عندما يرزقنا الله -تعالى- بنعمة الأطفال، فتلك مسؤولية كبيرة تحتاج منا للكثير من الجهد والوقت والصبر، لهذا عادة ينسى الأهل نتيجة معاناتهم لسلوكيات أطفالهم السيئة أهمية هذا الامتياز؛ ولذلك كان لا بد لنا نحن الأهل أن نعمل جاهدين للاحتفاظ بهذا الامتياز، وهذا العطاء الرباني مع إدراك أهمية عنصر المتعة والامتنان بوجود أطفالنا بحياتنا.تقول المستشارة النفسية باسمة الحجلي: يساعدنا تعديل السلوك والعلاج السلوكي على تربية أطفالنا، ومتابعة كل مراحل نموهم الطويلة بشكل إيجابي يحقق لهم مستقبلاً واضحاً نظيفاً من جميع العقد والاضطرابات السلوكية، وينقذهم من مطبات الخلل الشخصي على المدى البعيد.قياس السلوكتضيف الحجلي: لا بد من التطرق لجزئية مهمة وهي قياس السلوك وماهيته، فهل نحن أمام سلوك مضطرب أم عادي فقط يتغير من طفل إلى آخر، ويجب علينا أن نتعامل معه كسلوك ارتقائي يتغير مع المرحلة ولا يحتاج لأي تدخل، أم إننا أمام سلوك مضطرب وخلل واضح ومستمر يترك آثاره في التكيف العام للطفل، ويحتاج لاستخدام استراتيجيات تعديل السلوك المختلفة، التي سنتحدث عن أهمها وهو «العقد السلوكي».وثيقة اتفاق أحد أهم استراتيجيات تعديل السلوك المتبعة في المدرسة والبيت تقوم على ما نسميه في المجال السلوكي بـ(العقد السلوكي) أو (التعاقد السلوكي).وكما هو معروف بأن العقد بمضمونه العام يعني وثيقة اتفاق بين طرفين حول أمر ما أو مهمة ما يلتزم الاثنان بتحقيقها والاستفادة منها كل واحد حسب حاجته مع وجود ضرورة وأهمية موافقة من قبل الطرفين على شروطه وبنوده ومدته والالتزام بتنفيذه، وعلى اعتبار الموافقة على هذا التعريف موافقة على أهميته فيمكننا أن نقول إن دخول هذا العقد حيز التنفيذ يعني وجوب الحصول على النتائج المنتظرة والمتوقعة بعد الانتهاء من اكتمال كل حيثياته، كما أن هذا الرابط يشرح العلاقة بين طرفين يحتاج كل منهما إلى الآخر؛ لتنظيم ما لديه، لهذا سندرج كيفية استخدام هذا «العقد السلوكي» وتفاصيله.تعزيز منظميعتبر «التعاقد السلوكي» وسيلة جيدة نستطيع من خلالها استخدام التعزيز بشكل منظم وممنهج؛ وذلك لزيادة الرغبة في الإنجاز والدافعية للتعلم والتطوير، فهو اتفاق مكتوب بين المعالج والحالة التي تتصف بسلوك سلبي ما، كما أنه محدد المكافأة يلتزم به الطرفان التزاماً حقيقياً وصادقاً، إضافة إلى أن هذا العقد يختص كوسيلة علاجية بإحداث التغيير كفارق مقاس في سلوك الحالة الخاضعة للعلاج.من المهم أن نذكر هنا أن هذا الإجراء يخلو من التهديد والوعيد والعقاب، ويستلزم عدم وجودهم بالضرورة، ويتضمن بنود تعزيز واضحة وإيجابية وفورية.الابتعاد عن العنفوبالتالي الغرض منه التخلص من السلوك السلبي، وتجهيز الحالة للإحساس بالمسؤولية وتقبلها من خلال الاطلاع على السلوك السلبي المعرقل، واستبداله بسلوك إيجابي مفيد مع تحديد المكافآت المناسبة، إضافة إلى أن هذا التعاقد يوضح ويدرب الحالة على أهمية وجود العقود الأخلاقية والعملية الملزمة لها في الحياة عموماً بدل اختيار العقاب كوسيلة منفرة لتحقيق أهداف التعلم عموماً، ما يدرب أطفالنا على الابتعاد عن العنف كوسيلة لعلاج الخطأ أو تقبله كسلوك ضد الآخرين ومع ضمان تحقق نتائج إيجابية في الحياة عموماً انطلاقاً من استخدام سلوكيات إيجابية هادفة.التعزيز الفوريهنا لابد أن ننوه أن العقود السلوكية تماثل في ماهيتها العقود التجارية من حيث أهميتها بين شريكين يسعيان للتعامل في إطار محدد يخدم الطرفين، ويقوم على تقديم خدمات معينة مقابل مبلغ من المال محدد يدفعه أحد الطرفين للآخر، فالطرف الأول (الحالة) يتعهد في هذا الاتفاق بالتخلص من سلوك ما سيئ واستبداله بسلوك جيد، على أن يلتزم الطرف الثاني (المعالج) بتقديم التعزيز الفوري مقابل حدوث السلوك الجيد.وهنا يمكننا القول إن هذا الاتفاق يمكن أن يتم بين الطالب والمدرس في المدرسة أو بين الوالدين والابن أو بين المعالج والحالة.مبدأ الجدةولفهم ماهية هذه الاستراتيجية، أردت أن أذكر هنا مبدأ تكلم عنه (بريماك) يسمى سلوك مبدأ الجدة استخدمته الجدات في السابق لضبط أحفادهن، ينص على أن السلوكيات المحببة التي يقوم بها الشخص دائماً يمكن توظيفها لتشكيل السلوكيات غير المحببة والضرورية للشخص، التي لا يقوم بها عادة أي (اعمل ما أريد أسمح لك بعمل ما تريد)، إلا أن ما يحدث عادة في التعاقدات السلوكية أنها تكون غير منتظمة، وتتضمن الفرض والإجبار، وفي معظم الأحيان تحمل صيغة التهديد والعقاب.لكننا هنا سنركز على أهمية التعاقد السلوكي المحبب للطفل، الذي ينشط الرغبة في الإنجاز للحصول على المعزز المحبب المرتبط بالتزامه بهذا التعاقد مع مراعاة تعرضه للخسارة في حال عدم قيامه بالمهمة المطلوبة منه ضمن التعاقد (وهنا يمكننا أن نتكلم عن مبدأ تكلفة الاستجابة، الذي ينص على أن عدم التزام الطفل بتنفيذ المهمة المتفق عليها سيكلفه خسارة وهي عدم الحصول على التعزيز وهذا ما نسميه كذلك بالتعزيز السلبي أي خسارة التعزيز الذي كان سيحصل عليه لو التزم بتنفيذ ما طلب منه، وبالتالي تحمله تكاليف الخسارة).مقومات التعاقد- لكي يصبح العقد السلوكي منظماً وممنهجاً ضمن إطار متفق عليه يتحمل الطرفان مسؤوليته كعقد مبرم واضح، كان لا بد من أن نستعين بما ذكره الدكتور جمال الخطيب عندما أشار إلى أن مقومات العقد السلوكي تقوم على 4 افتراضات وهي:1- التعزيز الاجتماعي الذي يهتم بتنظيم العلاقات الاجتماعية في العقد بين الطرفين المتعاقدين.2- قيمة العلاقات الاجتماعية ترتبط وتتحدد بشكل مباشر بقيمة التعزيز وكميته.3- أن وجود معايير وضوابط في العقد لا تعتبر عائقاً لوجود الحرية في العلاقات الاجتماعية.4- لا بد أن يكون العقد ملزماً للطرفين وبشكل كامل.محتويات العقدوعلى اعتبار أنه تم تحديد مقومات العقد السلوكي فلابد من تحديد محتويات هذا العقد؛ ليكون بذلك قد حقق جزئية البناء السليم الذي ينتج عنه بعد التطبيق والممارسة نتائج إيجابية لمصلحة الطرفين، تحددت بعنصرين:1- المهمة المحددة تتضمن:• الطفل الذي سيقوم بالمهمة.• ماذا سيؤدي هذا الطفل؟• زمن تأدية هذه المهمة.• شروط قبول وانتهاء المهمة.2- التعزيز أو المكافأة التي ستكون بعد أداء المهمة.• تحديد الشخص الذي سيحكم على أداء المهمة وسيمنح المكافأة.• طبيعة المكافأة أو التعزيز.• توقيت منح المكافأة.• مقدار المكافأة ومناسبته لأداء المهمة المطلوبة.بعد أن أوضحنا تعريف العقد السلوكي ومقوماته ومحتوياته لا بد لنا من توضيح شروط صياغة العقد السلوكي السليم، الذي يستخدم لتعديل السلوك السلبي والحصول على سلوك إيجابي مفيد بدلاً عنه في نهاية استخدام هذه الاستراتيجية كأحد استراتيجيات تعديل السلوك المتفق عليه في العلاج السلوكي.شروط الصياغةيجب أن يكون مصاغاً ومكتوباً؛ حيث إنه دائماً تكون المعلومات المكتوبة والمدونة بشكل محدد توضح الأهداف المرجوة منها، وتحمي من الوقوع في مسألة سوء الفهم، كما أنها تشكل مصداقية للطرفين.1- وضوح العقد، يجب أن تكون بنوده واضحة ومحددة ومكتوبة بلغة سليمة ومفهومة.2- يجب أن يتضمن العقد شرط حصول التعزيز بشكل فوري بعد أداء المهمة؛ حيث إن فورية التعزيز تحقق ثبات السلوك الجيد، وتؤمن استمراريته للحالة، وبالتالي تحقق جزئية الثقة بالعقد والمعالج كطرف مراقب وأساسي في منح المكافأة أو التعزيز كذلك يجب أن يكون التعزيز بعد حدوث السلوك المطلوب فقط لا أن يستمر فترة أطول.3- هناك شرط ضروري يجب مراعاته أثناء كتابة العقد هو أن يتصف هذا العقد بطابع العدل، وهنا نتكلم عن وجود حالة توازن بين طبيعة المهمة المطلوبة ومناسبة التعزيز لها كماً وكيفاً كما يجب التأكد من قدرتنا على تقديم التعزيز وفوراً وإلا خسرنا أهم شرط في العقد؛ حيث إن عدم قدرتنا على الإيفاء بالتعزيز المتفق عليه لأي سبب كان يعتبر خللاً كبيراً، نجد أن بعض العقود وخوفاً من الاضطرار إلى اقتطاع جزء من التعزيز في حال عدم التزام الفرد بشروط العقد، تضيف شرطاً يدل على أن الحالة ستحصل على مكافأة إضافية في حال التزامها بشروط العقد، وهنا يجب أن ننوه إلى أننا نكافئ ونعزز الأداء ولا نقوم بإطاعة شروط العقد؛ لأن الهدف النهائي في هذا العقد هو الوصول إلى الضبط الذاتي للحالة تجاه السلوكيات السيئة المراد التخلص منها؛ ولكن انطلاقاً من أن العقد مجرد وسيلة وليست الغاية التي نعمل لأجلها.4- صياغة العقد بصيغة إيجابية، وهذا يعني أن مضمون العقد يجب أن يحتوي على السلوكيات المحببة التي نريد تحقيقها عند الحالة وجعلها تتبناها وليس السلوكيات السيئة التي نريد تخليصها منها كأن نقول (اتمم واجباتك المدرسية يومياً) ولا نقول لا تهمل واجباتك المدرسية.5- يجب ألا تحمل صيغة العقد التهديد والوعيد بالعقاب.6- علينا طرح سلوكيات بسيطة في البداية على أن يتكرر التعزيز كلما حدث السلوك وبكميات قليلة، ومن ثم نطرح السلوكيات الصعبة، التي تحتاج لمجهود وعمليات مختلفة للقيام بها.7- يمكن القيام بإجراء تعديل بنود العقد إذا كان هناك ضرورة على أن يتضمن العقد كتابة وصراحة هذا الشرط مع الإشارة إلى الظروف التي قد نضطر فيها إلى إجراء التعديلات على البنود مع مراعاة شرط موافقة الطرفين على هذا التعديل وطبعاً يمكننا أن نضيف أن ظروف تطبيق العقد ومناخه النفسي هي التي توضح لنا نقاط التعديل وطبيعتها وضرورتها كأن تبدأ الحالة بالتذمر والرفض والإحساس بالعبء في أداء المهمة في نقاط منها، أو سوء فهم بعد البدء بتنفيذ العملية لشروط العقد أو ما إلى هنالك من ثغرات قد تصادفنا أثناء التطبيق.التفاوضلا بد أن نشير هنا إلى أن هذا العقد يجب أن يتضمن مشكلة سلوكية واحدة هي موضوع التفاوض كما ذكرنا سابقاً تكون محددة وواضحة الشروط والمعايير وطبيعة التعزيز ومعاييره وكل ما يتعلق ببنود العقد السلوكي عموماً.استراتيجيات تعديل السلوكتقول فتحية إبراهيم سعد أخصائية تربية خاصة: للتعرف إلى كيفية تطبيق هذه الاستراتيجية من وجهه نظر مدرس التربية الخاصة فلابد من إدراك أن إتقان معرفة استراتيجيات تعديل السلوك في غرف الصفوف في المدارس أمر في غاية الأهمية؛ حيث يلعب الأخصائي دوراً كبيراً في معرفه ما هو نوع الاستراتيجية التي تناسب كل طالب وما هي المعززات التي يحبها ولا بد أن تكون تلك المعززات موجودة لديه ويتم تحديدها قبل البدء في برنامج العلاج.التوبيخ والعقابلابد أن نأخذ في الاعتبار الابتعاد عن الأساليب التي تجعل الطالب يرفض العلاج مثل التوبيخ والعقاب؛ لأنها بذلك تسبب له حواجز نفسية، ولا تؤدي إلى تعديل سلوك؛ بل تكبح سلوكيات غير مرغوب فيها، وهذا أمر لا نحب التطرق إليه، وأهم ما يقدمه هذا العقد السلوكي أنه يجعل الطالب يشارك في العملية العلاجية ويقوم كل من الأخصائي والطالب على الاتفاق على بنود العقد سوياً؛ حيث إنه يتم بين طرفين الطرف الأول الطالب (س) ولا بد أن يبدأ عمر هذا الطالب من سن 7 سنوات فما فوق وتكون لديه قدرات عقلية جيدة وليس لديه أي نوع من الإعاقة وأن يكون قادراً على القراءة والكتابة ويكون أيضاً مدركاً ومتفهماً لهذا العلاج؛ لأنه أيضاً سوف يلتزم بشروط العقد وإلا يعتبر هذا العقد لاغياً والطرف الثاني هو الأخصائي ويكون دوره أكثر فاعلية؛ حيث إنه أكثر التزاماً من الطالب بذلك العقد؛ لأنه يجب عليه التقييم والرصد والقياس من فترة إلى أخرى والتزامه أيضاً بشروط العقد والمكافأة المتفق عليها فسوف نقول إن لدينا الطالب (س) لديه مشكلة في الالتزام والحضور وعدم كتابة الواجبات المدرسية فسوف يقوم كل من الأخصائي والطالب (س) بكتابة عقد بينهما يفيد أن يلتزم الطالب (س) بشرط العقد وهي المشكلة التي تواجهه وعلى الأخصائي الالتزام بإعطائه المكافأة المتفق عليها ويوقع الطرفان على هذا العقد وبذلك نكون قدمنا حلاً بسيطاً لمواجهة المشكلات التي تواجه أطفالنا. معايير علمية نخلص من هذه الدراسة إلى أننا، أهالي أو مدرسين أو اختصاصيين، علينا أن نحترم عقول أطفالنا، وأن نعمل دائماً على استثمارها بشكل حقيقي ومسؤول على أن يكون الهدف بعيد المدى والرئيسي تجهيزهم لمستقبل واعٍ منظم قائم على إمكاناتهم لا على رغباتنا وتوقعاتنا، كما أن حقيقة أننا فقط مسؤولون عن تربيتهم ليست هدفاً، بل إن هناك الكثير من المعايير العلمية والاجتماعية والشخصية لهم أصبحت تتدخل في تربيتهم، وليست معايير الرعاية الوالدية فقط، ولهذا ننصح الوالدين دائماً باستثمار علاقتهم بأطفالهم لتكون عقد اتفاق حول الحقوق والواجبات بالتساوي مع دور كلا الطرفين في مناخ وعي علمي نفسي بنائي منظم.
مشاركة :