مسلسل "مستر روبوت" الفائز بجائزة إيمي بإشادة قراصنة إلكترونيين حقيقيين، وذلك لدقته في تقديم التفاصيل التقنية لعمليات القرصنة. الكاتب كور أدانا، مؤلف هذا العمل والمشرف على إنتاجه، يشرح لنا كيف نجح المسلسل في تحقيق هذا الهدف، ولماذا لا تقدم الأعمال الأخرى التفاصيل الخاصة بعمليات الاختراق الإلكتروني على نحو دقيق. عندما كنت في الصف السادس، كلفت مدرستنا السيدة مينيغر صفنا الدراسي بمشروع بحثي مستقل، وهو تقديم عرض لأي موضوع يحلو لنا. وقد اخترت موضوع "القراصنة الإلكترونيون". وعندما حان وقت تقديم العرض، صادفت ذات المشكلة التي يكافح مخرجو الأعمال السينمائية والتلفزيونية، والمشرفون على تنفيذها لإيجاد حل لها منذ نحو 30 عاماً وحتى الآن؛ وهي كيف يمكن أن نجعل اللقطات التي تُصور عمليات القرصنة الإلكترونية جذابة من الناحية البصرية؟ وانتهى بي المطاف وقتذاك إلى الاستعانة بمشهدين من فيلمي "وور غيمز" (ألعاب الحرب) و"هاكرز" (قراصنة إلكترونيون). وقد استعنت بالمشهد الأخير مرة ثانية بعد ذلك بسنوات، وتحديداً في الموسم الأول من مسلسل "مستر روبوت"، عندما ظهر اثنان من أبطال العمل وهما يشاهدانه في الفندق الذي أقاما به وهما في طريقهما إلى مؤسسة "ستيل ماونتين" لأمن المعلومات. وفي نهاية العرض الذي قدمته، قالت لي السيدة مينيغر "القرصنة الإلكترونية لا تبدو على هذه الشاكلة في الواقع. ما رأيناه يشبه إحدى ألعاب الفيديو". وقد كانت المعلمة على حق، رغم أنها لم تكن تعرف شيئاً البتة عن مسألة أمن الشبكات. كيف تحمي نفسك من جرائم الإنترنت؟ حدث ذلك في منتصف تسعينيات القرن الماضي. أما اليوم، فقد أصبح الجمهور أكثر معرفة ودراية بالتفاصيل الفنية لمثل هذه الأمور. فهم يقضون أوقاتاً طويلة وهم يتعاملون في حياتهم الواقعية مع هواتف، وأجهزة لوحية، وحواسيب محمولة. كما أن لدى هؤلاء فكرة أفضل من نظرائهم ممن عاشوا في عقود سابقة، بشأن ما هو ممكن في عالم التكنولوجيا، وكيف تعمل التقنيات المتطورة على أرض الواقع. فضلاً عن ذلك، نحن نعيش في عالمٍ يشهد هجمات تستخدم برامج خبيثة لإجبار أصحاب الأجهزة التي تخترقها تلك البرامج على دفع فدى، ونرى غارات تشنها طائرات بدون طيار مُسيّرة عن بعد، وعمليات احتيال عبر شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى أنشطة لاختراق قواعد البيانات، تبلغ من القوة حداً يجعلها قادرة على التأثير في الانتخابات. مصدر الصورةUSA NetworkImage caption يدور مسلسل "مستر روبوت" حول قصة المهندس إليوت، وهو متخصص في أمن الفضاء الإلكتروني يواجه مخططا لـ"قراصنة ذوي أهداف سياسية واجتماعية" بهدف إلحاق أضرار جسيمة بمؤسسة كبيرة جدا وبمرور الوقت، أصبح من الصعب جدا أن يتغاضى المشاهدون عن عدم دقة المخرجين في تصوير عمليات القرصنة الإلكترونية والتفاصيل الأخرى الخاصة بالتكنولوجيا الحديثة. على أي حال، يمكن أن نستعرض فيما يلي نماذج لأبرز الأعمال التي وقعت في مثل هذا الخطأ: فيلم "ساورد فيش" : في هذا العمل نرى جون ترافولتا وهو يجبر الشخصية التي يجسدها هيو جاكمان على اختراق نظام معلومات يخص وزارة الدفاع في أقل من 60 ثانية فقط. ونرى في الفيلم مؤثرات بصرية رديئة، تُظهر فيروسات، وتصور محاولات لتأكيد الهوية عند الولوج إلى حسابات سرية، أو أجهزة إلكترونية أخرى. فيلم "أنيمي أوف ستايت" )عدو الدولة (: هنا نرى الشخصية التي يجسدها جاك بلاك وهي تنظر إلى صورة ذات طبيعة أمنية وتستخدم تلك الخاصية النمطية التي تظهر بكثرة على الشاشة، وهي "تكبير حجم الصورة وتحسين جودتها". لكن العجيب أنه لا ينجح في تكبير الصورة دون الإضرار بمدى وضوحها فحسب، بل يتسنى له أيضاً تدويرها بشكلٍ أو بآخر في حيزٍ يظهر بالبعد الثالث. فيلم "تحت الحصار الجزء الثاني: أرض الظلام": كل شيء يبدو سهلا في هذا العمل، فلا داعي للقلق البتة إذا كنت تريد اختراق جهاز كمبيوتر، إذ أن الأمر لا يتطلب سوى واحد غيغابايت من وحدات الذاكرة. وقد كان ذلك كل ما احتاجته الشخصية التي جسدها الممثل إريك بوغوسيان لاختراق نظام معلوماتٍ ما. ففي العالم الذي يصوره الفيلم، تبدو القرصنة الإلكترونية بمثل هذه السهولة.مهارات قراصنة الإنترنت ليست "خارقة" كما نتخيل مسلسل "إن سي آي إس": نصادف في هذا العمل مشهدا اشتهر بوصفه بعبارة "أبلهان ولوحة مفاتيح واحدة"، وهو الذي اعتبره أكثر ما رأيته سخفاً وبعداً عن الواقع من تلك المشاهد التي صوّرت استخدام الكمبيوتر، ناهيك عن القرصنة الإليكترونية. ففيه نرى عميلين يكتبان على نحوٍ محموم على لوحة مفاتيح واحدة، وبشكل متزامن بهدف مواجهة قرصان إلكتروني، أخضع نظام المعلومات لسيطرته. ويتخلل ذلك ظهور نتف زاهية ومبهرجة من رسوم الغرافيك ورموز الكمبيوتر وهي تومض على الشاشة. فيلم "هاكرز" )قراصنة إلكترونيون (: ربما يشكل هذا العمل أحد أسوأ الأفلام التي أساءت تصوير عمليات القرصنة الإلكترونية، وذلك من حيث تقديمها باستخدام رسوم الغرافيك الخاصة بألعاب الفيديو. فنحن نسبح عبر مشاهد تُصوّر فيها بيانات بشكل مجسم، ونواجه "فيروساً شادياً" يصرخ طالباً المساعدة حينما يتعرض لهجوم. فيلم "غولدن آي" )العين الذهبية (: هنا أيضاً، تبدو الشاشة الخاصة بجهاز الشخصية التي يجسدها الممثل آلان كمينغ أشبه بإحدى شاشات ألعاب الفيديو. بجانب أن اختراق نظام معلومات كامل لا يتطلب من هذه الشخصية سوى استخدام أمر واحد من أوامر الكمبيوتر، وهو أمر يبدو أبعد ما يكون عن الواقع. "جوراسيك بارك": يتسنى هنا للشخصية التي تجسدها أريانا ريتشاردز أن تجلس على جهاز كمبيوتر في غمار هجومٍ لديناصور من نوع "فيلوسيرابتور"، بل وأن تتفوه بعبارة من قبيل "إنه نظام تشغيل يونكس. أعرف ذلك"، ثم تنجح بشكلٍ ما في اختراق كامل المنظومة الأمنية لـ"الحديقة الجوراسية" في غضون ثوانٍ، وهو ما يُمَكِنُها من السيطرة على الأبواب الأوتوماتيكية. مصدر الصورةUSA NetworkImage caption حظيت وسائل القرصنة الإلكترونية التي ظهرت في مسلسل "مستر روبوت" - سواء برامج التشغيل أو الأدوات التكنولوجية المستخدمة - بإشادة شركات أمن المعلومات والقراصنة الإلكترونيين الحقيقيين أيضا ورغم أن هذا المشهد كان مفعماً بالتوتر، فإن ما قامت به ريتشاردز كان يشبه ما يقوم به شخصٌ يُحمِّل برنامج تصفح للإنترنت على جهاز "ماك بوك"، ثم يقول "إنه متصفح سافاري (الذي يُستخدم بالفعل على هذه الأجهزة). أعلم ذلك"، ثم يمضي لاختراق الحساب البريدي لشخص ما على موقع "غوغل ميل" في ثوانٍ معدودات. ورغم أن غالبية المشاهدين سخروا من هذا المشهد ووجهوا له انتقادات لاذعة بسبب استخدامه رسوم غرافيك مجسمة، فالحقيقة تتمثل في أن بطلته استخدمت بالفعل برنامجاً حاسوبياً يُظهر الملفات بالبعد الثالث فعلا. لكن لماذا تُجسد أفلام هوليوود القرصنة الإلكترونية بشكل خاطئ تماماً؟ ثمة تفسيرٌ سهل لهذه النزعة، يتمثل في أن غالبية الكتاب والمخرجين والمشرفين على عمليات التنفيذ يعتقدون أنه من المستحيل تصوير مشاهد تُظهر عمليات قرصنة إلكترونية حقيقية على الشاشة على نحوٍ يجعل هذه المشاهد ذات طابع مسل وممتع في الوقت ذاته. ولذا يشاهد المرء على الشاشة رسوم غرافيك رديئة تشبه تلك التي تُستخدم في ألعاب الفيديو، وجماجم ورسائل توضيحية. ولكنني اختلف بشدة مع هذه الطريقة في التفكير.رجل روسي يعترف بتدبير قرصنة إلكترونية كلفت ضحاياه 500 مليون دولار فإذا كان المشهد بحاجة إلى إظهار رسوم غرافيك مبهرجة أو براقة أو غير دقيقة على شاشة كمبيوتر بهدف تكثيف الحدث الدرامي فيه، أو لتوضيح إحدى النقاط الخاصة بالحبكة الروائية، فإن ذلك يعني وجود مشكلة في النص. ففي مسلسل "مستر روبوت"، بذلنا قصارى جهدنا لضمان أن تكون دوافع الأبطال وكل ما تنطوي عليه المشاهد من مخاطر ورهانات واضحة للمتفرجين، حتى لو لم تكن لديهم أي فكرة عن كيفية عمل التكنولوجيا. أما إذا كنت مشاهداً على دراية بالتقنيات الخاصة بعمليات القرصنة الإلكترونية، فإن ذلك سيضيف لك ميزة إضافية تتمثل في قدرتك على التعرف على نقاط الضعف الفعلية التي يعاني منها الأبطال، وبيئات سطح المكتب الحقيقية التي تصورها الأحداث، فضلاً عن الجُمل الحوارية الواقعية المستخدمة والتي تناسب سياق مثل هذه العمليات. من بين الأمثلة النموذجية على ذلك، ما نراه في مستهل الحلقة الرابعة من الموسم الأول للمسلسل، عندما يشرح بطله إليوت خطته لاختراق نظام المعلومات الخاص بمؤسسة "ستيل ماونتين". فإذا كنت مجرد مشاهد عادي فستفهم أن هناك حاجة للتسلل إلكترونياً لمكانٍ ما لإتلاف بعض البيانات، وأن هذا العمل سيكون محفوفاً بالمخاطر ولكنه ضروري. مصدر الصورةUSA NetworkImage caption الممثل كريستيان سلايتر في دور "مستر روبوت" إلى اليسار، ويميناً رامي مالِك في دور "إليوت" أما إذا كنت قرصاناً إلكترونياً، فستميز دقة إليوت في استخدام حاسوب متناهي الصغر من طراز "راسبري باي"، وستدرك ملامح خطته الرامية لتدمير البيانات المُخزنة في الأرشيف بتقنية ما، عبر استغلال نظام التدفئة، والتهوية، وتكييف الهواء. لا شك في أن غالبية الأفلام والمسلسلات التلفزيونية لا تنعم بفريقٍ يكرس جهوده للوصول إلى هذا المستوى من الدقة الفنية والتقنية. أما في "مستر روبوت"، فنحن نحرص على جعل تلك الدقة التكنولوجية جزءاً لا يتجزأ من عملنا في مرحلة وضع الخطوط العريضة، تلك التي نحدد فيها تفاصيل ما سنتناوله من أحداث، وقبل حتى أن نبدأ في كتابة النص. القراصنة "يتفوقون في مجال الجريمة الإلكترونية" وخلال التصوير، نستخدم شاشات فعلية تُخط عليها رموزاً حقيقية، دون اللجوء إلى تصوير المشاهد على خلفيات خضراء أو زرقاء اللون "كروما" ثم إضافة المحتويات إليها بعد ذلك باستخدام برامج الغرافيك. فنحن نستخدم برامج حاسوب حقيقية بأقصى قدرٍ ممكن. ولديّ فريقٌ مدهش من القراصنة الإلكترونيين (رايان كازانسيان، وأندري ماكغريغور، وجيمس بلوفي) نستشيره في أحداث المسلسل. ونحن نُجرب كل هجوم إلكتروني قبل أن نضعه ضمن أحداث العمل. وما يميزنا عن غيرنا من الأعمال الأخرى هو ذاك الجهد الإضافي الذي يُبذل لضمان دقة تصوير كل التفاصيل، حتى البسيطة منها. ولا يشكل هذا الضرب من الدقة مبعث ارتياح للأوساط العاملة في مجال التكنولوجيا فحسب، بل إن له صدى كذلك مع الجمهور العادي. فبوسع من ليس لديهم خبرة بالأمن الإلكتروني، استشعار الدقة الفنية والتقنية في المشاهد التي يرونها، بل وبمقدورهم الحكم على ذلك أيضاً. ويقول هؤلاء إن مسلسلنا يبدو واقعياً بالفعل. لذلك، شكراً لكِ يا سيدة مينيغر، لأنك علمتينني - دون قصد - درساً ساعدني على تشكيل ملامح مسيرتي المهنية، وهو: لا تدع مشاهد القرصنة الإلكترونية تبدو كما لو كانت إحدى ألعاب الفيديو. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .
مشاركة :