فكريا وثقافيا واجتماعيا دائما وأبدا بأنهم " الاحسن والافضل والاجمل في كل شيء" لم نكن نستثني شيئا فكل ما عملناه خلال العقود الاربعة الماضية هو الاستمرار في اطلاق افضل الصفات على الشباب وهذا من حقنا ولكن السؤال الذي لم نستطع مواجهته يقول: هل كنا ندرك حقيقة ما نعمله وما مدى صحة تلك الصفات وحقيقتها..؟ لقد وقعنا فعليا في شرك تربوي كبير خلال العقود الماضية عندما بالغنا في فصل الخطأ عن الصواب في تربية المجتمع فكريا وثقافيا وخاصة فئة الشباب، فالفصل المبالغ فيه بين الخطأ والصواب في حياتنا الفكرية والثقافية أنتج الازدواجية التربوية الصارمة، فكانت مناقشاتنا حول مشكلات الشباب تفرض الصواب فقط في كل شيء فالخطاب الدعوي هو الخطاب الصواب والخطاب التربوي هو الخطاب الصواب والخطاب الاعلامي هو الخطاب الصواب وانتشرت في المجتمع الخطابات الصواب فقط، وتم حقن المجتمع بأفكار الصواب فكان كل ما حولنا يجب أن يكون صوابا دون معرفة لمقاييس ذلك الصواب. لقد مارسنا تربية خاطئة على المجتمع بكل تفاصيله واصبحت التربية في مجتمعنا تلقن الصواب فقط دون فهم او شرح او حتى تطبيق للجانب المضاد والمرتبط بالصواب التربوي الذي يدعى في عالم الافكار الفلسفية "الخطأ"، كل الحيوانات تتعلم من الخطأ لتصل الى الصواب وهي بدون عقل فما بالك بالإنسان، لقد قضينا الوقت الطويل في تلقين شبابنا فنون السباحة وحركاتها وفوائدها وكل ما يهمنا فيها، ولكننا لم نعلمهم يوما النزول الى مسابح الحياة لتجربتها لذلك اصبحت تجربة شبابنا الفكرية والايديولوجية مثالية هشة غير مرتبطة بتجربة فعلية على الواقع. ولكي تكون الصورة اكثر وضوحا من هذه المقدمة التي لابد منها لإيضاح الفكرة، يمكننا التفكير ولو بشكل مبسط عن سبب سرقة ابنائنا وتضليلهم في قضايا الجهاد فعلى سبيل المثال تأتي قضية الحور العين والوصول للسلطة في مقدمة المناطق الهشة في تفكير شبابنا فلماذا يحدث هذا..؟، من يسرقون ابناءنا فكريا وايديولوجيا يعتمدون بالمقام الاول والاخير على قراءة معمقة لتجربتنا المغرقة في المثالية في التعامل مع شبابنا وتربيتهم اجتماعيا وفكريا وسياسيا وثقافيا، فهؤلاء السارقون يدركون بشكل كبير آليات تعاملنا الفكري مع ابنائنا وأن عقولهم انما تمثل مستودعا كبيرا لنظريات مثالية غير معرضة للتجربة واكتشاف الخطأ لذلك يسهل تضليلهم بذات الحقائق المثالية التي علمناهم اياها. في قضايا فكرية اخرى نجد ابناءنا هدفًا دائمًا للتوجهات الاعلامية والفكرية الراغبة في تضليلهم سياسيا او ثقافيا او حتى عقديا، وذلك لأنهم يسهل اصطيادهم فهم نوع من السمك البشري الذي يسبح دائما على السطح المجتمعي ولم يجرب يوما الغوص الى الأعماق لاكتشاف الخطأ والصواب. في الحقيقة اننا امام تجربة قاسية في اعادة تربية ابنائنا الذين نعترف نحن عبر تصريحاتنا وخطاباتنا بأنهم يتعرضون للتضليل ويسهل التأثير على مساراتهم الفكرية عبر عمليات غسيل دماغي سهلة وبدائية في معظمها، لان المقاومة الفكرية في عقول فئات من شبابنا ضعيفة وهشة كنتيجة طبيعية لمثاليتها وفرضها الصواب دائما في اتجاه واحد، لذلك يسهل اقتيادها الى أي اتجاه آخر بمجرد المناقشة البسيطة والساذجة حول الواقع. في مثال صارخ يشرح تلك الفكرة التي اطرحها هنا تأتي فكرة الجنس كمحفز رئيسي لجر الشباب نحو مسارح القتال عبر الوعود لمجرد القيام بعملية تفجير او قتال، ولكي ندرك حقيقة المثالية التي اتحدث عنها في صياغة افكار شبابنا لابد من التذكير أن الحديث عن الجنس وتربيته في مجتمعاتنا يعتبر من المحرمات، ولذلك يربي الشباب انفسهم ويتعلمون ذاتيا الافكار حول الجنس ويحرم عليهم تلقي أي تعليم او تربية في هذا الجانب، وهذا ما يجعلهم عرضة لارتكاب الكثير من الاخطاء ولعل من اهمها الانجرار حول فكرة الجهاد من اجل تحقيق الهدف بشكل سريع. المتابع للخطب والمشاهد التي يسجلها الجهاديون من مجتمعنا وغيرهم يجدها تخلو من القيم الايمانية والعقدية وتركز بشكل مباشر على افكار غريزية تداعب مشاعر عاطفية بشكل مباشر، وهنا يجب العودة الى مكمن الخطأ فالخطاب المجتمعي يعاني وبدون شك من ازمة تربوية بين الفرد وغرائزه، حيث لم يستطع ذلك الخطاب إدراج الغرائز والتعامل معها ضمن خطابه التربوي ولكنه اكتفى بضخ الاجابات الصارمة والمطلقة فقط "يجوز ولا يجوز" دون شرح لفهم لماذا وكيف..؟ المبادئ مهما كانت إذا فسدت فهي تحوّل أصلح البشر الى فكرة سيئة وعلى الجانب الآخر إذا صلحت المبادئ فإنها تبقى أفسد البشر في حالة التزام مجتمعي يصعب مخالفتها، هذه الفكرة اقتبسها من فكرة "لمنتسيكوا" حول المبادئ والقوانين لكي اشرح هذه القضية فنحن بحاجة الى مبادئ صارمة تعززها قوانين صالحة لوضع شبابنا على مسار التنمية ودمجه في المجتمع وإشغاله بوطنه وتطوره وحمايته بالاندماج الوطني من كل المؤثرات الخارجية. الشباب المتطرف في الجانب الايديولوجي والذي يمارس التدين بشكل متشدد: يطالب بجهاد وحروب واقامة منهجيات تاريخية وفكرية، وعلى الجانب الآخر الشباب المتطرف في الجانب الانفتاحي المفرط: يمارس الحداثة بشكلها الغربي الكامل ويطالب بأفكار وآليات سياسية واجتماعية، وفي كلتا الحالتين نستطيع أن نثبت أن هؤلاء الشباب يشكلون منتجات لعقول وأفكار تمت سرقتها من خزائن وطننا التاريخية ليس لسبب كبير سوى أننا فشلنا في تربيته (فكريا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا) وفشلنا في تحويل الشباب الى أداة فاعلة لصالح المجتمع وليس ضده.
مشاركة :