لم يكن اسم «جوليان أسانج» مشهوراً قبل أن يكشف وثائق سرية خطيرة أمريكية من خلال الموقع الذي أسسه «ويكيليكس» والذي أفزع الدوائر الأمريكية، وجعله مطالباً يحتل الرقم الأول من قبل أمريكا، ثم لحقه بعد ذلك «إدوار سنودن» الذي عمل مع وكالة المخابرات المركزية والذي فضح مراكز التجسس الأمريكي على الحلفاء، والأصدقاء والأعداء مما أضاف زلزالاً هائلاً عندما نشرت صحيفتا «الجارديان، والواشنطن بوست» تلك الوثائق، ونفس الأمر أصبح مطارداً قبل أن يختار اللجوء لعدو المواجهة الروسي، ويحل ضيفاً عليها كأكبر كنز بعد حروب التجسس الشهيرة بين الاتحاد السوفيتي ودول حلف الأطلسي. الأستاذ محمد حسنين هيكل، استخدم أرشيف مخابرات مصر الذي احتكر الكثير منه ليقوم بتصفية حسابات مع أولاد أمين ثم مع السادات بروايات شكك البعض بها وآخرون رأوها من خيالاته لأنه لم يوثق تلك الروايات بمستندات قابلة للتصديق والتكذيب، ثم رحل للأموات الملك فيصل بن عبدالعزيز، والملك الحسن الثاني ملك المغرب، ثم الملك حسين الذي اتهمهم كلاً حسب رواية خاصة، ولذلك كان من يملك الوثيقة سواء صادقة أم مدسوسة ويوظفها لأهداف شخصية، يجعلها وسيلة حرب على خصومه. اعتادت في فترات متفاوتة أن تنشر الدول وثائقها السرية، ويأتي بعضها محرجاً للدول والحكومات، وكيف تم بواسطة وسائل متعددة الحصول على المعلومات، ودور السفارات والأجهزة المزروعة من قبل العملاء، لكن ما كان مثار جدل ما دار بين الجاسوسية الإسرائيلية والعربية، وتحديداً مصر وسورية سواء بزرع عملاء، أو تعاون بين مخابرات إسرائيل وأمريكا، لكن حادثتين مهمتين في هذا الإطار كانتا حدثاً مدوياً حين استطاع «ايلي كوهين» الذي خدع السوريين بأنه مهاجر سوري للأرجنتين، وكان تاجراً استطاع من خلال الجالية هناك أن يغوص بها إلى درجة إنشاء صداقات مع السفارة السورية التي أعطته الإذن بهجرته لبلده الأصلي ثم الأدوار التي لعبها داخل صانعي القرار وضباط الجيش ويرسلها إلى إسرائيل إلى أن تم كشفه ثم إعدامه. رأفت الهجان أو (رفعت جمال) جاسوس مصري عمل عدة سنوات وقدم معلومات غاية في السرية من الأوساط الإسرائيلية، وبعد إنكارها أو قبولها بهذه الحقيقة اعترفت بها وقد سجل بطلاً قومياً مصرياً وعربياً وصدرت له عدة مسلسلات، تماماً كما أصبح «كوهين» هو الآخر يأخذ نفس الحجم والتكريم والبطولة من قبل بلده. القياس على هذه الأحداث كثيرة جداً، ومع انتشار التقنيات الحديثة أصبح سيل معلومات التجسس والتوثيق بالصوت والصورة، لا يتعلق بمبارزات الدول مع بعضها بل أصبحت غرف النوم داخل البيوت فضاءً مفتوحاً لهواة يستطيعون اختراق أسرار الناس، وهنا التحدي الخطير بين من ينتج الجهاز (ويبرمجه) بوسائله الخاصة، ومن يستخدمه في براءة الحمل والقضية أصبحت حرب عقول بين من يسرق المعلومة، ومن يجهز العقول المضادة في أمن المعلومات حتى أننا نجد من بين عناصر الإرهاب في الوطن العربي من يستخدمون هذه الوسائل في التضليل والتسرب إلى داخل المواقع المستهدفة، وبالتالي فميزان الرعب لم يعد أسلحة دمار شامل، وإنما جني المعلومات وتحليلها ورسم السياسات والأهداف عليها.
مشاركة :