يعتبر مرض القرحة الهضمية من أكثر أمراض الجهاز الهضمي شيوعاً؛ إذ يصاب بالقرحة حوالي 15% من الأشخاص خلال حياتهم، والقرحة هي عبارة عن تآكل في غشاء المعدة أو الاثني عشر، قد تجعل قرحة المعدة من الحياة أمراً لا يحتمل، فألم المعدة يمكن أن يكون شديداً للغاية، وبحاجة لأن يتم التعامل معه فوراً. بداية نتحدث عن عصارة المعدة التي تحتوي على حمض الهيدروكلوريك الذي يمهد لعملية هضم الطعام، وتحتوي على أنزيم الببسين الذي يهضم جميع أنواع البروتينات، وكان الاعتقاد وحتى سنوات قليلة أن هذه العصارة تقتل جميع أنواع البكتيريا التي يمكن أن تبقى مع بقايا الطعام في المعدة إلا أن اكتشاف بكتيريا الهليوباكتر التي باستطاعتها العيش في بطانة المعدة، بالرغم من الحموضة العالية قلبت هذه الموازين، ذلك أنها تنتج إنزيم اليوريا الذي يؤدي إلى إنتاج الأمونيا كمادة قاعدية تحيد تأثير عصارة المعدة الحامضية. كان اكتشاف هذه البكتريا في 1982 على يد العالمين الأستراليين وورن ومارشال، اللذين أكدا أن سبب معظم حالات قرحة والتهاب المعدة هو هذه البكتريا، وليس التوتر أو الطعام ذا البهارات، كما كان يعتقد في الماضي، ومنحا جائزة نوبل عن ذلك عام 2005. غير أن هذه الفرضية في البداية قوبلت بفتور، مما دعا مارشال للتجربة على نفسه ليبرهن على صحة فرضيته، فتناول صحن بتري محتوياً على مزرعة من العضيات الحية المستخرجة من معدة مريض؛ ليصاب بعدها بالتهاب في المعدة، ومن وقتها صار واضحاً أن 70% من الحالات سببها الهليوباكتر بيلوري. ثمة سبب آخر لتكون قرحة المعدة أو زيادتها، سواء هو تعاطي الأسبرين وأدوية مضادات الالتهاب اللاستيرويدية، التي تستخدم في علاج ألم والتهاب المفاصل، ذلك أنها تثبط عمل الإنزيم سيكلواوكسيغناز 1، وتضر بإنتاج البروستاغلاندينات، وهي مواد حيوية لحماية الغشاء المخاطي في المعدة، ويعتبر الرجال الشريحة الأكثر تعرضاً لخطر الإصابة بالقرح عن السيدات، وتزيد الخطورة بزيادة العمر، كما أن 98% من المصابين بالقرح الببسينية لديهم حساسية بالجهاز التنفسي. وأما المعالجة فتتم بإعطاء المريض نوعين إلى ثلاثة أنواع من المضادات الميكروبية؛ نظراً لتعدد فصائل هذا الميكروب ولمقاومته العالية نسبياً في كل بلاد العالم، وهو ما يعرف اليوم بالعلاج المثلث المكون من المضادات الحيوية الثلاثة: ميترونيدازول، اموكسيسلين، كلاريتروميسين، لمدة أسبوعين. ويعطي سيتراتُ البزموت لتَقليلِ التِصاق البكتريا بالخلايا الجداريَّة للمعدَة وحِماية هذه الخَلايا. ودواء مثبط للحموضة للتّخلص من ألم الشّعور بتآكل المَعِدة كما تستخدم مثبطات مضخة البروتون وهي المضخة الرئيسية المسؤولة عن إفرازات المعدة الحمضية، وتعمل هذه الأدوية (مثل أوميبرازول) كمثبطات لهذه المضخة، وبذلك تثبط إنتاج الحمض في المعدة، ويجب تناول الأدوية قبل الأكل بنصف ساعة، ويستمر العلاج بها لمدة 6 - 8 أسابيع ووفقاً للأعراض. ومن الأعراض الجانبية التي تتعلق بهذه المجموعة التحذير الصادر في عام 2009 من قِبَل وكالة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بشأن الأشخاص الذين يتناولون دواء "كلوبيدوغريل" (يتناوله في الغالب المصابون بأمراض القلب بهدف درء وقوع النوبة القلبية أو السكتة الدماغية) بتجنب تناول دواء "أوميبرازول"؛ لأنه قد يقلل من فاعلية دواء "كلوبيدوغريل" إلى النصف. وفي الوقت نفسه ظهرت بعض الدراسات حول وجود ارتباط بين "مثبطات مضخة البروتون" وبين حدوث الكسور، وخصوصاً في الورك، أي عظم الحوض. ومع ذلك فقد لا تؤدي المعالجة لشفاء المريض كلياً، وتظل بقايا الهليوباكتر في ثنايا غشاء المعدة أو يعود ويصاب المريض مرة ثانية بعدوى جديدة بالهليوباكتر، ولذلك ينصح أن تتم مراقبة حموضة المعدة، وعدم استعمال الأدوية المهيجة لغشاء المعدة. من المفيد أيضاً التأكيد على ضرورة تغيير نمط الحياة؛ حيث ينصح بالاعتماد على نظامٍ غذائيٍّ صحّيٍ خالٍ من البروتينات التي تعمل على زيادة إفراز عُصارات المَعِدة، وذلك، على الرَّغم من فائدة هذه البروتينات للجسم، إلّا أنّه يُفضّل تجنّبها للوقاية من تأزّم القرحة، خاصة الألبان ومنتجاتها، ذلك أن الاعتقاد السابق بأن منتجات اللبن في المراحل الأولى من علاج القرحة تعتبر مهمة لوقاية الغشاء المخاطي للمعدة هو على النقيض قد يؤدي إلى تدهور الحالة بشكل مضاعف، وينصح بالاعتماد على الطّعام المسلوق كالبطاطس والجزر وغيرها، ممّا قد يُفضّله المريض، والاعتماد على وجباتٍ صغيرةٍ ومتقاربةٍ مثل خمسِ وجباتٍ صغيرةٍ يوميّاً مُوزّعةً على مدار اليوم، وهو الأمر المتسق مع حديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". تناول كمية كافية من الماء كل يوم فهو يساعد على التخلص من الكلورين الذي يساعد في زيادة إفراز الحمض. تعتبر الدهون مفيدة لمرضى القرحة؛ لأنها تؤخر من تفريغ محتويات المعدة، علاوة على أن وجود نواتج هضم الدهون في الاثني عشر يحفز إفراز هرمون الانتروغاسترون الذي يقلل من إفراز العصارة المعدية. ولكن يجب التقليل من تناول الدهون المشبعة واستبدالها بالدهون المتعددة عدم التشبع، وبالتالي يجب الإكثار من تناول الأحماض الدهنية غير المشبعة مثل أوميغا 3 والأوميغا 6؛ حيث إن لها تأثيراً واقياً، وذلك إذا كان مستوى الدهون بالدم مرتفعاً. وعلى الرغم من ضرورة تجنب تناول الأطعمة المولدة للغازات؛ لأنها تحدث انتفاخاً وتزيد من الشعور بالآلام، فإن الكرنب غير المطهو مفيد جداً في علاج القرحة؛ حيث يحتوي على الجلوتامين واس ميثيل ميثيونين. كما أن الزنجبيل بديل عن الرانتيدين والسيمتيدين والفاموتيدين، وهي الأدوية الشائعة في علاج القرحة ويمكن تحليته بعسل النحل، مما يزيد من التأثير المضاد للبكتريا، علاوة على أهمية عرق السوس الذي اعتبره الدستور الألماني مع بعض الدساتير العالمية الأخرى أحد الأعشاب الهامة في علاج أمراض كثيرة، ومن أهمها قرحة المعدة والاثنا عشر بالجرعات المعتدلة حتى 3 أكواب من المنقوع، فضلاً عن البابونج والثوم (9 فصوص يومياً)، والرمان الذي أوصى به النّبي لآلام المعدة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "كلوا الرمان بشحمه فإنّه دباغ للمعدة"، وجاءت الدراسات العلميّةُ الحديثة لتؤيد ذلك. ومن المفيد أيضاً تجنب التدخين؛ حيث إنه يزيد من إفراز الحمض المعدي ومن الحركات التقلصية لعضلات المعدة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :