يشعرك كتاب «الجهل المقدّس» لأوليفييه روا أنه يعيش معك، على الرغم من أنه يرصد مدى التعقيدات الاجتماعية في الصراع المسيحي- المسيحي الذي راح ضحيته ملايين البشر إلا أنه يواجه نفس الفرضية الطائفية الدائرة بين الدين والواقع في مجتمعاتنا العربية. وكأن التاريخ لا يدّخر وسعاً كلما وجد الفرصة سانحة لإعادة نفس السيناريو الطائفي «الأبله» الذي تحوّل بسبب تكراره ليس إلى مأساة فحسب، وإنما إلى مهزلة، فهل يجب علينا تمثيل المسرحية التاريخية الدموية من جديد دون أن تعلمنا التجارب شيئاً؟!، مثلنا في ذلك مثل كل الشعوب ذات الذاكرة المثقوبة التي لا تتذكّر من التاريخ سوى أنه لا يمكن التعلّم منه (هيجل)!، من الطبيعي أن ينطلق «الإسلام السياسي» في صراعه مع «الآخر» من رغبته في تحويل جميع الناس لمتديّنين وفق طائفته، لأنه لا يستطيع الدخول في قلوبهم ليضمن صدقهم يكتفي مضطراً- بقبول شكلانية الدين كمظهر اجتماعي عام. الغريب أنه يفعل ذلك في الوقت الذي يعتقد فيه أن حقيقة الدين ليست شكلية!. هذه المواجهة بين الاعتقاد والواقع تؤسس لمنهجين: الأول يريد وقعنة الدين، والآخر يرغب في تديين الواقع. لهذا بقيت المجتمعات المتديّنة مستسلمة ليس لمتغيرات الواقع، وإنما لمتغيّرات مظاهر التديّن، سواء في زمن الزاجل، أو في عصر الإنترنت الذي يهرول مسرعاً نحو تمييع الهوية. عربياً، مع كل يوم يتّسع الخرق على الراقع، لكنّ حرّاس «الجهل المقدّس» لا يكترثون إلا بحصّتهم اليومية من الفردوس المؤجل، فيرمون الحياة بنيرانهم ليحرقوها، ويجلسوا على رمادها باسم «الله» الذي يؤمن جميعهم بأنه رمز للسلام والمحبة!. هذه النتيجة تعيدني من جديد لأوليفييه روا في كتابه الآخر (تجربة الإسلام السياسي) حيث يفترض أنّ «الطائفية» تمخّضت من الإصرار على المصاهرة بين الدين والحياة.
مشاركة :