الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى، ذلك الذي نذر نفسه بشهادة كل من يعرفه ومن لايعرفه لخدمة الإسلام المعتدل والوسطي، أذكر أنني سألته سؤالا حينما استضافنا سموه في لقاء مسجل في الوزارة قبل سنوات في مكتبه، وقلت: سيدي الكريم، في هذه الأيام نلحظ أن الجماعات الإرهابية وغيرها اختطفت وشوهت بعض المصطلحات الشرعية التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، ومن أهمها: السلفية والوهابية والوطنية المفترى عليها من الحركيين، فالأول وصفوا به تنظيماتهم كما في كتاب إدارة التوحش استراتيجية القاعدة التي عرفوها بأنها سلفية جهادية لكي يغروا الأحداث والرعاع والدهماء بمشروعهم وأنه يستند على أسس أهل السنة والجماعة، وأما الوهابية فنلمس تشويها وافتراء وحربا ضروسا، وفي ذلك إساءة لهذه الدولة المباركة ومحاربة لأئمة الدعوة الذين يمثلون منهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، فهم يقفون حاجزا أمام أي مشروع يسلخ هذه الدولة من رحمها الإسلامي، وأما الوطنية فلاتزال المناهج والمحاضرات والمؤلفات تشيطنه لأن تأصيله في نفوس الشباب يحيل بينهم وبين خيانة الدولة، فماذا عملت الدولة ممثلة بوزارة الداخلية للحفاظ على مصطلحاتنا الشرعية من التشويه والاختطاف؟ ولازلت أذكر أنه على قدره ومنزلته رحمه الله أجاب بما يؤكد وضوح الاستراتيجية في ذهن سموه رحمه الله وتحدث عن دور الوزارت الأخرى والجامعات والمدارس والمساجد والهيئات ومراكز الدعوة وغير ذلك ممن هو معني مباشرة بتلك المصطلحات وتطبيقاتها... لاأدري لماذا تذكرت ذلك اللقاء بعد كل تلك السنوات وأنا أقف اليوم على تعريف القاعدة بأنها سلفية جهادية وجماعة بوكو حرام سلفية جهادية وأخيرا تنظيم داعش سلفية جهادية وغيرها من الحركات والتنظيمات التي تدّعي السلفية، وهي منهم براء، قال سماحة العلامة ابن باز :» السلفية نسبة إلى السلف والسلف هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى -رضي الله عنهم- الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير في قوله: {خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته} رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري ومسلم . والسلفيون جمع سلفي نسبة إلى السلف، وقد تقدم معناه وهم الذين ساروا على منهاج السلف من اتباع الكتاب والسنة والدعوة إليهما والعمل بهما، فكانوا بذلك أهل السنة والجماعة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم». إن تلك الجماعات المتمردة التي تدعي السلفية وتستبيح الجهاد الشرعي باسم الثورات والمغامرات التي حذر منها الشرع كل يوم تتكشف لنا عن عواركبير وقلة فقه وأحداث ومغامرين، ولاأدل على ذلك من إعلان داعش الخلافة في الموصل على يد رجل مجهول الحال، ويطلب من المسلمين الهجرة لمنطقة محترقة جهلا وتزويرا ومغامرة، يسبي المسلمات، ويقتل المسلمين، ويستبيح الدماء، وفعل مالم تفعله القرامطة في الأمة الإسلامية، ولتزيد داعش والنصرة والقاعدة والتنظيمات من نار الفتن وتدخل الأمة في أزمات ونوازل وملاحم تحت مسمى الإسلام السياسي، ولي وقفات شرعية أمام هذا الإعلان غير الشرعي: 1- الخلافة مصطلح مقدس عند كل المسلمين لأنه يذكرهم بالعهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين الذين لن يبلغ منزلتهم أحد فهم أفضل الأمة نقلا وعقلا، ولن تكون خلافة على منهج النبوة إلا بشروطها، والخلافة التي على منهاج النبوة لاتطلب، ومن يطلبها فهو ليس خليفة، ولذلك تمت مبايعة سيدنا أبي بكر دون تخطيط، وكذلك سيدنا عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ولم يعلموا بها إلا في يوم البيعة وكانوا كارهين وخائفين من تحمل مسؤوليتها، وحينما طلبها سيدنا الحسين لم يعطها ولم ينلها لأنه سيد شباب الجنة ولايليق به أن يطلب الرئاسة ولو حصلها فلن يكون خليفة راشدا ولايليق به إلا ذاك، فلذلك جرى عليه القدر وذهب بعض أهل العلم إلى أن سبب أن المهدي من سلالة سيدنا الحسن تركه لها وتنازله عن طلبها فكانت لسيدنا معاوية رضي الله عنه ولم تعده الأمة خليفة راشدا لأنه طلبها مع أنه قد قام بها حق القيام، ولذلك لايجوز للحركيين اليوم أن يستدلوا بطلب السلطة والثورة بفعل الحسين لأن الله لم يمكن له ولم يرتض له هذا الحرص لمنزلة قد أعدها الله له في الجنة والله أعلم. وأما الخلافة التي على منهج النبوة فقد أخبر المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أنها ترفع بعد وفاته بنصوص صحيحة والحسن والحسين سيدا شباب الجنة ليسا فيها فجرى القدر والله أعلم، وفي حديث سفينة -رضي الله عنه- تحديد لزمن الخلافة الراشدة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء»، قال سفينة: أَمست خلافة أبي بكر -رضي الله عنه-سنتين، وخلافة عمر -رضي الله عنه-عشر سنين، وخلافة عثمان -رضي الله عنه-اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي -رضي الله عنه-ست سنين... والذي يفهم من كلام ابن تيمية أن الملك جائز بشرط العدل وتحقيق الشرع، وهو موجود في الأنبياء كسليمان، وقد أقرمظاهره الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بسكوته عن حجة سيدنا معاوية في الشام للحفاظ على هيبة الدولة وشوكة الأمة، ولكن الخلافة التي على منهاج النبوة أفضل حينما تحدث بحديث طويل عن الخلافة والملك في مجموع الفتاوى، بشرط أن يتحقق فيه العدل والرحمة وتحكيم الشرع وخدمة الإسلام، فعن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن الخطاب سأل أصحابه وفيهم طلحة وسلمان والزبير وكعب فقال: إني سائلكم عن شيء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم، أنشدكم بالله! أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة والزبير: إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه، ما ندري ما الخليفة من الملك، فقال سلمان يشهد بلحمه ودمه: إنك خليفة ولست بملك، فقال عمر إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سلمان: وذلك أنك تعدل في الرعية وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري ولكن الله ملأ سلمان حكماً وعلماً. وقال القاضي الماوردي في «الأحكام السلطانية: «إن الخلفاء الراشدين كانوا لا يرون الخلافة إلا لإحياء الدين ولا الإمارة إلا لصالح المسلمين. وكانوا أهل رأفة بالمؤمنين. سيرتُهم العدلُ، وقولهم الفصل. وقضاؤهم الحق.وكلامهم الصدقُ. وقد لبسوا المُسوح والصوف. وجردوا السيوف، يضربون بها وجوه الكفار. وأخذوا السياط، يقمعون بها رؤوس الفُجّار. حتى فتحوا الفتوح، وهزموا الجيوش، وقهروا الجبابرة، وقتلوا الفراعنة. وأظهروا نور الحق في الغرب والشرق. ظاهرهم الخشوع، وباطنهم الخضوع لله. وبغيتهم الآخرة، والاستخفاف بالدنيا. جعلوها تحت أقدامهم، إذ عرفوها حق معرفتها. ووضعوها في منـزلتها». 2- الخلافة المقصودة بالحديث لاتطلب ولن يوفق طالبها ولن يعان عليها ولن تقبل من مغامرومجهول كخليفة داعش، ولا يحق للأحزاب كحزب التحرير والإخوان المسلمين طلبها لأن الخلافة على منهاج النبوة اختيار الأمة ومبايعة أهل الحل العقد فيها، وهذه الأحزاب السياسية التي تلهب بها عواطف المسلمين أبعد ماتكون عن شروطها ولن توفق لها، ولذلك كان إطلاق الأمويين والعباسيين والعثمانيين على أنفسهم خلفاء فيه نظر، وبخاصة أن العثمانيين يفتقدون لشرط القرشية المجمع عليه عند أهل السنة والجماعة مما يدل على جهل المسلمين الذين ينادون بعودتها وإطلاقها على من لايستحقها. فلايأتي مغامر أوخارجي أوقرمطي بحجة إقامة الخلافة فيدخل الأمة في حروب وقتال وشر مستطير لأن الخلافة على منهاج النبوة التي أخبرعنها المصطفى بحديث حسنه الألباني واختلف فيه العلماء أنها في آخر الزمان لا يكون فيها تقاتل على الملك ونزاع على ذلك بين المسلمين ولاطالب لها من ثمة فهي تخص المهدي بإذن الله وهو مقيم هذه الخلافة ولن تجتمع الأمة على غيره. إذ روى الإمام أحمد في مسنده بحديث حسنه الألباني عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ:» كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ فَقَالَ يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ» وهذا الحديث الذي قيل فيه ماقيل إن ثبفلعل المراد من الخلافة الراشدة إلى خلافة المهدي الذي يخرج في آخر الزمان وهو الذي ختم به المصطفى، إذ أخرج نعيم عن صباح قال:» لا خلافة بعد حمل بني أمية حتى يخرج المهدي» (ذكره السيوطي في العرف الوردي)،والمهدي لم يكن طالبا للخلافة فثبت بالنصوص أنه كان يهرب منها ولما تفرض عليه يحقن الدماء وليس كما يفعل خليفة داعش الذي يقول وليت عليكم ولايعلم أحد من ولاه ومن أجبره عليها ومنهم أهل الحل والعقد عنده فكلهم مجاهيل في مجاهيل، وأي خليفة يقتل ويسفك ويسبي أهل الإسلام فشتان بين الثريا والثرى.. 3- إذا ثبت أن الخلافة على منهج النبوة لاتكون إلا في آخر الزمان فكل من يعلن الخلافة بالحروب والاغتصاب وجبر الناس ليس المقصود بماورد في الحديث فليست له شرعية وإن اختطف لقب الخلافة فلاعبرة بالمصطلح إن كان الأداء لايصدق عليه، فقد يكون ملك صالح أفضل من مسمى خليفة فاسق، لأن العلماء ذكروا أن الخليفة يشترط فيه العدل ابتداء فإن تم تنصيبه وتبدلت حاله وأصبح فاسقا فلا يحق الخروج عليه، وهذا يؤكد وجود من يتسمى بالخليفة وهو غير عدل ولاثقة والدليل على ذلك واقع دولتنا وأئمتنا وولاة أمرنا حفظهم الله وهي مملكة وهم ملوكها، قال فضيلة الشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن رحمه الله:» وتأسيس هذه المملكة السلفية العظمى التي بها علا دين الإسلام ونصر، وقضي بها على البدع والخرافات، وعبادة الأوثان، والتمسح بحجر الأولياء والصالحين، وناهيك بهذه النهضة التي قام بها، فلو أنها توفرت في زمن الأمويين والعباسيين للهجت بها الألسن وملئت بها التواريخ «، وقال سماحة الشيخ ابن باز :» ووجود دولة تؤمن بهذه الدعوة وتطبق أحكامها تطبيقا صافيا نقيا في جميع أحوال الناس في العقائد والأحكام والعادات والحدود والاقتصاد وغير ذلك مما جعل بعض المؤرخين لهذه الدعوة يقول: إن التاريخ الإسلامي بعد عهد الرسالة والراشدين لم يشهد التزاما تاما بأحكام الإسلام كما شهدته الجزيرة العربية في ظل الدولة السعودية التي أيدت هذه الدعوة ودافعت عنها»، وغير ذلك كثيرمن أقوال العلماء من أصحاب السماحة وأهل العلم والفضل والديانة ....... 4- هذا لايعني أن لقب الملك أو أي لقب آخركالسلطان والحاكم غير شرعي، بل العبرة بالأداء وتحقيق العدالة ومراقبة الله في المسلمين، والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر في الصحيح أن الخلافة على منهج النبوة بعده بثلاثين سنة، ثم ملك يؤتيه الله من يشاء ولم يحدده، وقال سماحة العلامة ابن باز تعقيبا على محاضرة للعلامة عبد المحسن العباد بعد انتهاء المحاضر من إلقاء محاضرته «عقيدة أهل السنة والأثر..»:»أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث: (لا يزال أمر هذه الأمة قائما ما ولي عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) أن مراده من ذلك: الخلفاء الأربعة، ومعاوية رضي الله عنهم، وابنه يزيد، ثم عبد الملك بن مروان، وأولاده الأربعة، وعمر بن عبد العزيز، فهؤلاء اثنا عشر خليفة». ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم زكى حكم بني أمية وهم أول ملوك الإسلام كما يظهر أن مراد الملك الجبري والعضوض ليس كما نفهمه إذ نص على أن هؤلاء الأمويين خلفاء ولم يقل ملوكا. 5- الخلافة والملك متشابهان وليست هناك فضل للخلافة إن لم تكن على منهج النبوة التي فصل العلماء فيها، فالعبرة بالأداء وليس بمسمى المصطلح الحديث، والدليل على ذلك ما روي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ثم ذكر شيئاً لم أحفظه فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي» رواه ابن ماجه والحاكم وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: هذا إسناد قوي صحيح. وهذا الحديث يروى ليدل على علامات شدة قرب ظهور المهدي وفيه اقتتال يحدث في الحجاز عند الكعبة بين أبناء خلفاء (بمعنى ملوك هنا و ليس من كونهم خلفاء على منهاج النبوة او راشدين فلم يرد ما يدل على ذلك، و الخليفة لغة من يخلف غيره والأرجح ان هذا هو المعنى المقصود) على الملك و الحكم ثم لا يصح لأحد منهم.فأطلق عليهم خلفاء وهم ملوك .. 6-حينما نص المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم بظله يوم لاظل إلا ظله في الحديث ولم ينص على مصطلح الخليفة دون الملك أو السلطان، وفي مسند الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه و سلم- أنه قال :»أحب الخلق إلى الله إمام عادل وأبغضهم إليه إمام جائر «.قال سماحة العلامة ابن عثيمين ((فتاوى الحرم المدني) شريط (52) ب) : «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل...» الإمام العادل - يا إخواني - من يخاف ؟ يخاف الله عزوجل، لأنه إمام، الأمر بيده، جعله الله بيده، فإذا عدل في الخلق، فإنه لن يراعي مخلوقا، وإنما يراعي الله عزوجل. ومن الإمام العادل ؟ الإمام العادل : هو الذي ينفذ شريعة الله في عباد الله تعالى هذا هو الضابط، الإمام العادل: هو الذي ينفذ شريعة الله في عباد الله، إن حكم حكم بالشرع، و إن عاقب عاقب بمقتضى الشرع، لو أن ابنه سرق لقطع يده، لو أن أباه سرق لقطع يده .. سبحان الله ! يقطع يد أبيه ؟!! يقطع يد أبيه ؟!! إمام عادل، سرق أبوه، يقطع يد أبيه ؟!! كأنّ هذا شديد .نعم يقطع يد أبيه، ولكن امتثالا لمن ؟ لله عزوجل .أليس إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أراد أن يذبح ابنه ؟! وأيهما أشد قطع يد أم قتل؟ ذبح لا شك. الإمام العادل: هو الذي ينفذ شريعة الله في عباد الله، لا يبالي بقريب أو بعيد، أو شريف أو وضيع ...). 7- الصحابة رضي الله عنهم والتابعون قبلوا حكم بني أمية ولم يحتجوا على عدم شرعيتهم بأنهم ملوك وليسوا خلفاء، فهم ملوك الإسلام، لأن العبرة بتحكيم شرع الله وخدمة الإسلام، ويشهدُ لفضل بني أميَّة على العموم، قول الله تعالى : ولينصُرَنَّ اللهُ من يَنْصُرُهُ إنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ في الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وآتَوْا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عن المُنْكَرِ وللهِ عَاقِبَةُ الأُمُور ، ويشهد لِفضلِهم - على الجُملة - قوله صلى الله عليه وسلم : «خيرُ القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» رواه البخاري ومسلم.ويشهد لفضلهم أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان كثيرٌ مِنْ عُمَّالِهِ في البلدان من بني أميَّة، وكذا عمالُ أبي بكر وعمال عمر وعثمان وماتوا وهم عنهُمْ راضونْ. ونشروا الإسلام حتى بلغ على عهدهم أقصى مابلغ، وقد مكن الله لهم في تلك الفترة التي اختلف المسلمون ولم يجمعوا حتى على سيدنا علي أمير المؤمنين رضي الله عنه أفضل البشر في تلك الفترة، فكان من مصلحة الإسلام أن يمكن لبني أمية الذين لو رجعت شورى في الأمة لما اجتمعوا على أحد وأصبح الإسلام ضعيفا ولم يبلغ، فمن حفظ الله للدين تمكين بني أمية في تلك الفترة والله أعلم ... 8-العلماء عاشوا تحت حكم بني أمية وبني العباس، وهم في توريثهم يعدون ملوكا وليسوا خلفاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة» (8/237-239): « وبنو أمية كان الإسلام وشرائعه في زمنهم أظهر وأوسع مما كان بعدهم. وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزالُ الأمرُ عزيزاً إلى اثني عشرخليفة كلهم من قريش»، ولفظ البخاري: «اثني عشر أميراً «. وهكذا كان، فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عِزٌّ ومَنَعَة : معاوية، وابنه يزيد، ثم عبد الملك وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز، وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام النقص ما هو باق إلى الآن، فإنَّ بني أُمَيَّةَ تولَّوا على جميع أرضِ الإسلام، وكانت الدولة في زمنهم عزيزة، والخليفة يُدعى باسمه عبد الملك وسليمان، لا يعرفون عضد الدولة، ولا عز الدين، وبهاء الدين، وفلان الدين، وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس، وفي المسجد يعقد الرايات، ويُؤَمِّرُ الأمراء، وإنما يسكن دارَهُ، ولا يسكنون الحصون، ولا يحتجبون عن الرعية. وكان من أسباب ذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام في القرون المفضلة، قرن الصحابة والتابعين، وتابعيهم» ا هـ . 9- والدليل على أن العبرة بالأداء ثناء العلماء على معاوية وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما وهما من الملوك بني أمية، ولم يطعنوا فيهما، بل توقف بعض أهل العلم عن إطلاق مسمى الخليفة الراشد على عمر بن عبدالعزيز احتراما للنصوص الشرعية، قال الحافظ «ابن كثير» - عليه الرحمة - : «كانت سوق الجهاد قائمة في بني أمية، ليس لهم شغل الا ذلك، وقد أذلوا الكفر وأهله، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعباً، لا يتوجه المسلمون الى قطر من الأقطار إلا أخذوه «. وقال شيخ الإسلام: «ومعاوية ـ رضي الله عنه ـ كان أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك، كان ملكه ملكا ورحمة كما جاء في الحديث». وقال شيخ الإسلام أيضا: «جرى بعد موت معاوية من الفتن والفرقة والاختلاف ما ظهر به مصداقُ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: سيكون نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون مُلْكٌ ورحمة، ثم يكون مُلْكٌ عَضوض ـ فكانت نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم- نبوة ورحمة، وكانت خلافة الخلفاء الراشدين خلافة نبوة ورحمة، وكانت إمارة معاوية مُلكا ورحمة، وبعده وقع مُلْكٌ عضوض». وقال الذهبي ـ رحمه الله: «ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببريء من الهَنات, والله يعفو عنه وحسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم ـ هو ثغرـ فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه... فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه». وقال ابن كثير - رحمه الله-:»وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين ... فلم يزل مستقلا بالأمر ... والجهاد في بلاد العدو قائم, وكلمة الله عالية, والغنائم تَرِد إليه من أطراف الأرض, والمسلمون معه في راحة وعدل, وصفح وعفو وقال: كان حليماً وقوراً, رئيساً, سيداً في الناس, كريماً, عادلا, شهماً. وقال عنه أيضاً: «كان جيد السيرة, حسن التجاوز جميل العفو, كثير الستر -رحمه الله تعالى-».وأما عمر بن عبد العزيز فقد أجمعت الأمة على صلاحه وورعه وتقواه، قال مالك بن دينار: «يقولون مالك زاهد، أي زهد عندي؟! إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها، فتركها جملة». وقال له رجل: جزاك الله عن الإسلام خيرًا. فقال: «بل جزى الله الإسلام عني خيرًا». بل إن الأحاديث والآثار وردت في تزكية الأمير وجيشه الذين يغزون البحركما في الحديث أن السول صلى الله عليه وسلم قال: (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا) . قالت أم حرام قلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال (أنت فيهم). ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم- (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)، وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكذلك الأحاديث والآثار التي أثنت على من يغزو القسطنطينية ويفتحها فكلها سواء أكانت في يزيد بن معاوية أو محمد الفاتح من العثمانيين فهي ليست في خليفة على منهاج النبوة بل في ملوك وسلاطين مما يدل على أن الحكم هو الأداء وليس إطلاق المصطلح على غير هدى فلابد من تسمية الأشياء بأسمائها... 10- حينما حرم الإسلام الخروج ولو بحجة إقامة الخلافة لمافي ذلك من مفاسد لم يفرق بين خليفة أو ملك أو سلطان، فحرم الخروج عليهم جميعا مما يدل على شرعية مصطلح الملوك والسلاطين والحكام، وهذا فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والأحاديث كثيرة ولكننا نستدل بحديث نافع في حرمة الخروج على ملوك بني أمية على شرعية حكمهم ولو كان بالوراثة، عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر الى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ماكان من يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقوله, سمعته يقول:» من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لاحجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية «، رواه مسلم. قال القرطبي في المفهم: «قوله (ولاحجة له) أي لايجد حجة يحتج بها عند السؤال فيستحق العذاب،لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قد أبلغه ما أمره الله بإبلاغه من وجوب السمع والطاعة لأولي الأمر، في الكتاب والسنة»، واستعمل الأئمة مصطلح السلطان في التحذير من الخروج، قال الإمام البربهاري في (شرح السنة) :»وأعلم أن جور السلطان لاينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها الله على لسان نبيه- صلى الله عليه وسلم-، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله. يعني: الجماعة والجمعة معهم والجهاد معهم وكل شيء من الطاعات فشاركه فيه فلك نيتك . وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعوللسلطان بالصلاح فاعلم أ نه صاحب سنة إن شاء الله» ففهم فقهاء الإسلام لحال الأمة في مدارج كتبهم فيعبرون بالسلطان والحاكم ولم يعبروا بالخليفة فهما منهم ودراية رحمهم الله جل وعلا .... والله من وراء القصد.
مشاركة :