إيران الخميني أدركت حجم المتغيّرات العولمية، والقفزات الكبيرة في مجالي الاتصالات، وتأثيرهما في التواصل، فاتجهت إلى تخصيص قنوات دعائية تلفزيونية وإذاعية باللغتين العربية والكردية.العرب [نُشر في 2017/08/08، العدد: 10716، ص(7)]إيران تدفع ثمن تورطها في العراق عمان - على الرغم من أن الخطاب الإعلامي للعراق وإيران في حرب الخليج الأولى اتسم بالصخب والصوت العالي ودق طبول الحرب والتحريض على الخصم، إلا أن حربا تدوم ثماني سنوات كانت تطور خطابها شهرا بعد شهر. وعلى الرغم أيضا من أن غير المختصين لا يلمسون الفرق بين إعلامين خصمين ولا يستطيعون المقارنة بينهما ولا يعرفون أسرارهما، على وجه الدقة، إلا أن ذلك ليس صعبا على المختصين. يصف المشرف على الدراسات العليا في كلية الإعلام بجامعة البتراء الأردنية، عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد سابقا عبدالرزاق الدليمي لـ”العرب” خطاب الإعلام العراقي، خلال تلك الحرب، بأنه كان خطابا مؤسسيا، تقف خلفه مؤسسات ومراكز أبحاث سياسية عدة عملت بالتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية، أو مع قيادة الدولة، ويقول إن ذلك الخطاب كان امتدادا للقوة الناعمة العراقية، وكانت له مهمات استراتيجية، تتجاوز المنطق الآني للحوادث، ولا تخضع لدلالاته الإعلامية والسياسية المباشرة، وإنما تستند إلى مرتكزات أيديولوجية ثابتة في إطار الصراع الوجودي الاستراتيجي مع الخصوم، وفي مقدمتهم النظام الإيراني والكيان الصهيوني على وجه الخصوص. يتابع أن الخطاب الإعلامي العراقي حاول بناء صورة نمطية للنظام السياسي في إيران، وتكريس تلك الصورة لدى الرأي العام داخل العراق وخارجه، واضعا ذلك النظام موضع الاتهام، بما يتعلق بالمسؤولية عن زيادة التشدد الديني، ودعم المتطرفين، وتمويل التنظيمات الإرهابية، وهي قضايا ذات وزن كبير في الرأي العام الدولي عموما، والغربي على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن تكريس مثل تلك الصورة النمطية أظهر النظام السياسي العراقي بأنه النظام النقيض للنظام السياسي الإيراني، مما رسم النظام الإيراني في ذهن المتلقي متحالفا مع المتشددين والإرهابيين، ويستثمر خطابه لتحقيق مصالحه، بينما النظام العراقي، وعلى الرغم من كونه يمثل دولة علمانية تحترم الدين بنصابه السليم، فإنه يمثل الوجه الآخر، بحيث تقوم سياساته، على رفض المنهج العدواني للنظام الإيراني.عبدالرزاق الدليمي: الخطاب الإعلامي العراقي حاول بناء صورة نمطية للنظام السياسي في إيران يتناول الدليمي الخطاب الإعلامي للنظام الإيراني الناشئ، أيامها، فيقول إن ذلك النظام استغل إمكانيات المؤسسات المحترفة لنظام الشاه محمد رضا بهلوي، لا سيما الدعائية منها لما لها من مكانة مهمة ورئيسة في ترسيخ منزلة الاتجاه الذي اختاره آية الله الخميني في حكم إيران، ومن ثم في مواجهات إيران مع خصومها، وفي المقدمة منهم النظام العراقي، آنذاك، وبناء على هذا الوعي بدور ماكنة الدعاية، وقدرتها الكبيرة في التأثير، فقد حدّثت إيران الخميني مؤسساتها الدعائية الرسمية، وربطتها مباشرة بأعلى سلطة سياسية في البلاد، ومنحت هذه السلطة الحرس الثوري الإيراني دورا رئيسا في قيادة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، فأصبحت مؤسسة كبيرة، وتتمتع بموارد مالية، تسمح لها بالاضطلاع بأدوار إعلامية عدة. ويقر بأن إيران الخميني أدركت حجم المتغيّرات العولمية، والقفزات الكبيرة في مجالي الاتصالات، وتأثيرهما في التواصل، فاتجهت إلى تخصيص قنوات دعائية تلفزيونية وإذاعية باللغتين العربية والكردية، موجهة على طول الحدود العراقية الإيرانية (أكثر من 1200 كم) للتأثير على العراقيين من سكان المناطق الحدودية ولتوسيع قاعدة جمهورها، ومجال تأثيرها في بناء الرأي العام حول سياساتها، خصوصاً مع الجبهات الكثيرة التي خاضت فيها إيران تحدياتها السياسية، وتطلبّت منها بناء خطاب دعائي متعدد المستويات، يتمتع بالقدرة على المناورة، من دون أن يفقد اتجاهاته وثوابته الاستراتيجية. ويلاحظ الدليمي أن التوسّع الدعائي الإيراني أخذ بالحسبان المساحة الجيوسياسية المحيطة بإيران، والتي تتطلب حالا من التوازن في بناء المؤسسات الكفيلة بتغطية تلك المساحة، بما يتلاءم والتحديات التي تفرضها كل دولة من دول الجوار الإقليمي على حدة، التي يمتلك فيها العراق أهمية كبرى، إذ اكتسب الصراع معه أهمية كبرى عقب التداعيات التي شهدتها منظومتا الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، بعد التغيير الذي أحدثه وصول آية الله الخميني إلى سدة الحكم في أعقاب انتفاضة شعبية لم تكن له أو لأتباعه حظوة مهمة فيها، بل كانت انتفاضة للقوى الوطنية للأحزاب البعيدة عن الخطاب الإسلامي التحريفي. ويخلص إلى أن التمايز بين الخطاب الدعائي للنظام الخميني والخطاب الإعلامي العراقي تحكمه عوامل عدة، أكثرها بروزا موقف دول الخليج العربي من السياسات الإيرانية الخارجية، وهو ما منح الخطاب الإعلامي العراقي القدرة على إيجاد مساحات من التناقض بين دول الخليج، واستثمارها في زيادة مساحة التناقض مع النظام الإيراني، وإبراز أن السياسات الايرانية لا تنسجم مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، وأنها تحد سافر للعلاقات الدولية واستقرار المنطقة.
مشاركة :