القاهرة: «الخليج»أحمد خطابلن ينسى المصريون على مدى الدهر، تلك الجملة الخالدة التي أطلقها حكيم العرب المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قبل ما يزيد على أربعة عقود من الزمان، بينما كانت ماكينات الآليات العسكرية المصرية تهدر على الجانب الغربي للقناة، استعداداً لحرب التحرير الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1973، وسيظل أبناء الشعب المصري يتوارثون السيرة العطرة لزايد وستظل إنجازات وعطاءات زايد وأبنائه للمصريين دليلاً على قصة العشق الإماراتي لمصر.كانت مصر قد بدأت بعد أيام قليلة من نكسة عام 1967، حرب استنزاف طويلة مع دولة الكيان الصهيوني، نفذت خلالها العديد من العمليات النوعية في سيناء، وعلى جميع محاور القتال، وسقط فيها شهداء روت دماؤهم الزكية التراب العربي المحتل، لتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة «الأب المؤسس» نموذجاً عربياً فريداً في دعم المعركة، سياسياً واقتصادياً ومعنوياً، وقد تجلى ذلك في غير مناسبة، عندما كان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، يقول دون مواربة في جميع المحافل العربية التي استبقت معركة التحرير: «عندما تبدأ المعركة، سنغلق صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبداً».ويذكر التاريخ أنه في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، أنجز المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حلمه الذي طالما عمل من أجله لسنوات، ليرتفع علم «دولة الإمارات» على سارية «قصر الاتحاد» بمنطقة الجميرا في دبي، لتبدأ ملحمة من البناء والتنمية لدولة حديثة وفتية، لم تشغل «الأب المؤسس» عن قضايا أمته، وفي القلب منها قضية تحرير الأرض العربية التي اغتصبها الصهاينة منذ حرب العام 1948، انتهاء بالهيمنة الكاملة على سيناء بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، وقد كانت الأنباء حول القصف «الإسرائيلي» المستمر لمدن المواجهة المطلة على قناة السويس، وما كان يسفر عنه ذلك القصف من سقوط عشرات من الضحايا في صفوف المدنيين؛ تزيد من قوته وصلابته في الدفاع عن الحق العربي، حتى إذا حانت لحظة الثأر وانطلقت طلائع النصر لتدمر أسطورة برليف الصهيونية على الشاطئ الشرقي للقناة، أرسل زايد ابنه البكر، وولي عهده، في ذلك الوقت، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، للوقوف على الاحتياجات المصرية في لحظة القتال، ليطلق مقولته الخالدة: «إن الذين قدموا دماءهم في معركة الشرف، قد تقدموا الصفوف كلها، وإن النفط ليس بأغلى من الدماء العربية».يتذكر المصريون دائماً- بمزيج من المحبة والاعتزاز- الدور الكبير الذي لعبه زايد في إعادة اللحمة العربية بين مصر والأشقاء العرب، عقب فترة القطيعة التي تلت توقيع الرئيس الأسبق أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول من العام 1978، وما صاحب ذلك التوقيع من ردود فعل غاضبة ومعارضة للاتفاقية في معظم الدول العربية، حيث ظل «حكيم العرب» زايد على تواصل مباشر مع القيادة المصرية حينئذ، رافعاً شعاره الذي تحول إلى أيقونة في الوجدان المصري كله: «لا وجود للأمة العربية دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن أمتها العربية»، حتى عندما تجرأت قطر- ومن عجب- في تلك الفترة، وسعت إلى إشعال نيران الفتنة والوقيعة بين مصر وأشقائها من العرب، كان للمغفور له زايد دور كبير في كبح جماح الدوحة.ويروي الكاتب الصحفي المصري، صلاح منتصر، تفاصيل ذلك اللقاء الذي جمع زايد وعدداً من رؤساء تحرير الصحف القومية، أثناء زيارة إلى القاهرة في نهايات السبعينات قائلاً: كانت قطر قد استبقت زيارة زايد إلى القاهرة في تلك الفترة بسيل من التصريحات على لسان وزير الخارجية القطري، حاول خلالها أن يدس السم بين مصر وباقي الدول العربية، خاصة الإمارات، على خلفية ما يعرف ب«قمة بغداد» التي انتهت إلى ما عرف بجبهة المقاطعة التي كانت تضم عدداً من الدول العربية التي قررت مقاطعة مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وقد كانت قطر تسعى من خلال تلك التصريحات إلى مزيد من شق الصف العربي، وعندما شكا عدد من رؤساء التحرير للمغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد ما تفعله قطر، رد قائلاً: «لا أريد لمصر أن تقف لتواجه هؤلاء الناس، بل ترحمهم وتعلمهم كيف يتكلمون» قبل أن يضيف وهو يداعب الصحفيين: «لا يمكن مقارنة شعب قوامه 65 مليون نسمة بسكان فندق واحد في القاهرة».على مدار أكثر من 3 عقود من الزمان، ساهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إعادة إعمار ما دمرته الحرب الصهيونية على مصر، لتتقدم الإمارات الصفوف في إعادة إعمار مدن القناة «السويس- الإسماعيلية- بورسعيد»، ولعل الحي الكبير الذي لا يزال يحمل اسم زايد حتى اليوم في مدينة الإسماعيلية، يقف شاهداً على عمق تلك العلاقة التي جمعته ومصر، على اختلاف الأنظمة السياسية التي تولت مقاليد الحكم فيها.ويمتد حي الشيخ زايد في الإسماعيلية على مساحة كبيرة، تمثل الامتداد العمراني الطبيعي للمدينة، وهو يتكون من خمس مراحل سكنية، تضم بنايات ومحال تجارية وأندية وملاعب ومراكز طبية ومساجد، وقد قام الشيخ زايد بافتتاح هذا الحي الذي تكفلت الإمارات بنفقات بنائه كاملة في العام 1976، لاستقبال المهجرين من أبناء المدينة الذين أجبرتهم الاعتداءات «الإسرائيلية» المتواصلة عقب النكسة وطوال حرب الاستنزاف على مغادرة بيوتهم.على مدار أكثر من عقدين تواصل الدعم الذي قدمه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مصر، للمساهمة في معركتها الجديدة مع البناء والتنمية، وهو العرفان الذي قابله المصريون بإطلاق اسمه على العديد من الأحياء والمشروعات والمدن الجديدة، ومن أشهرها اليوم مدينة الشيخ زايد في ضاحية أكتوبر، التي تمتد على مساحة تصل إلى 9500 فدان، وكان زايد قد أهداها لمصر في العام 1995، بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية، إلى جانب مدينة أخرى جديدة في محافظة الدقهلية، فضلاً على مساهمات عدة في عدد كبير من المشروعات، من بينها مشروع قناة الشيخ زايد في منطقة توشكي، لنقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في المنطقة التي تستهدف مصر تحويلها إلى دلتا جديدة وسلة غذاء جديدة للمصريين.رغم رحيله عن دنيانا، لا تزال سيرته العطرة في مصر، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، ولا تزال «إمارات زايد» تسير بقيادتها وحكامها وشيوخها ورجالات المال والاستثمار فيها، على تلك الخطى التي وضعها «الأب المؤسس»، وهو الأمر الذي لخصه الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في كلمته أمام القمة الحكومية في فبراير/شباط 2014 عندما قال بوضوح: «مصر غالية عندنا جميعا، وعدو مصر هو عدو الإمارات».
مشاركة :