عمان ـ في احتفالية تكريم نوعي، حضره جمهور غفير من المثقفين، في رابطة الكتاب الأردنيين التي أدارها وقدمها عبدالمجيد جردات، متحدثا عن إنجازات الأديب صبحي فحماوي في الرواية والقصة والأقصوصة، والمسرح، والنقد، تحدث أ. د. محمد الشنطي فقال: لا يذكر صبحي فحماوي إلا ويقفز إلى ذهني نجيب محفوظ.. إذ استطاع فحماوي في فترة زمنية محدودة نسبيا أن يقدم لنا نتاجا روائيا خصبا ومتنوعا وثريّا، فعبق المكان بنتشر في أجواء عالمه الروائي، سواء كان في الأراضي المحتلة أو في المخيمات والحواري والمناطق الشعبية أو الأحياء المخملية في الأردن وفي العاصمة عمّان أو في المنافي، وإلى جانب المكان وروحه ونكهته هناك رحلة الزمان، كل ذلك في لغة سردية خاصة تنطوي على مآس ذات طابع درامي وملحمي. ولعل أهم ما يميزها ربط البعد الفلسفي بالواقعي بالتاريخي بالإنساني، ففي روايته "الحب في زمن العولمة" تمتد أكثر من وشيجة فلسفية إنسانية عبر محور العولمة وتنعقد الأواصر بين التفكير الخرافي والروح الشعبية والواقع الوطني والقومي. وفي رواية "سروال بلقيس" يتقاطع البعد الحسي للغرائز البشرية مع البعد السياسي والوطني والنسوي البشري والحيواني من خلال رؤية واقعية لا تخلو من مسحة فلسفية أخلاقية وإنسانية. وكذلك الحال في رواية "حرمتان ومحرم" حيث التيه الذي تمخضت عنه مأساة جيل بكامله ضاع في فيافي الصحراء، باحثا عن حطام إنسانيته (أبومهيوب وماجدة وتغريد). أما روايته "على باب الهوى" فهي تصور الاغتراب في متاهات المدن الأوروبية. وفي روايته "صديقتي اليهودية" يتبدى أفق رؤيا حضارية إنسانية تتجاوز السطح السياسي إلى عمق ثقافي غائر عبر الحوارات التي دارت بين جمال وصديقته اليهودية، حيث النبش في نخاع العقدة التاريخية التي تزاوجت مع المصالح السياسية لتسفر عن المأساة العربية المعاصرة. أما باكورة الإنتاج الروائي لصبحي فحماوي ممثلا في "عذبة" التي صدرت عام 2005 فيزاوج بين الرؤية الفلسفية والسياسية، من هنا كانت أعمال أديبنا فحماوي ذات خصوصية مميزة في مختلف المجالات، وذات آفاق جمالية ولغوية وموضوعية وفلسفية خصبة، تحمل بصمته الفنية والفكرية والإنسانية والوطنية، مما تضيق عنه هذه الكلمة المتواضعة. كما تضيق عن ذكر ملامح شخصيته الإنسانية بالغة الثراء والشفافية. وبعد الشنطي قدم مدير الحفل عبدالمجيد جردات المتحدثة الثانية د. ماجدة صلاح من جامعة الزاوية (ليبيا) التي قدمت ورقة بعنوان "التقنيات الفنية في روايات صبحي فحماوي" قالت فيها: إن أعمال الأديب صبحي فحماوي الروائية متجددة، وذلك بفضل ما تحمله من مضامين هادفة ورسائل سامية تمس المواطن العربي بصفة عامة، والفلسطيني على وجه الخصوص، وقد أخذ الروائي على عاتقه النبش في التاريخ وإعادة صياغة تاريخ القضية الفلسطينية، وفضح المسكوت عنه، وتعرية الواقع مما منح رواياته طابعا مختلفا، فهي تغري القارئ بإثارتها الأسئلة أكثر من اهتمامها بالإجابة عنها. بفضل خبرته وتجربته وذائقته الجمالية وتمكّنه من أدواته الفنية. من يقرأ روايات فحماوي يمكنه أن يكوّن فكرة عن أسلوبه الخاص الذي انتهجه في كتاباته، وأصبح يميّزه عن غيره، حيث عناوين رواياته محفّزة غرائبية، بعضها ذات دوال واضحة، ومدلولات مستعصية مستترة، ترغم القارئ على الدخول إلى عالم الرواية لاكتشاف التعالق بينها وبين النص، واستجلاء دلالته، كـ "صديقتي اليهودية"، و"سروال بلقيس" مثلا... وكذلك، الإهداءات والتصديرات التي يختارها وينتقيها عن وعي تام لشخصيات مرموقة لها وزنها؛ لتصب في إطار رؤيته، وتدعم فكرته، وتهيء القارئ للولوج إلى فضاء الرواية. وتحظى المرأة باحتفاء كبير في رواياته، تظهر في غالبيتها بصورة مشرّفة، ونماذج للمرأة المكافحة، الصابرة كبلقيس وحمدة، وتغريد وماجدة. ولا يغفل الروائي البعد النفسي للشخصيات، القلق والصراع الداخلي والتوتر. ويعتمد الكاتب على السخرية كأسلوب مراوغ ومفاجئ، يرسم بلغته الساخرة صورا كاريكاتورية تعبّر عن واقع بائس، تعريه وتفضحه، ويجيد فحماوي التلاعب باللغة التي تسلم له نفسها طائعة لينة ليشكّلها ويرسم بها لوحاته، ويصوّر من خلالها مشاهده التي يغلب عليها السخرية المضحكة المبكية. وأضافت د. ماجدة صلاح أن كل رواية من رواياته تشكّل موسوعة ثقافية، يخرج القارئ من فضائها محمّلا ومزوّدا بمعلومات متنوّعة في مختلف مجالات المعرفة، إذ تعد رواياته موسوعة معرفية بنكهة أدبية بامتياز. مما يشي بثقافته الواسعة. وهناك تنوّع في أسلوب بناء الحكاية من رواية إلى أخرى. ومما قاله أ. د. عبدالرحيم مراشدة: أن هذه العجالة لا تحتمل تغطية الجوانب الفنية والموضوعية في أدب صبحي فحماوي الأكثر رحابة وتعبيرا عن كثير من الأجناس، والأكثر تمثيلاً للحياة والكون والعالم. ففي روايته "عذبة" اختراق للحدود والجغرافيا الضيقة، وذلك في أفق مختلف واستخدام مسارات حكيمة مختلفة، في ضرب من الدراية والكفاءة المعرفية الناقدة، فهو ينشد الذات العربية القومية، والإنسان والحياة، ويكشف عن عالم يظل بحاجة للكشف، وهو لا يتوجه بنصه "السهل الممتنع" إلى النخبة، بل إلى العامة. وكأني به يسعى إلى تأسيس فضاء إبداعي خاص ببصماته فضاء لا يحصره في نمط واحد في روايته الاجتماعية بامتياز.. الرواية الحضارية.. خاصة في رواية "صديقتي اليهودية".. الرواية الغرائبية والعجائبية ورواية الخيال العلمي مثل روايته "الإسكندرية 2050"، والرواية التي تصب في اتجاه الأيدولوجيا والحداثة الإنسانية. ومثل روايته "الحب في زمن العولمة". وفي معظم رواياته العشر حتى الآن، نجد للأم والمرأة بشكل عام حضورا هادئاً نظيفا وجميلا في آن. ورواياته تحاول نقد الواقع والنهوض به وتعديله. إن إبداعات فحماوي تؤسس لخطاب نصي أكثر وعيا وتأثيراً في الحياة والكون والإنسان. وفي كلمته، قال د. نضال الشمالي إن صبحي فحماوي خطاب متجدد، إذ لا يمكن اختصار تجربة أدبية لكاتب مثله غزير الإنتاج في صفحة واحدة، كاتب يطوّف بين الرواية والقصة والمسرحية والمقالة. إذ شكلت قضية الوطن في حاضره وماضيه قبلة لصبحي فحماوي. وتتوسل كتاباته فكرة الحوارية في مستوياتها العميقة حيث نقرأ التخالف والتعارض والتمرد، فنجده تارة يمسح الغبار عن حقائق ضاربة في القدم ويقدمها مدهشة مقنعة للقارئ كما لمحنا ذلك في "قصة عشق كنعانية"، وأحيانا يجّلي الواقع المعيش في "حرمتان ومحرم" وغيرها، وتارة يتورط في استشراف المستقبل وتوقع ملامحه، كما في "الاسكندرية 2050". وهو يوظف خطاب السخرية القائم على فكرة المفارقة والإدهاش والنقد اللاذع لمجريات الواقع، تنطلق من توفر الساخر على روح اللامبالاة والذكاء الحاد وقوة المخيلة، فصبحي يحاكم الواقع ويعيد تصويره من بوابة السخرية لمقاومة الظلم ومحاربة القمع والقهر. وتحت عنوان "بعض ملامح الأقصوصة عند صبحي فحماوي" تحدثت د. دلال عنبتاوي عن ثلاثيته الموسومة بعنوان شامل "ألف أقصوصة وأقصوصة" والمتضمن مجموعات أقصوصات "مواقف"، "كل شيء للبيع"، "قهقهات باكية" فقالت: إن الظواهر الأسلوبية لهذه الأقصوصات مثل؛ اللغة، المفارقة، الجملة الشعرية، وغيرها كثيرة، فالأقصوصة لديه تكون شديدة الامتلاء وكل ما فيها من حدث أو حوار أو شخصيات يجيء عالي التركيز، ويتحلى بمتعة عالية، مرسوما بقلم كاتب متمكن من الأداء اللغوي، والفني، ومن أساليب السرد، وعنده رؤيا يقدمها في الحياة والمجتمع، وفي جوانب الفكر والسياسة، وما إلى ذلك، مما يجعلها تبدو محيرة وملتبسة، إضافة إلى تركيزها على التقاط الكلمات التي توصل الفكرة، والموقف الذي يريد القاص أن ينقله للمتلقي، إذ يقول في قصة "تعري": "تتعرى الأشجار للمطر، كي تشبع شهوة الشتاء بتدليك أجسادها" وفي قصته "من دفتر مذكراتي المدرسية": "تأخرت عن الذهاب إلى المدرسة، لأنها تأخرت في المرور أمام بيتنا إلى مدرستها." وفي أقصوصته "أمهات" يقول: "قالت صديقة الأم: لاتزوجيها صغيرة. فقالت الأم: البنات يولدن من بطون أمهاتهن أمهات". وهنا وظف القاص الحوار، أكثر الأساليب جذبا من السرد، إذ يبدو القارئ كما لو كان مسترقا للسمع، ويمكنه معرفة ما يجري بين الشخصيات مباشرة دون اللجوء إلى الراوي. وفي ورقة بعنوان "صبحي فحماوي مسرحياً" قالت د. مريم عفانة إن البعضَ لا يعرفُ أن بدايةَ ثقافة صبحي فحماوي كانت مسرحية. وأنه تعلم "الدراما الروائية" التي تشدنا في كل رواياته وقصصه، من "الدراما المسرحية". وأنه نال الجائزة الأولى وميدالية ذهبية في التأليف المسرحي من جامعة الإسكندرية، وهو لا يزال طالباً، على مسرحية بعنوان "ثورة فلاحين"، وأنه قد حصل عام 2014 على "جائزة الطيب صالح العالمية" على مسرحية بعنوان "حاتم الطائي المومياء" ولم يتم له تكريم أردني على ذلك، أو الالتفات لتمثيل إحدى مسرحياته، إذ أنه كتب سبع مسرحيات ومشاهد مسرحية جمعها في مجلد واحد .وهي مثل رواياته تربط الماضي بالحاضر كما في المسرحية المذكورة أو ترسم المستقبل مثل مسرحية مونودراما "الصناديق العملاقة". وفي النهاية لا أملك سوى تقديم تحية تقدير واحترام لهذا المهندس الأديب المتعدد المواهب، في الرواية، والقصة، والأقصوصة، والمسرح، والنقد الأدبي. وقبل النهاية قال فحماوي تحت باب "محاولات" إنه حاول أن يرسم ابتسامة على شفاه القراء، لعلها تدخل إلى قلوبهم المحشوة بالمأساة العربية. وأن يكون ناطقاً شعبيا باسم المظلومين من الناس. كل الناس. وليس العرب وحدهم. وأن يرسم مأساة فلسطين، وأن ينذر بضرورة حماية عامة للناس والبيئة من دمار الرأسمالية المتوحشة، والتي لا تعرف حتى مصلحة نفسها، إذ تحرق وقود أحفورات الأرض، وتصنع الأسلحة المحرمة دوليا. وتقذفها قنابل وصواريخ غير عابئة بدمار الحياة على الأرض. وأن رسالته هي حماية الطبيعة الساحرة الجمال، من دمار الإنسان، الذي لا يستحق الحياة على جناتها المذهلة "لو تتأملون.."، والتمتع بالحياة، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان، بدون تحزب أو تناطح، رافضاً استخدام السلاح من قبل المحتلين الغرباء للسيطرة على بلادنا بالقوة. وفي النهاية سلّم الدكتور ربحي حلوم ممثل رابطة الكتاب الأردنيين درع التكريم، وقال إن تكريم قامة كبيرة هو صبحي فحماوي يأتي متأخراً إذ أن مؤلفاته النوعية والغزيرة كانت تستدعي تكريمه منذ وقت طويل.
مشاركة :