بعد نهاية المباراة التي شهدت العودة التاريخية لبرشلونة أمام باريس سان جيرمان في دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا، قفز نجم برشلونة على لوحة الإعلانات في الجزء الشمالي من ملعب «كامب نو»، والتف المشجعون من حوله غير مصدقين تماما ما حدث. في البداية، كان اللاعب يتأرجح قليلا لكن الجمهور ساعده على الوقوف بثبات، وظل واقفا في مستوى أعلى منهم وهو يشير بقبضة يده في سعادة غامرة. ومن أسفل، وجه مصور اللقاء، سانتياغو غارسيس، الكاميرا تجاه اللاعب والتقط له صورة حازت خلال يومين 70 مليون مشاهدة، وأصبحت أكثر الصور المتداولة عن تلك «الريمونتادا» (العودة التاريخية لبرشلونة أمام فريق سان جيرمان في إياب دوري الأبطال بفوزه بنتيجة 6 - 1 بعد تأخره 4 - صفر في الذهاب) وأكثر صورة يتم تداولها في تاريخ النادي الإسباني العريق. وقال غارسيس: «يقول الناس إن هذه هي أفضل صورة التقطت لليونيل ميسي».تمهلوا قليلا، هل قال حقا ليونيل ميسي! كيف يحدث ذلك واللاعب الأرجنتيني لم يكن النجم الأبرز في تلك العودة التاريخية التي شهدت تسجيل برشلونة ثلاثة أهداف خلال سبع دقائق و17 ثانية فقط؟ لقد كان نيمار، وليس ميسي، هو العامل المشترك في تلك الأهداف الثلاثة، حيث أحرز هدفا رائعا من ركلة حرة مباشرة، وحصل على ركلة جزاء سددها بنفسه بنجاح قبل أن يمرر كرة الهدف القاتل لسيرغيو روبرتو في الوقت القاتل من عمر اللقاء، وكان هذا هو الهدف الثامن الذي يصنعه نيمار في تلك النسخة من دوري أبطال أوروبا، ليتصدر قائمة أكثر اللاعبين صناعة للأهداف من اللعب المفتوح. لقد تألق نيمار في تلك المباراة بشكل لافت، وتحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة، وكان دائم الحركة داخل المستطيل الأخضر، وأمتع عشاق الساحرة المستديرة بلمحاته الفنية الجميلة. وعقب انتهاء المباراة، قال نجم المنتخب البرازيلي: «هذه هي أفضل مباراة لعبتها في تاريخي». ورغم كل ذلك، فإن الصورة الأبرز لهذا الحدث التاريخي كانت من نصيب ميسي!في الحقيقة، يرى كثيرون أن سبب رحيل نيمار عن برشلونة هو رغبته في أن يكون هو اللاعب الأبرز في الفريق الذي يلعب له، لكن هناك أيضا الأموال، حيث سيصبح نيمار اللاعب الأعلى أجرا في العالم، وسيحصل على ضعف ما كان يحصل عليه في برشلونة، علاوة على أن والده سيصبح أكثر ثراء، حيث سيحصل على 36 مليون يورو عمولة في الصفقة، لكي تضاف إلى نحو 100 مليون جنيه إسترليني حصل عليها من برشلونة، وسيكون من السذاجة تجاهل هذا العامل الأساسي في رحيل نيمار عن «كامب نو»؛ لكن الشيء المؤكد هو أن وضع اللاعب لا يقاس دائما بالأموال، ولذا يرى كثيرون أن السبب الأبرز هو هروب اللاعب من «ظل ميسي» الذي يطغى على كل شيء في برشلونة، بما في ذلك نيمار.هذه هي إذن النظرية المطروحة بقوة هذه الأيام، والتي ترى أن نيمار يريد أن يصبح النجم الأبرز في الفريق الذي يلعب له، وبات بإمكانه الآن بعد الرحيل إلى باريس سان جيرمان أن يلعب في المكان الذي يريده ويتحرك بالشكل الذي يريده، ولا يضطر لتغيير طريقة لعبه كي تناسب الآخرين.ولو ظل نيمار في برشلونة لم يكن ليستطيع أن يفعل ذلك، ولم يكن ليحصل على لقب أفضل لاعب في العالم، لكنه سيكون قادرا الآن على تحقيق النجاح في ملعب «حديقة الأمراء»، وأن يكون هو النجم الأبرز والمهيمن والمسيطر على كل شيء في باريس سان جيرمان، وسيتعاقد النادي مع اللاعبين الذين يخدمون نيمار ويساعدونه وليس العكس، إضافة إلى أنه سيلعب إلى جانب مواطنيه وأصدقائه؛ لأن النادي الباريسي يضم عددا كبيرا من اللاعبين البرازيليين.وفي هذا الإطار، سيعيد البعض تقييمهم لتعاقد باريس سان جيرمان مع المدافع البرازيلي داني ألفيش، وسيتعاملون معه على أنه اللاعب الذي أقنع نيمار بالرحيل لفرنسا. وبالتالي، كانت هذه هي نظرة نيمار وآخرين للدور الذي قام به اللاعب البرازيلي في برشلونة خلال السنوات القليلة الماضية. وللوهلة الأولى، لا تشوب هذه النظرية أي شائبة، فقد شكل نيمار مع ميسي وسواريز مثلثا هجوميا مرعبا يرى كثيرون أنه الأقوى في العالم، بل ذهب البعض لوصفه بأنه أقوى خط هجومي في تاريخ الساحرة المستديرة بالكامل. وصرح نيمار فور انضمامه لبرشلونة بأنه انضم للنادي الكتالوني من أجل أن يلعب إلى جانب ميسي، ودعونا نتفق على أنه حتى لو لم يكن نيمار هو الأبرز في برشلونة، فإنه استفاد كثيرا من اللعب بجوار ميسي، وقدم اللاعبان سويا كرة قدم جماعية جميلة، وحققا كثيرا من الإنجازات، وفاز نيمار في أول موسم له في «كامب نو» بالثلاثية، ثم الثنائية في الموسم التالي.ورغم أن كثيرين يرون أن حصول برشلونة على لقب الكأس المحلي فقط الموسم الماضي يعد بمثابة فشل ذريع للعملاق الكتالوني، فإن هذا شيء طبيعي في عالم كرة القدم. وكان كثيرون يرون أن علاقة الصداقة الحميمية بين اللاعبين الثلاثة هي السبب الرئيسي وراء هذه النجاحات، حتى وإن كان البعض يبالغ بعض الشيء في وصف هذه العلاقة. وكانت العلاقة الأبرز بالطبع تجمع بين سواريز وميسي. وحتى عندما ظهرت للسطح تقارير تشير إلى تفكير نيمار في الرحيل عن النادي، جلس سواريز وميسي معه وحاولا إقناعه بالبقاء، وهو الشيء الذي نادرا ما نراه في أندية أخرى، بل على العكس نرى نوعا من الغيرة من اللاعبين البارزين، خاصة إذا كانوا بحجم لاعب مثل نيمار.وداخل الملعب، فإن الحديث عن أن نيمار وباقي لاعبي برشلونة قد غيروا طريقة لعبهم لكي تخدم ميسي، ليس صحيحا تماما، بل على العكس فإن الشيء الصحيح هو أن ميسي هو من تحول من مهاجم إلى اللعب على الطرف الأيمن من الملعب قبل أن يتأخر إلى عمق الملعب، لكي يلعب في الوسط ويوزع تمريراته السحرية لنيمار وسواريز، اللذين كانا يستفيدان كثيرا من لمحاته الفنية الكبيرة، وهي الطريقة التي بدا أنها ستنفذ بصورة أعمق وأكبر خلال الاستعدادات للموسم الجديد، بحيث كان من المقرر أن يصبح نيمار أكثر قربا من سواريز في الخط الأمامي.وإذا نظرنا إلى عدد التمريرات القاتلة التي مررها ميسي لنيمار، بغض النظر عما إذا كانت قد انتهت بأهداف أم لا، فسوف نعرف على الفور أن نيمار لن يكون أفضل من دون ميسي. ومع ذلك، يجب أن نشير أيضا إلى أن اشتراك نيمار في مركز الجناح الأيسر مع برشلونة لا يمنحه الحرية التي يلعب بها مع منتخب البرازيل. ويجب أن نشير إلى أن أفضل فترات نيمار في برشلونة كانت خلال الفترة التي غاب فيها ميسي عن الفريق بداعي الإصابة.ومن الناحية النفسية، من المفهوم تماما رغبة نيمار في أن يكون في المقدمة، وأن يكون هو الأبرز حتى لو كان ذلك ضمن فريق جماعي، لكن هناك عيب واحد في ذلك، وهو أن ميسي ما زال موجودا، بل سيزداد الأمر سوءا؛ لأنه سيصبح منافسا قويا وخصما عنيدا لنيمار.وإضافة إلى ذلك، كان من الممكن أن يصل نيمار للمكانة التي يريدها وهو في إسبانيا أيضا، حيث حل اللاعب في المركز الثاني في قائمة أفضل اللاعبين في العالم، في العام الذي حصل فيه ميسي على جائزة الأفضل في العالم. وبدا أن اللاعب قد وضع قدمه على الطريق الصحيح وأن هذا ليس نهاية المطاف، وكان لا يزال أمامه متسع من الوقت لتحقيق أهدافه، فهو لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره، بينما وصل ميسي وسواريز إلى الثلاثين. وربما كان نيمار في عجلة من أمره لتحقيق هدفه بأن يكون اللاعب الأبرز في عالم كرة القدم.وخلال الموسم الماضي، جدد برشلونة تعاقده مع نيمار حتى عام 2021، وقال اللاعب إنه سعيد بالبقاء في برشلونة؛ لكن باريس سان جيرمان قرر الدخول في مفاوضات مع اللاعب مرة أخرى ودفع قيمة الشرط الجزائي الموجود في عقده، الذي يصل إلى 222 مليون يورو. وكان يمكن للنادي الفرنسي، الذي لا يثق كثيرون في مجلس إدارته، استثمار هذا المبلغ الكبير في شيء آخر، لكن كما قال مدافع برشلونة عن نيمار: «لا يوجد لاعب مثله في سوق انتقالات اللاعبين».وكان التأثير السياسي هائلا أيضا، ويكفي أن نعرف أن صفقة انضمام نيمار لبرشلونة قادما من سانتوس البرازيلي، قد أجبرت رئيس برشلونة السابق ساندرو روسيل على الاستقالة من منصبه بشكل لم يكن يتصوره على الإطلاق، بل وحُكم عليه بالسجن بسبب هذه الصفقة. وإضافة إلى ذلك، فإن رحيل نيمار عن النادي الكتالوني سوف يضعف موقف نائب روسيل وخليفته، جوزيب ماريا بارتوميو، أيضا.ورغم أن هناك من ينتقد نيمار، فإن الشيء المؤكد هو أن رحيل اللاعب سوف يؤثر على مستوى الفريق، لا سيما أن النادي لم يكن يفكر في التخلي عن خدمات اللاعب، ولم يكن يبحث له عن بديل. لكن الشيء المؤكد أيضا هو أن برشلونة سوف يستمر، ومن يعرف، فربما يظهر أقوى من دون اللاعب البرازيلي. لكن برشلونة يعرف أن نيمار لاعب كبير، وهو ما يعرفه ميسي أيضا، لدرجة أن تجديد عقدي نيمار وسواريز كان يعد بمثابة ورقة للضغط على ميسي من أجل تجديد تعاقده مع النادي. وكان ميسي يريد قبل تجديد عقده أن يضمن أن النادي سيدعم صفوفه بقوة وسيحافظ على الخط الهجومي، الذي يعد الأقوى في تاريخ النادي. وفي بداية الصيف الجاري، جدد ميسي تعاقده للاستمرار مع برشلونة حتى عامه الرابع والثلاثين، وسيكون عندها نيمار في التاسعة والعشرين من عمره. وعقب نجاح باريس سان جيرمان في إتمام الصفقة، سُئل نيمار عن مستقبل ميسي مع برشلونة، فرد قائلا: «لا تقلقوا. أنا متأكد من أن ميسي سوف يبقى».لقد وضع برشلونة شرطا جزائيا في عقد نيمار بقيمة 222 مليون يورو، اعتقادا منه بأنه لا يوجد ناد قادر على دفع هذا المبلغ، وبالتالي سوف يحتفظ بخدمات لاعبه البرازيلي، لكن باريس سان جيرمان خيب آمال الفريق الكتالوني، وقرر دفع الشرط الجزائي وكسر الرقم القياسي لأغلى لاعب في العالم بنحو الضعف، لكن من يعرف فربما يتضح عقب انتهاء الصفقة أن هذا المبلغ ليس كبيرا في لاعب مثل نيمار، في ضوء الأسعار الخرافية التي نسمع عنها في سوق انتقالات اللاعبين. لقد وضع برشلونة هذا الشرط الجزائي الكبير حتى يكون بمثابة رادع للأندية التي تحاول إغراء نيمار، لكن يبدو أن ذلك قد شجع النادي الفرنسي على الدخول في الصفقة. وعندما بدأت التقارير تظهر عن وجود مفاوضات بين اللاعب وباريس سان جيرمان، كان الأمر يبدو غير ممكن، لكن برشلونة ترك الباب مواربا!ولذلك، بدأت الأحداث تتوالى بسرعة، وأصبح نيمار حديث الجميع في فترة الانتقالات الصيفية، دون أن يخرج برشلونة لتوضيح ما يحدث، ولذا شعر نيمار بالمرارة وبأنه في طي النسيان، ولذا قرر، مدفوعا بوالده، السير في طريق الرحيل وعدم العودة مرة أخرى. يرى بعض جمهور برشلونة أن اللاعب قد خان النادي وأصابه بالإحباط، في الوقت الذي يتساءل فيه آخرون عن كيف حدث ذلك ومن المسؤول عما حدث؟.وفي 19 يوليو (تموز) الماضي، قال بارتوميو: «نحن نشعر بالراحة تجاه موقف نيمار». في الحقيقة، كان الأمر يبدو غير قابل للتصديق، لكن في ذلك الوقت بدأ مسؤولو برشلونة يشعرون بأن التهديد بات حقيقيا، فخرج المدير الفني لبرشلونة إرنستو فالفيردي ليصف نيمار بأنه لاعب «ضروري». إنه لاعب صاحب موهبة فريدة من نوعها، وسيكون له تأثير كبير على أداء ونتائج باريس سان جيرمان، بغض النظر عما إذا كان نيمار مصيبا أو مخطئا في قراره بالرحيل إلى الدوري الفرنسي الممتاز.وقال بيكيه: «إنه يستطيع الذهاب إلى أي ناد في العالم، لكن السؤال هو: ماذا يريد؟ هل يريد مزيدا من الأموال أم مزيدا من البطولات والألقاب؟ أتفهم رغبته في أن يكون القائد، لكن ليس لمشروع رياضي. مع كامل احترامي له، إنه يراهن على شيء واحد فقط، وهو دوري أبطال أوروبا». وقبل ذلك بأيام قليلة، نشر بيكيه صورة تجمعه بنيمار وكتب تحتها: «سوف يبقى»، واعتقد الجميع بأن الأمر غير قابل للحدوث، وأن اللاعب البرازيلي سوف يستمر مع برشلونة. لكن بعد ثلاثة أيام، كانت الأمور تتطور بسرعة كبيرة، وكان نيمار يفكر جديا في الرحيل، ثم تحول الأمر إلى حقيقة. واعترف بيكيه أنه عندما قال إن «نيمار سيبقى» كان يعرب عن أمنيته الشخصية، لكن ليس ما يعرفه، مشيرا إلى أنه كان يعتقد بأن مثل هذا الحديث سوف يساعد اللاعب على البقاء. وقال بيكيه: «إنه لا يعرف ما سيفعله، وسوف نساعده على اتخاذ القرار الصحيح». لكن نيمار قد اتخذ قراره بالفعل، وقرر الرحيل عن برشلونة، بغض النظر عما إذا كان هذا القرار صحيحا أم لا.
مشاركة :