"كوسو" فيلم رعب سريالي عما بعد الزلزال العظيم بقلم: عمار المأمون

  • 8/8/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الفيلم أشبه بحركات الدادا التي تهدف إلى التهديم والسخرية والتسفيه والمبالغة البصرية إلى حد غثيان المشاهد.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/08/08، العدد: 10716، ص(16)]هلوسات بصرية يصور فيلم “كوسو” Kuso للمخرج الأميركي ستيفن إيلسون، المعروف باسم فلاينغ لوتس، مدينة لوس أنجلس الأميركية أو ما تبقى منها بعد زلزال قويّ دمرها، لتتحول إلى عالم غرائبي، البشرُ فيه أشبه بالناجين من جذام ما زالت آثاره على وجوههم، وكأنهم مسوخ تجاورهم وتقاسمهم حياتهم كائنات من عوالم أخرى، لتتداخل الفصيلتان عبر علاقات جنسية وجسدية تصل إلى حد إنتاج كائنات مسيخة ومقرفة، وهذا ما نرصده في الحكايات الأربع التي يتنقل بينها الفيلم. والحكاية الأولى عن عشيقين ساديين، حيث ينتشي الرجل حين تخنقه حبيبته “ميسي” التي ينمو على رقبتها كائن غريب، أما الثانية فهي عن مغنية حَمِلت من أحدهم وتسعى لإجهاض طفلها بالتعاون مع طبيب معتوه وشريكيها في السكن اللذين ينتميان إلى بعد كوني آخر، والثالثة عن رجل يذهب إلى مدرسة خاصة في الغابة، ما يدفعه إلى قضاء حاجته بصورة لا إرادية ليتحول إلى أضحوكة أمام زملائه، أما الأخيرة فهي عن امرأة مدفونة تحت الأرض تسعى للوصول إلى ابنها الموجود في الجحيم، في رحلة يقودها صرصارٌ يدّعي أنه الإله."كوسو" يقدمه المخرج في شكل مقاطع إخبارية عن الزلزال ونتائجه عبر صور متحركة وكولاجات من البوب آرت هذه الحكايات تسرد متوازية أمامنا بشناعتها وقيحها الذي يفيض من كل تجويف وحفرة، وكأننا نشاهد برنامجا ترفيهيا يقوم مذيع “الرابر باس درايفر” بتقديمه لنا في البداية على أنغام الفيوجن جاز، ساخرا من الأخبار وتغطية الكوارث كونها ليست أكثر من ترّهات، معلنا أن النهاية حلّت وكل شيء انتهى، أما الانتقال بين هذه الحكايات أو الحلقات فهو في شكل مقاطع إخبارية عن الزلزال ونتائجه إلى جانب صور متحركة وكولاجات من البوب آرت والسريالية. ويسخر الفيلم من المجتمع وبنية العلاقات في ظل الرأسمالية الأميركية، هو أشبه بحركات الدادا التي تهدف إلى التهديم والسخرية والتسفيه والمبالغة البصرية إلى حد غثيان المشاهد، وهذه السخرية الهذيانية تهزأ من المؤسسات التي تحيط بنا، كالطب والتحليل النفسي وتحولِهما إلى تجارة، كذلك يحضر التهكم على المؤسسة الفنية نفسها، بوصف الفيلم يشوّه جماليات السينما نفسها وتقنيات المونتاج والسرد، إلاّ أن الانتقاد الأوضح يبرز في محاكاة الفنون البصرية المعاصرة بصورة ساخرة، إذ تحضر مرجعيات ألعاب الفيديو وبرامج المسابقات وفنون الكولاج. والفيلم أشبه بفايروس يضرب الشاشات من حولنا في سبيل تحطيمها، إذ يواجهه الفيلم بالفيتشية الجنسية والعنف والقرف والاستلاب الذي تمارسه “الشاشة” علينا، وكأنه يجبرنا على النظر بعيدا، كحال الشخصيات التي تحاول أن تهرب مما هي فيه، لكنها مأسورة بعوالم الأحلام التي تتجلى فيها الصيغة الفرويديّة بشكل يتجاوز المفهوم التقليدي الأوديبي، حيث تتداخل الكائنات الفضائية والأجساد السايبريّة ضمن سلسلة من هلوسات بصرية مرجعيتها مجتمع رأسمالي ينتهك الجسد ويسلّع حتى سوائله وفضلاته. فيلم “كوسو” أقرب إلى تعليق بصري سادي، منتقدا ذاته حتى بوصفه “قُمامة” على حد تعبير إحدى الشخصيات، أما القسوة واللذة الغروتيسكية التي يحويها فتستمد بعض ملامحها من الدادائيين وبازوليني وديفيد لينش.

مشاركة :