«أنا خادم لكم، بل وأقل من خادم» يحفظ الشعب السعودي عن ظهر قلب هذه الكلمات البليغة التي قالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله، وكررها غير مرة، وحض المسئولين بمختلف مستوياتهم للعمل بها وتحويلها واقعاً ملموساً لا شعاراً براقاً، طالباً منهم فتح الأبواب والاستماع للمواطن وتقديم الخدمة له بشكل لائق ومحترم. والتزاماً بهذا المنهج، قدم رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز أنموذجاً عملياً لما يجب أن يكون عليه المسئول، وخلال أقل من شهر قدم أربع مبادرات فريدة، ظهرت بشكل واضح على الساحة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، هذه المبادرات الخلاقة وغير المسبوقة تعكس النضج في الفهم والوعي بالمسئولية والإيمان العميق بالأمانة التي يجب أن يستشعرها كل مسئول. قبل الحديث عن المبادرات الأربع، التي هي في واقع الأمر رسائل بليغة، استطاع سلطان بن سلمان وفريق عمله إحداث اختراق في مجال السياحة في بلد صحراوي، أو من حيث العناية بالتراث الوطني والحفاظ عليه في وقت كان ينظر للآثار على أنها «من الجاهلية الأولى». المشهد الأول يتمثل في إصرار سلطان بن سلمان على أن يحجز لوطننا مكانةً مرموقة على المستوى الدولي ولعل تسجيل جدة التاريخية التي احتفل بها الوطن قبل أيام، وقبلها الدرعية قلب الدولة السعودية الأولى، ومدائن صالح خير شاهد على أن التحرك المدروس والمخطط له بعناية يحقق النجاح في المؤسسات الدولية التي تتمتع بقوة وتاريخ ومسئولية، فالعمل الاحترافي لا بد وأن يقابل بتقدير عالمي ولعل اعتراف منظمة دولية بحجم اليونسكو بمتانة جدة التاريخية خير دليل على أن طريقة تقديم الملف كانت مدروسة ومحسوبة الخطوات. بينما المشهد الثاني عندما رأينا صورة سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة وهو يلعب كرة طائرة مع مجموعة من الشباب في غابة رغدان في قلب منطقة الباحة، لم يكتف الأمير بذلك بل حملت لنا أفلام الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي التقطها هؤلاء الشباب صورته وصوته وهو يتوسط المتنزهين بمفرده وينصت لهم، بل ويأمل منهم أن ينتقدوا هيئة السياحة لكي يستطيع وفريق عمله أن يصححوا مسارهم، هذه العبارات لا تصدر إلا من مسئول على درجة عالية من النضج والوعي والثقة بالنفس، والجميع يعلم أن هناك عددا غير قليل من المسئولين لا يتحركون من مكاتبهم ولا يتفقدون أحوال من أنشئت من أجلهم الوزارة وعين هذا المسئول. وفي مكان غير بعيد وتحديداً وسط أبها، كان المشهد الثالث، فبينما عشرات المسئولين يغطون في نوم عميق مع ساعات الصباح الأولى، تحرك سلطان بن سلمان فجراً وباغت شققاً فندقية ومفروشة ووقف على الخدمات المقدمة وتأكد من جودة الخدمة التي تقدم للسياح، والتقى النزلاء الذين كانوا يسكنون في هذه الوحدات السكنية واستمع لهم بإنصات، وقد كشفت الجولة عن وجود مجهولين يديرون هذه الوحدات فقام على الفور بإغلاقها. وقبل ثلاثة أيام، حدث المشهد الرابع، فبينما الجميع منشغل بروحانيات الشهر الكريم والاستمتاع بليالي شهر رمضان المبارك، فوجئ زوار جدة التاريخية بسلطان بن سلمان يتنقل بينهم ويسأل الناس عن رأيهم في مستوى الخدمات المقدمة لهم، قام بهذا العمل خارج ساعات العمل الرسمية، ففترة المساء حق لكل مسئول أن يستمتع بها، لكنه فضل أن يترك الراحة ليعمل على راحة من ائتمنته القيادة عليهم. إن المشاهد الأربعة أعلاه ليس الهدف منها تمجيد موقف رئيس هيئة السياحة أو الانتقاص من قدر وأداء الوزراء، لكن واقع الحال يؤكد أن هناك من المسئولين من لم يلتقوا المواطنين بعد في الأماكن العامة، كما أن هذا لا يعني أن أداء هيئة السياحة حقق كل ما يتطلع له المواطن والمقيم فالطريق لا يزال طويلاً أمامهم لكي تتحول المملكة من كعكة تتنافس عليه الدول الفاتنة سياحياً إلى بلد جاذب للسياح بفعل ما يتوفر فيه وعلى أرضه من خدمات، لكن الهدف الأسمى من هذا الرصد السريع لأداء مسئول واحد هو أن يعرف صناع القرار من الوزراء ومديري العموم ورؤساء الهيئات في وطننا الكريم أن المكاتب الفارهة، والأجواء المكيفة، والاستمتاع بعليل الهواء لن ينقل صورة دقيقة عن مجريات الواقع وما يجري على الطبيعة ولا يمكن أن يعطي مؤشراً لحجم رضى الناس مما يقدم من خدمات، والحل الأمثل هو في الشواهد الأربعة عمل احترافي متعوب عليه، ولقاءات مباشرة مع الناس بمختلف اهتماماتهم وتطلعاتهم، وحضهم على تقديم النقد البناء لتصويب المسار، بهكذا نحقق لوطننا الرفعة، وللمواطنين الراحة والخدمة المثلى. إن الاستشهاد بأداء رئيس هيئة السياحة خلال فصل الصيف لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجود وزراء ومسئولين فاعلين، فهذا وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة يبذل جهداً يذكر ، ونتمنى أن يخرج المسئول من مكتبه وأن لا يكتفي بما يرده من تقارير مكتوبة فصوت الناس ، وأنينهم، وأمانيهم هي أصدق من مئات المجلدات وملايين الصفحات في التقارير.
مشاركة :