أكدت الناقدة الدكتورة علياء العمري أن مفهوم الاغتراب يعد أحد المفاهيم الشائكة والمثيرة للجدل في التراث المعرفي والنظري المعاصر لعلم الاجتماع، لما يعتريه من لبس وغموض وتضارب في التفسيرات والمقاربات والدلالات. وأوضحت في سياق جلسة الحلقة النقدية بنادي جدة الأدبي مساء أمس الأول (الثلاثاء)، تحت عنوان «خطاب الاغتراب في الرواية السعودية»، أن الاغتراب من المفاهيم المحورية في الفكر الاجتماعي، حيث يتناول إشكالية الفكر الإنساني مع الذات والحقائق المحيطة بها، ويحتاج إلى الكثير من الإيضاح والبحث والتأطير والنحت، لفهمه وتحليله وتأويله وتحديد مضمونه وملامحه.وأشارت العمري إلى أنه من خلال قراءة خطاب الاغتراب وتحليله في عدد من الاقتباسات بمجموعة روايات سعودية، ينصب الاهتمام على فهم أبعاد الاغتراب وملامحه في ضوء عدد من الأطر النظرية الاجتماعية التي تهتم بالنص وصناعة المعنى، وما إذا كان الاغتراب حالة ذهنية تسيطر على النص ومؤلفه والعقل الجمعي في آن واحد.وشهدت الحلقة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدة من الحضور، كان من أبرزها للناقد الدكتور سعيد السريحي والناقد على الشدوي والدكتور عبدالله الخطيب وعبده خال وسعيد فرحة، صالح فيضي، يوسف العارف، والدكتور عبدالعزيز الطلحي ونبيل زارع.وفي ورقة نقدية قدمتها حول خطاب الاغتراب في عدد من الروايات السعودية، قالت علياء أن الورقة ستقدم ثلاثة محاور للتحليل: الأول (خطاب النفي والمنفى)، ويعنى بمعالجة خطاب الاغتراب كحالة اجتماعية وجدانية، وتبرز بعض ما ينتجه من خطابات أو يضفيه من معاني على البناء الاجتماعي، ثم تتجه تحت عنوان (خطاب النكوص) إلى فهم الاغتراب العقائدي، حيث ينطلق التحليل في هذه الزاوية من السياق الزمني والتاريخي للوقائع الاجتماعية، وتنتهي بمناقشة الكيفية التي تتم بها صناعة المعاني داخل الخطاب، متعرضين لخطاب الصدمة الاجتماعية ودوره في صناعة الهوية المشكلة لملامح الاغتراب.وأوضحت العمري أن التغير الاجتماعي الذي حل بالقرى الجنوبية وما صاحبه من مدنية فرضت على النساء التزام المنزل وعدم المشاركة في الفضاء العام، كما كان متاحا لهن سابقا بالعمل في الحقل ومشاركة الرجل في الأنشطة الاجتماعية والاحتفالية، دفع إلى خلق خطاب الانتماء وفقدان الهوية، كحالة تجسد الحنين لحياة سابقة في زمن مستلب، زمن كان عرضة للتغير الاجتماعي والثقافي، وجاء محفزا على الاغتراب والفقد في متن الخطاب الروائي، مشيرة إلى دلالة جملة «ظلام الجاهلية» المحملة بالسخرية في وصف القرى الجنوبية التي كانت تتمتع بانفتاح ثقافي مغاير ذي خصوصية تميزه عما كان سائدًا في المجتمعات المحيطة، حيث كان يرتبط هذا الانفتاح بنمط الحياة الاجتماعية والبيئة الجغرافية السائدة.وأشارت علياء إلى أن الحنين لجماليات القرية بما تحويه من ملامح ثقافية متنوعة يكاد يكون حكرا على زمن سالف تختلف بواعث الاحتفاء به والحنين إليه باختلاف الوعي والطبقة الاجتماعية. وقالت: إذا ما عدنا إلى خطاب الاغتراب بصوره المتعددة في الروايات التي تم تناولها في هذه الورقة، فيمكن لنا فهم الكيفية التي تمت بها صناعة المعنى من خلال ارتباطها بالتاريخ والواقع الاجتماعي، حيث تنتج الخطابات خطابات مضادة للسلطة المهيمنة على المجتمع، سواء كانت تتمثل في الأفراد أو الجماعات أو البناء الاجتماعي ككل. فالهجرة أو الهروب المؤقت شكلا خيارا اتجه له بعض أبطال الروايات لمواجهة حالة الاغتراب المتمثل في فقدان الهوية وفقدان السيطرة على الواقع. وبالرغم من أن بعض الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن الهجرة مقترنة بالأزمات الاقتصادية والسياسية والطبيعية، بما يخلق حالة من الاغتراب في مجتمع المقصد، إلا أن النصوص الروائية تنتج خطابا مغايرا تصاغ فيه المعاني بعكس نتائج الدراسات الإمبريقية (التجريبية)؛ فالرحيل والهجرة يعبران عن حالة وجدانية فردية لأفراد يشعرون أن استحالة العيش في مجتمعهم قوة يفرضها عليهم واقعهم الاجتماعي بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والسياسي.وأضافت علياء أن الهوية تلعب دورا محوريا في صناعة المعاني لتمثيلات الاغتراب، فهي المحدد لحالة الاغتراب سواء لمن انتموا للفكر المتشدد أو لمن عانوا من التشدد والإقصاء أو لمن عانوا من العزلة الذاتية أو فقدان السيطرة على الواقع في النصوص الروائية.
مشاركة :