كثر في الآونة الأخيرة استخدام وسائل التواصل في نشر الفضائح والسخرية والشماتة بالآخرين، حيث يستهجن العقلاء هذه التصرفات التي لا تمت لديننا بصلة، وهو ما يتطلب زرع الثقة، بحيث لا يكون الشخص سهل الإيحاء يصدق أي خبر، وكذلك إيجاد مواد تربوية في المدارس للتفكير المنطقي الناقد، إضافةً إلى رفع المستوى الثقافي والمعرفي للأسرة والتأكيد على دورها التربوي، إلى جانب إيجاد أنظمة تمنع الإساءة والتشهير بالآخرين، وتكثيف التوعية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وعبر المشاهير أو المثقفين بعدم تداول الأخبار غير الصحيحة، وعدم الخوض في النوايا. ثورة معلوماتية وقال عبدالرحمن العطوي -تربوي-: إن تنوع الثورة المعلوماتية وصولاً للكبير والصغير ذكوراً وإناثاً، وتعدد أشكال الأجهزة منها الظاهر ومنها المخفي أصبحت مرضاً خطيراً، حيث استخدمت من البعض استخداماً سلبياً، فبسببها كانت الفرقة والطلاق بين الأزواج، كذلك لقد شهّرت بآخرين بسبب مواقف خاطئة أو تصرفات ردة فعل، ووصل الأمر لاستخدمها كنوع من الابتزاز، مؤكداً على أن الأجدر وضع قوانين وضوابط لمن يسيء استخدمها. نقل ساذج وأوضح بدر عبدالعزيز أن لنشر الشائعات دوافع متباينة من مجتمع لآخر، ينقلها بعض الأفراد بسذاجة معتقدين بصحتها، أو يرونها مثيرة للفضول، وقد تستغلها جهات أو حركات بقصد الإيذاء لتحقيق مآرب سياسية من حرب نفسية وتهيئة للفوضى أو بإشعال نار العنصرية والتعصب، أو حتى لأهداف ربحية، مضيفاً أنه تلتقي كل هذه العوامل المتشابكة مع الغموض وعدم الشفافية من الجهات المعنية بنقل الأخبار والمعلومات، مبيناً أن الشائعات تنتشر في ظل غياب ما ينقضها من الحقائق، تغذيها قلة الوعي والإدراك الحسي من عدم التمييز بين ما هو منطقي وعلمي وقابل للنشر وبين ما لا يصح نقله وإشاعته، مؤكداً على أن الأسوأ من نشر الشائعات أن تكون ممزوجة بالشخصنة والقولبة والمشاحنات والألفاظ الخادشة والقصص أو الروايات الخارجة عن سياق اللياقة الأدبية، ناهيك عن الإنسانية حتى لو كانت حقيقية، فكلما سادت هذه العوامل أدت إلى تفكك النسيج المجتمعي، وهيأت لسلوك عنيف يظهر حالما تواتيه الفرصة، مشيراً إلى أنه تأتي المسؤولية على عاتق أهل الفكر والثقافة أولاً بمقاومة التأثير السلبي للمجتمع اللا واعي، وذلك بعدم الانزلاق في براثن انحطاطهم الأخلاقي، ومن ثم محاولة نشر الوعي بالتوجيه والسلوك، فالأخلاق لا تحتاج لإمكانات، والبذاءة لا تثبت وجهة النظر. أذية الآخرين وتأسف عبدالعزيز صالح لأن الكثير بالغ في استخدام التقنية بشكل خاطئ واستخدمها في أذية الآخرين، ولم يفكر في عواقبها السلبية على المتضرر، ومن هذة الاستخدامات السلبية التندر والسخرية و"الطقطقة"، والتي سببت الضرر الكبير النفسي والاجتماعي والأسري على الآخرين، حيث أصبحت مجالاً لمن يبحث عن التسلية والضحك وأحياناً الشماتة، ولا يفكر في سلبياتها؛ لأنه لو وضع نفسه مكان من يسخر منه لاختلف الوضع وعرف أن ذلك خطأ، مُشدداً على ضرورة أن لا ننجر خلف هذه التصرفات الصبيانية، وأن نحكم عقولنا، فديننا حثنا على فضائل الأخلاق وعدم الشماتة بالآخرين لأي سبب كان، وهنا يأتي دور البيت في التوجيه والشارع والمجتمع وقبل ذلك العلاج الذاتي ومحاسبة النفس قبل أن يحاسبك رب العباد على أفعالك. عالم مفتوح وتحدثت دينا السويركي -مرشدة أسرية تربوية وباحثة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة- قائلةً: في زمن طفرة التكنولوجيا التي استحوذت على اهتمام الناس من كافة الفئات ومن مختلف المستويات الثقافية، فلا تكاد ترى أحدهم إلاّ منجذباً كمغناطيس للأجهزة الذكية، متنقلاً ما بين فيس بوك، انستغرام، سناب شات، توتير، واتساب، مضيفةً أنه عالم مفتوح على مصراعيه ينتشر محتواه كالنار في الهشيم، وقد يتم توظيفه بشكل مؤذ ومسيء من قبل بعض الأفراد، حيث يتفاعل مع ما يصله خلالها من أخبار ومقاطع وتهديدات بالضحك والسخرية والهوس بالمشاركة وإعادة النشر، بل وتسجيل مقطع يحلل فيها الموقف من وجهة نظره، ويضيف عليها دون التثبت والتحقق من الأمر، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، وقد يكون هذا بسبب انعدام الرقابة الذاتية -الإنسان على نفسه بصيراً-، وكذلك ضعف الوازع الديني، وقلة الوعي، مُشددةً على أن دور الفرد مهم جداً في إيقاف ما يصله، وأن لا يساهم في إثارة الفوضى والبلبلة؛ لأنه قد يكون غرض مروجيها التشفي والتشهير بصاحبها وتشويه سمعته، وهذا ينافي مقاصد الشريعة وتعاليم الإسلام وفيه تعدٍ وانتهاك خصوصية يؤثر سلباً على طمأنينة الفرد واستقراره النفسي والأسري، موضحة أنه للحد من ذلك لابد من وجود وازع ديني قوي ومعرفة بمقاصد الشريعة وتعاليم الدين -لا ضرر ولا ضرار-، كذلك لابد من إعادة النظر في طريقة الاستخدام والتعامل بحذر ومسؤولية مع ما يصلهم، وعدم المساهمة في نشره حتى لا يحمل وزر أحد، مُشددةً على أهمية دور الإعلام سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً في الحد من هذه الظاهرة، والمناداة بالقضاء عليها عبر المساءلة القانونية، إضافةً إلى ضرورة فرض عقوبات صارمة تحمي الأفراد وتردع من ينشر أو يروج لمثل ذلك، مع أهمية تتبع المصدر. شخصية سيكوباتية وقالت د. فاطمة فتح الدين -مستشارة أسرية نفسية-: إن الشخصية التي تشهر بالناس وتسخر منهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي شخصية سيكوباتية، ناقمة على المجتمع، تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية والأبعاد الاجتماعية والنفسية، مضيفةً أن الشخصية التي تشهر بالآخرين تعاني من بعض العقد النفسية منذ الطفولة، ومن الأساليب التربوية الخاطئة، وكذلك الشعور بالنقص والدونية. وسهولة نشر المعلومات والوصول إلى أكبر عدد من الناس للتسلية والفكاهة، إضافةً إلى صعوبة التعرف على ناشر المعلومة أو منعه من نشرها ورغبة في الانتقام والحصول على مصالح شخصية. مبينةً أن من آثارها النفسية والاجتماعية الخصومة والبغضاء بين أفراد المجتمع، وإشاعة الفاحشة وتجاوز الأعراف والآداب العامة، وإثارة الفتن وتفكك المجتمع، وكذلك تدمير النظام القيمي والأخلاقي، وتضعيف الجبهة الداخلية للمجتمع، وإظهار مشاعر الإحباط والعدوان والعزلة، وإعطاء صورة للعالم الخارجي بأن مجتمعنا متفكك ومتناحر. وعن طرق العلاج والوقاية أكدت على أنه تتمثل طرق الوقاية في زرع الثقة، بحيث لا يكون الشخص سهل الإيحاء يصدق أي خبر، وإيجاد مواد تربوية في المدارس للتفكير المنطقي الناقد، وكذلك رفع المستوى الثقافي والمعرفي للأسرة، والتأكيد على دورها التربوي، إضافةً إلى إيجاد أنظمة تمنع الإساءة والتشهير بالآخرين. كثرة الشائعات وأوضح خالد المطيري -أخصائي نفسي- أنه في الآونة الأخيرة ومع توفر الأجهزة الذكية وتطبيقات السوشل ميديا في أيدي الصغير والكبير، كثرت السخرية من قبل المجتمع على أي مقطع أو خبر يتداول، لتنطلق خلفه التاقات. وتأتي الردود ما بين مهاجم ومؤيد دون التريث والتأكد من القصد والحقيقة، ولتكثر الأقاويل والشائعات وتصبح قضية رأي عام، ويدخلون في نوايا صاحب الموضوع، متأسفاً على أن الأغلبية تهاجم دون إثبات على الشخص، ليكتسح المراهقون تلك المشاركات، ثم يصمت العاقل والمثقف ويتريث حتى يتأكد من القصد أو يأتي تصريح رسمي حكومي. وللأسف يكون متأخراً، ويوضح كل التفاصيل وينعكس ذلك سلباً على نفسية صاحب الموضوع، مما يجعله يدخل في نوبة قلق أو توتر؛ لأنه لا يعلم إلى أين سيصل به الحال بعد أن أصبح هو وموضوعه قضية رأي، خوفاً من أن يصدر ضده عقوبة حكومية، ناهيك عن وصول المشكلة إلى مستوى الأسرة، والتي ستضطرب حتماً، كذلك في العمل، مُشدداً على أنه لكي نحد من انتشار السخرية والشماتة بالآخرين لابد من تكثيف التوعية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، مثلاً عبر المشاهير أو المثقفين أو من يملكون متابعات بأعداد كبيرة وإطلاق هاشتاقات بعدم تداولها أو التعليق أو التفسير لمقطع متداول، وعدم الخوض في النوايا، وأن تضع نفسك أنت أيها المغرد في مكان صاحب الموضوع المتداول، مؤكداً لو كل منّا أوقفها عنده لما انتشرت، لكن للأسف نتساهلها، ثم تتداولها القروبات وما شابه ذلك وتصبح بين يدي كل من يملك جهازاً ذكياً. عبدالرحمن العطوي عبدالعزيز صالح بدر عبدالعزيز خالد المطيري
مشاركة :