اللغة العربية وحالها في الإعلام!

  • 7/16/2014
  • 00:00
  • 59
  • 0
  • 0
news-picture

أذكر أنني في أحد الأيام صادفت عاملا ًفي الشارع وقد تعرض إلى شيء من المضايقات من قبل كفيله، فأخذته إلى مكتب العمل وعندما قابلنا الموظف المختص طلب من العامل شرح مشكلته فبدأ العامل بالحديث وكعادته «عربي على هندي «مكسر» فطلب منه الموظف المختص التوقف عن الكلام وقال له باللغة العربية والإنجليزية: (إما أن تتكلم باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية فأنا لا أفهم هذه اللغة التي تخاطبني بها ولا أعترف بها)، طبعاً كانت كلماته بالنسبة لي فيها شيء من الغرابة، وأحسست معها بالمبالغة المفرطة لمطالبته للعامل بشيء قد يعجز عنه حالياً، في حين أنه أحوج ما يكون إلى المساعدة، ولكن بعد فترة من الزمن وتفكر وتأمل في كلام ذلك الموظف أيقنت أن هذا هو عين العقل وعين الوعي، وعلمت حينها أنه فعلاً يؤدي جزءا من عمله ويحافظ على لغته. لا يشك أحد أننا في عصر قد ضعفت فيه اللغة العربية بشكل كبير وذلك عائد إلى عدة أسباب، وللنهوض بها وتقويتها أيضاً عدة أسباب معلومة، بالإضافة إلى المساهمات والمبادرات التي قدمت من أجل النهوض بها وتقويتها في نفوس أبنائها. والناس كما أنهم يختلفون في معرفتهم باللغة قوة وضعفاً، فكذلك يتفاوتون في مجالات ممارستها واستخدامها. وإن في تعدد وتنوع مجالات ممارستها واستخدامها محافظة عليها بين أبناء المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه، ومن أهــم هذه الشــرائح ممن يتوجب عليهم العناية بهذه اللغة، هم من يخاطبون الناس ويطالعونهم بآرائهم وأفكارهم وكلماتهم من خلال المنابر الإعلامية سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو غيرها. أضف إلى ذلك أن وجود المختص في اللغة في أي مؤسسة وقطاع وجهةٍ أمر أصبح من الضرورة بمكان فاختصار دور المختص والمعلم للغة العربية على دور التعليم والمدارس إضعاف لهذه اللغة، بل إن وجودهم في المؤسسات الإعلامية سواء الإذاعة أو التلفاز أو الصحف، وأيــضا الجهات التي تتطلب إصدار خطابات وبيانات باللغة العربية، ومراكز الإعلانات والنشــرات ودور التحــفيظ والجمعيات والتجــمعات الشبابية والمراكز الاجتماعية والخــيرية، مما يزيد مساحة تداول هذه اللغة وتماسكها والنهــوض بها قدر المستطاع، وأيضــاً تخصــيص دورات إلزامية على الأقل في المؤسســات الحكومية مرة خلال عــمر الموظــف الوظيفي، مما ســيساعد وبشــكل كــبير على تقوية اللغة مع سهولة إقامة مثل هذه الدورات، مع توفر المتخصصين والمتقنين لها. إن خطأ ولحنا وقعت فيه ابنــة أبو الأسود الــدؤلي كــان ســبباً في استنفار أهــل اللغة في ذاك الوقت لمعالجة هذا اللحن مما دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى تبني أسس وقواعد ينحو عليها أبو الأســود الدؤلي في كتابته لقواعد اللغة وهذا منه رضي الله عنــه إدراكا لأهمية اللغة واعتزازا بها وبالمحافظة عليها. وهذا الاعتزاز لا يصدر إلا من كل صاحب لغة يرى في لغته مالا يراه في اللغات الأخرى، وهذا الاعتزاز نراه جلياً عندما أجرى أحد مقدمي البرامج في إحدى القنوات الإنجليزية مقابلة مع رئيس الــوزراء الصيني بحضرة مترجم للطرفــين، فــكان مما سُئل عنه رئيس الــوزراء لماذا لا يتقن رئيس الوزراء اللغة الإنجليزية كونها أشهر اللــغات وأكثــرها شـيوعاً وانتــشاراً؟ فما إن انتهى المترجم من ترجــمة الســؤال حتـى رد عليــه رئيس الوزراء باللغة الإنجليزية قائلاً: (إنني أتقن اللغة الإنجــليزية وأيضا الألمانية والفرنســية ولكن الاعتــزاز بلغــتي يجعلــني لا أرى لهــا بديــلاً). وهــذا مصداق قول حافــظ إبراهيم في رثــائه للغة العربية: أَرَى لرِجَالِ الغَرْبِ عِزَّاً وَمِنْعَةً وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ.

مشاركة :