يتحدد وجود الانسان من زاويتين، الأولى موضوعية والثانية ذاتية، فالوضع البشري هو الذي يشكل كونية الانسان، وقدراته على الإنتاج، و ينظم أدواته، و يحدد مضامينه، ومكوناته المنطقية. إن الوضع البشري يتسم بالتداخل والتعقيد، ويخضع للضرورة وترابطها و تقاطعها و امتدادها و رهاناتها، و ايضا يعطي صوراً متعددة تقبح الملامح رغم جمالها في الحياة، و لكن لو اخذ كل فرد على عاتقه مشروعا فاعلا تاريخيا بوصفه شخصا، يحدد من خلاله الأخلاق والحقوق والتعبير الذاتي، لوجد أن الإنسان انه هو بحد ذاته مشروع ذو استقلاليه في ضوء المنظومة العالمية، يمتلك غاية و وسيلة وقيمة تحدد كرامة ذاته، وتؤهله لكتابة سيرة ذاتية تليق بكيانه كشخص يفرض احترامه من بين الكائنات الطبيعية. لذلك يترتب على الفرد جمع الهوية الممزقة، والتدهور الذي صنعه سوء الطالع والظروف المحيطة، و تحطمت اجهزة الحلم والأمل والتفاؤل، و ساهم باندماج اليأس بالحياة، فأصبحت الأحلام عقبة يصعب اجتيازها، رغم التغييرات التي خضع لها شخص اليوم وترتب عليها كتابة سيرة ذاتية تشير إلى واقع الاسم و هويته الشخصية، بوصفه ذاتاً مقيدة وغير حرة، ومما تجدر الإشارة اليه هو ما جاء به "محمد عابد الجابري "في كتابه "حفريات الذاكرة " عندما قال :أنا فرد واحد من جيل، وكل فرد من أفراد هذا الجيل هو صورة لآخر، أناه الثانية، بمعنى أن الصورة التي نشرتها جريدة ( وطنية) تعود إلى عام 1947، وهي لتلامذة المدرسة التي درست فيها، أخذت هذه الصورة من أحد اصدقائي وبدأت أتأملها، لم استطع اكتشاف نفسي إلا بصعوبة لأن الجميع متشابهون، والجمع متراص، وكذلك كانوا في الحياة العملية خلال طفولتهم، منهم من أصبح اليوم مهندساً أو طبيباً أو أستاذا جامعياً، أو قاضياً أو موظفاً كبيراً في الدولة أو تاجراً من كبار التجار، لقد عاش هؤلاء جميعاً التجربة نفسها التي عشتها، ولذلك فعندما كنت أكتب عن تجربتي، كنت أتكلم في نفس الوقت عن جيل بأكمله وهي مرحلة تاريخية بأكملها، و عن مرحلة يمكن اعتبارها جسراً بين حياة القرون الوسطى وحياة القرن العشرين، وهكذا فالجوانب الشخصية والاجتماعية والوطنية قد فرضت نفسها على الكاتب فرضا، و عندما بدأ الكاتب نصوصه بذكر القدرات المستهدفة وعددها في فقرات متتالية، سأوجز لكم منها ما يتوافق مع هذا النص البيوغرافي، ليكشف كيف يتصور الوجود الإنساني وشروطه الذاتيه مستهلا البداية بإدراك ما يتسم به الوضع البشري في فهم الوضع الإشكالي، وتوتره بين الخضوع للضرورة والتباعد عنها، واكتشاف صعوبات ومفارقات، وكيف تتداخل مفاهيم الشخص والغير والتاريخ في التحديد التضافري للإنسان ؟ وهل الفرد تبعا، لمبادراته الذاتيه ووعيه، و القدرة على إعادة بناء شروط وجوده ؟ هنا ظهرت فكرة الذات الحرة والعاقلة التي تحافظ على هويتها الشخصية، وكيف يشكل الفرد الوحدة والهوية، التي ينظمها المجتمع ويستمد استقلاليته من الآخرين، فالفرد سجين منظومة من القيم والعلاقات التي تحد من آفاقه وتطلعاته الشخصية، ولكن إذا علم أن معنى الأنا و الهوية، يؤدي إلى تميز وتألق في كتابة مستند خُتم عليه أن الشخص غاية في ذاته، قبل أي قدرة علمية وصل إليها، و أدرك بذلك شفافية التعريف بذاته . تميز واتسعت دائرة فكره، باعتباره ذاتا تتشكل من وحدة مستقلة و تتمتع بهوية ثابتة رغم تعدد الصفات.
مشاركة :