قصيدة محمود درويش تلامس جراح الراهن العربي

  • 8/9/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن ها هو محمود درويش في الذكرى التاسعة لوفاته، يحضر روحاً متألقة عند محبيه وأصدقائه، ويحضر كقصيدة جديدة ويانعة، لا يزال لها وهجها، كما يحضر كرؤيا ساطعة، في عز انشغال الشعوب بقضاياها العربية، ويحضر أكثر على بوابات قصيدة تلامس جرحه المعتق، الذي ما زال طازجاً والغاصب المحتل هو هو يرتع في الأرض، فيهوّد ويقتلع، ويعربد، ويقتل ويرهب.تنبه محمود درويش في عز ثورته الشعرية، إلى مديات العنف التي كانت نهجاً يمارسه العدو الصهيوني، في الأرض والشجر والإنسان، وكان يدرك تمام الإدراك، بل ويعرف عن تجربة ومعايشة، أن مثل هذا العنف المكشوف، إنما يصدر عن إرهاب مبرمج، وحاقد، ونازي، وهو الذي وعاه في كثير من قصائده التي حللت هذه الظاهرة، وحاججتها وكشفت عيوبها، بل وعرّت هذه الشخصيات الحاقدة المريضة، فأقلق هذا العدو، وأقض مضجعه، وأربكه، ولعل في هذا المفصل بالذات، ما كان يرشد قارئ قصائد درويش، إلى المؤامرة على الأرض والإنسان، وهي مؤامرة لم تكن حصراً على أرضه الفلسطينية، فحسب، وإنما كانت بكل تأكيد ترمي إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو الذي جعل لقصائده نكهة خاصة، نكهة تمزج ما بين شعريتها العالية، وما تود أن تقول بصريح العبارة، وهي الرؤية التي توقف عندها كثير من النقاد، فبينوا ما فيها من خصائص وميزات تستشرف الواقع العربي، وتتفحص مشكلاته وقضاياه.لكن، من جانب آخر، هل تسنى لنا أن نكتشف درويش بحق؟ وهو سؤال بالضرورة مفتوح على ذاكرات كبار الشعراء العرب من السياب، وقباني ودنقل وعبد الصبور وغيرهم.في الحقيقة، لا يزال درويش، كما هو حال أقرانه من هؤلاء الشعراء، بعيداً عن هذا المجد، وبعيداً عن هذه الرفاهية، فنحن لم نتفحص ما عنده من معان ودلالات وصور، وإنما انخرطنا في التنظير الفج للحداثة، وجلسنا في ظلال معركة لم تنته، ولن تنته أبدا، ذلك أننا لم نعد قادرين على استخدام حواسنا، أو الاقتراب أكثر من معنى وجودنا كبشر حالمين، وتواقين إلى الحب والحرية، كما أننا لم نعد -وهو شيء يدعو للأسف- تلك الكائنات الشفيفة، كما ينبغي لطائر أن يغني قطرة ماء تنساب بدلال على غصن شجرة.في الذكرى التاسعة لفقده، لم يتجاوز درويش حدود القاعات الفسيحة التي تقرأ شعره، من دون أن تغامر في اكتشافه، ومن دون أن تخلق عالما موازياً لنكهة القصيدة وهي خارجة من حنجرة لا تعرف المستحيل.نحن لم نكتشف مثلاً، أن الراحل درويش كان شاعراً عربياً جامعاً، وليس فلسطينياً فحسب، ففي حوار سبق وأجرته معه صحيفة «ليبراسون» الفرنسية تطرق فيه لمواضيع مختلفة.. وقال «إن تاريخ فلسطين هو تاريخٌ متعدِّدٌ، إنه تاريخ يجمع ما بين سكان أرض الرافِدَين والآشوريين والمصريين والرومانيين والعرب، ولاحقاً العثمانيين».لقد استوعب درويش أهمية أن يكون الشاعر مثقفاً قبل ارتياد فضاء الشعر، وهو الذي جعله بحسب نقاد كثيرين، شاعراً متفرداً، وصاحب تجربة شخصية ملتحمة بهموم الناس، وصحيح أنها تنطلق من مفردة الوطن أو الأرض أو الفلسطيني، إلا أنها بكل تأكيد مفتوحة على حوار إنساني لا يفصل بين الخاص والعام، بل إن معظم مفرداته الشعرية إنما تنفتح على نوع من الصوفية التي لا تغلق أبوابها أمام المعنى، فكما كانت الأرض في شعره تتجاوز فلسطين إلى رمزية هائلة من الدلالات والأساطير، كذلك هي فلسطين، وكذلك هي (المرأة - الأم) التي تتوزع على خريطة من الدلالات التي تهجس بالشعر والمعنى في سياق واحد.. كأنه ينشد وحدة وجودية تسع البشر من دون أن يخالط ذلك أي شك.مثل هذه الشعرية التقطها د. صلاح فضل في كتابه النقدي «محمود درويش.. حالة شعرية» الذي رأى أن درويش هو شاعر حداثي بامتياز، فقصيدته تتميز بتعبيرية شعرية، تتجاوز المعنى العادي المألوف، نحو فضاء من التراكيب والجمل والإحالات والمفردات واللغة المتفردة التي تضيف للشعر شعراً آخر وتضع قارئه على تخوم الملحمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.ما الذي يتبقى من درويش بعد موته؟ تظل قصائده التي آن الأوان لكي نعيد قراءتها من جديد، وأن نصغي أكثر لوقع كلماته على صفحة الورقة، مطلوب أن نعيه، ونعي قصائد غيره من الشعراء، لا أن نتذكرها كمناسبة عابرة جافة لا تليق بالشعراء.يتبقى من درويش كلمة «حب» قالها يوماً ومضى، وما زالت تتردد:كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة                                             وجدنا غريبين يوماً وكانت سماء الربيع تؤلف نجماً.. ونجماً                                            وكنت أؤلف فقرة حب لعينيك.. غنيتها!                                             فعين تنام لتصحو عين.. طويلا وتبكي على أختها                                             حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر معاً نصنع الخبز والأغنيات                                             أحبك حب القوافل واحة عشب وماء وحب الفقير الرغيف!.                                             كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة وجدنا غريبين يوما                                             ونبقى رفيقين دوما.

مشاركة :