الجزائر تحت نيران الحقد الإخواني والسلفيالتجربة الإسلامية الجزائرية تمثّل مادة خصبة ومفيدة لتبيّن مدى العنف الذي يمكن أن تصله التيارات الإسلامية، وعلاقة هذه التيارات بالدولة. وعلى الرغم من مرور عقدين على العشرية السوداء، إلا أن الإسلاميين في الجزائر بمختلف أطيافهم، ما زالوا يعدّلون مواقفهم على تلك اللحظة، وعلى أساسها يكنّون العداء لكل ما ترمز إليه الدولة ومؤسساتها ورموزها وشخصياتها.العرب حميد زناز [نُشر في 2017/08/09، العدد: 10717، ص(13)]عداء دفين للدولة وللمؤسسات لم يحضر إخوان الجزائر جنازة السيد رضا مالك فحسب بل منهم من ابتهج برحيله وعبّر عن ذلك دون حياء على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. فلماذا كل هذا الحقد على هذا المفكر والكاتب والمناضل الكبير الذي التحق بالثورة التحريرية وهو في ريعان شبابه؟ لماذا كل هذا النكران لرجل كان الناطق الرسمي للوفد المفاوض في اتفاقيات إيفيان التي استقلت على إثرها الجزائر التي يريدون أسلمتها اليوم، متناسين أن أجدادهم الإسلاميين كانوا في أغلبهم عملاء للاستعمار ولم يلتحق بعض الأفراد منهم بالثورة الجزائرية إلا مكرهين وبعد سنتين أو أكثر من اندلاعها؟ ليذهب الإخوان وغيرهم من الإسلاميين ليطلعوا بالصوت والصورة كيف يخبرهم على الإنترنت أحد مفجري ثورة الجزائر محمد بوضياف كيف رفض أسلافهم المشاركة في الثورة حينما طلب منهم ذلك، ذاكرا بالاسم كل من العربي التبسي والبشير الإبراهيمي، وهما من زعماء جمعية العلماء المسلمين التي يعتبرها الإسلاميون زورا وكذبا بأنها مصدر الثورة الجزائرية. يضمر الإخوان والإسلاميون بكل أطيافهم حقدا على رضا مالك لأنه رمز الحداثة التي وقف رجالها وقفة بطولية أمام مشروعهم القروسطي الظلامي. ولم يتوقفوا عن تنمية الكره والحقد بين صفوف أتباعهم منذ العام 1992 تاريخ إيقاف المهزلة الانتخابية التي كادت أن تقدم البلد على طبق من ذهب إلى مغامرين استغلوا سياسيا عواطف الناس الدينية، والذين لم يعقد حزبهم الإسلاموي مؤتمرا واحدا ليعرف الناس ما كان يريد أن يفعل بالبلاد والعباد. لم يهضم الإسلاميون في الجزائر أبدا، وعلى رأسهم الإخوان، عدم سقوط الجمهورية بين أيدي إخوانهم في جبهة الإنقاذ الإسلامية ويمر ربع قرن بكماله وتمامه على ضياع فرصة العمر بالنسبة للإسلاميين في العالم العربي التي حرمهم منها إيقاف ذلك المسار الانتخابي المجنون في الجزائر، ولا يزال الإخوان وحلفاؤهم المتأسلمون يتحدثون بمناسبة وبغير مناسبة عما يسمونه في لغتهم المفخخة “انقلابا عسكريا” و”انقلابا على الشرعية” وغيرها من العبارات المؤججة للصراع والتي تريد أن تعيد عقارب الساعة إلى 25 سنة مضت محاولة ابتزاز السلطة في الجزائر بالطعن الدائم في شرعيتها.الإخوان والإسلاميون بكل أطيافهم يضمرون حقدا على رضا مالك لأنه رمز الحداثة التي وقف رجالها وقفة بطولية أمام مشروعهم القروسطي الظلامي وقد تم تأسيس قناة “المغاربية” في لندن من قبل قطر وآخرين، وهي قناة موجّهة خصيصا للجزائر وأهديت للإخوان الجزائريين وجبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة من أجل إعادة تسويق الأصولية في الجزائر، ومنذ تأسيسها في العام 2012 والقناة تحاول إعادة الاعتبار للإسلاميين بعدما هزموا عسكريا ورفضوا سياسيا، إذ لا يمر أسبوع دون أن تعطي القناة الكلمة لعلي بلحاج وتقدّمه كنائب لعباسي مدني رئيس الجبهة الإسلامية الوهمية المقيم منذ سنوات في الدوحة تحت حماية وكرم النظام القطري ولكن حينما نعرف السبب يزول العجب: أليس ابن عباسي مدني هو مالك قناة “المغاربية”؟ ألم تؤسس القناة لتبرئة الإسلاميين من الجرائم الوحشية التي ارتكبوها خلال عشرية كاملة ومن أجل ماذا؟ وقد صرح الصحافي غاني مهدي بأنه غادر قناة المغاربية بسبب سيطرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة والإسلاميين عموما على خط تحرير القناة ويقول في تسجيل على موقع يوتيوب إن الهدف من القناة هو العمل على عودة الفيس (الجبهة الإسلامية المحظورة) إلى الحياة السياسية في الجزائر. وفي الحقيقة لم تقصّر البنت الصغرى للجزيرة وانحازت قلبا وقالبا لقطر في الأزمة التي تعيشها مع جيرانها. وجنّدت الإخوان المقيمين في أوروبا وفي البلدان العربية للدفاع عن سياسة النظام القطري الإخوانية والوقوف معه ضد ما يطلقون عليه “حصارا”. واستغل إخوان الجزائر الأزمة الخليجية الحالية ليجددوا ولاءهم لقطر كغيرهم من إخوان العالم. قطر التي أنفقت المليارات في محاولة يائسة لإيصالهم إلى الحكم في كل البلدان العربية. وقد شاهدنا مهرجانات تأييدية للدوحة طيلة الأسابيع الماضية في أوروبا. وقد رأينا ردة فعل إخوان الجزائر اللاعقلانية حينما وصف السفير السعودي في الجزائر حركة حماس بأنها حركة إرهابية، في حين أنهم لا ينبسون ببنت شفة حينما يتهم إخوانهم السلفيون السلطة الفلسطينية ظلما بالخيانة والعمالة لإسرائيل. ولكن ماذا يمكن أن ننتظر من هؤلاء المنضوين تحت لواء حزب “حركة مجتمع السلم” والذي اختصر في ثلاثة حروف وبات معروفا بـ”حمس″، وكل ذلك تبركا بحركة حماس الأصولية المصنفة إرهابية رسميا لدى أكثر من جهة عربية ودولية؟ ربما سيقول قائل وما الفرق بين جبهة الإنقاذ المحظورة وحمس إذن؟ لا فرق جوهريا بينهما في الهدف على الإطلاق، والفرق الوحيد بينهما تكتيكي لا أكثر، فملة الأصولية واحدة. فلئن كانت جبهة الإنقاذ تريد إسقاط النظام الجمهوري وإقامة الدولة الدينية حالا، فإن حركة مجتمع السلم (حمس) تريد أن تفعل نفس الشيء على المدى الطويل ولأنها اقتنعت بالتجربة بأن لا أمل لها في الوصول إلى الحكم عن طريق العنف في الجزائر. باتت تسلك طريق ممارسة الضغط النفسي والابتزاز الغيبي على الجزائريين ليتأسلموا مع الوقت ويصبحوا بالتالي لقمة انتخابية سائغة لأوهامها. وليس هذا فحسب بل يساند إخوان الجزائر منظمة حماس في محاولتها لإيجاد موطئ قدم لها في الجزائر وفتح مكتب بالعاصمة الجزائرية ليتمكن زعماؤها من الاستشهاد بأجساد وأرواح غيرهم من فنادق الجزائر الفخمة بدل الدوحة.
مشاركة :