بطاركة الشرق الكاثوليك: نحتاج عملا مشتركا لتأمين وجودنا في أوطانناالتشدد الديني والطائفي الذي ارتفع صوته في السنوات الأخيرة في العالم العربي الإسلامي، وضع في قائمة أهدافه الحضور المسيحي العريق في المشرق العربي، وأصبحت المكوّنات المسيحية العربية مستهدفة في وجودها ومعالمها وآثارها، وطال هذا الاستهداف، الذي تفاوتت حدته من بلد إلى آخر، العديد من الأقطار العربية، من العراق إلى سوريا وصولا إلى مصر وغيرها من الأقطار. وضع فرض على العديد من الفاعلين، مسيحيين ومسلمين، إيلاء القضية ما تستحقه من عناية حماية للتعدد في المنطقة العربية. في هذا الإطار نظم انطلاقا من الأربعاء مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك مؤتمر “الأوضاع الكنسية والسياسية لبلدان الشرق الأوسط”.العرب [نُشر في 2017/08/10، العدد: 10718، ص(13)]التاريخ شاهد على فعالية الحضور المسيحي الديمان (لبنان) - افتتح مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك صباح الأربعاء التاسع من أغسطس 2017 في المقر الصيفي للكرسي البطريركي الماروني في الديمان (لبنان) مؤتمره السنوي الخامس والعشرين حول موضوع “الأوضاع الكنسية والسياسية لبلدان الشرق الأوسط”، بمشاركة السفير البابوي غبريللي كاتشا، المونسنيور باسل يالدو، والبطاركة مار بشارة بطرس الراعي، آرام الأول كيشيشيان، أغناطيوس يوسف الثالث يونان، مار لويس روفائيل الأول ساكو، كريكور بدروس العشرون، إبراهيم إسحاق سدراك، يوسف الأول عبسي، مار اغناطيوس إفرام الثاني، المطران باسيليوس منصور ممثل البطريرك يوحنا العاشر اليازجي، القس سليم صهيون، أمين سر المجلس الأب خليل علوان، المطارنة وليم شومالي، حنا رحمة وحنا علوان. بعد افتتاح المؤتمر أشار البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى أن “آثار المناسك والأديار فيه ما زالت شاهدة بحجارتها ومغاورها وكهوفها. لكن الحياة الروحية والراعوية متواصلة في الأديار والرعايا التي تتوزع على ثلاثة أقسام من هذا الوادي المقدس: دير مار إليشاع في وادي قاديشا، والكرسي البطريركي في وادي قنوبين، ودير مار أنطونيوس في وادي قزحيا، بالإضافة إلى محبستين حيث يعيش ثلاثة حبساء من الرهبانية اللبنانية المارونية، محافظين على تقليد قديم لم ينقطع”. حرص البطريرك الراعي على الإشارة إلى تاريخ الحضور المسيحي في المنطقة، وفي لبنان بالتحديد، وقال “في كرسي وادي قنوبين عاش بطاركتنا من سنة 1440 إلى 1823، في زمن العثمانيين، مرتضين شظف العيش وصعوبة التنقل ووعورة المكان، حفاظا على إيمانهم الكاثوليكي واستقلاليتهم. وقد أتوه من سيدة إيليج في ميفوق حيث عاشوا من سنة 1121 إلى 1440، وقبله في يانوح من جبة المنيطرة من سنة 949 إلى 1121. عاش في وادي قنوبين سبعة عشر بطريركًا ودُفنوا في مغارة القديسة مارينا.المهم أن نحافظ على وجودنا في هذا المشرق كحماة لجذور المسيحية العالمية، ونحن لسنا أقلية في منطقتنا وانتقل البطاركة من وادي قنوبين إلى الديمان سنة 1823 حيث استأجروا بيتا على مشارف الوادي، ثمّ بنى البطريرك يوسف حبيش كرسيا بطريركيا على اسم مار يوحنا مارون، وهو مخصّص حاليا لنشاطات النيابة البطريركية الراعوية. وفي سنة 1905 بنى البطريرك إلياس الحويك الكرسي الحالي الذي يجمعنا. ثم استكمله البطريرك أنطوان عريضة ببناء الكنيسة ورسـوماتها وهمـا تقـدمـة من شقيقـه رشيد عريضة، بالإضافة إلى جناح البطريرك”. دور المكوّن المسيحي في لبنان، سواء في تثبيت التنوع أو في تأسيس الدولة الحديثة كان حاضرا في كلمة الافتتاح التي تلاها الراعي، “كان البطاركة في كل هـذه المحطات التاريخية يسيرون أمـام شعبهم، يحافظون عليه ويحامون عنـه، ويشـدون أواصـر وحدته، ويشجعونه على الثبات في الإيمـان والصمود أمام المحن والصعوبات، متعاونين مع مكوّنات البلاد، حتى وصلوا إلى تكوين دولة لبنان التي تتميز بخصوصيّاتها بين بلدان الشرق الأوسط، وأُعلنت في أول سبتمبر 1920”. وتفاعلا مع ما يسود المنطقة العربية من مظاهر تشدد وغلو أضاف الراعي “سردتُ هذه اللمحة التاريخية كمدخل إلى الموضوع الذي نتدارسه في مؤتمرنا، وهو “الأوضاع الكنسية والسياسية لبلدان الشّرق الأوسط”. إننا نعيش نتائج حروب في العراق وسوريا، أوجدت حروبا أهلية سياسية ومذهبية، شاركت فيها وأذكتها منظمات إرهابية بمساندة من دول نافذة. وبالنتيجة هدمت وقتلت وشردت الملايين من السكان الآمنين. ومُنيت كنائسنا بخسارة العديد من أبنائها وبناتها ومؤسساتها. ولسنا نعلم ما ستؤول إليه الأوضاع السياسية عندنا. سنستعرض في جلساتنا كل هذه الأمور ونتبادل القراءات بشأنها”.كان البطاركة في كل المحطات التاريخية يسيرون أمام شعبهم يشدون أواصر وحدته، حتى وصلوا إلى تكوين دولة لبنان الدور المسيحي في المنطقة بكل ما يمثله من أهمية حضارية وتاريخية، وأيضا في مجال الحفاظ على التنوع الديني، كان حاضرا في كلمة الراعي، وسيكون أيضا مبحثا مركزيا في جلسات المؤتمر، حيث شدد الراعي على أن “المهم والأساسي أن نحافظ على وجودنا الكنسي والمسيحي في هذا المشرق كحماة لجذور المسيحية العالمية. نحن لسنا أقلية في منطقتنا، ولا ينطبق علينا مفهوم الأقلية: فتاريخيا نحن هنا منذ ألفي سنة، قبل الإسلام بأكثر من ستمئة سنة؛ ولاهوتيّا نحن جزء من جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة. مطلوب منا أن نتذكر مع شعبنا معنى وجودنا، ولو كان قليل العدد، بحسب قول الرب يسوع، وهو أن نكون “كالخميرة في العجين” و“كالملح في الطعام” و“كالنور أمام الناس”. وفي هذا الوقت، نحتاج إلى مزيد من التعاون والعمل المشترك على كل صعيد من أجل تأمين عيش كريم لأبناء كنائسنا على أرض أوطاننا”. وختم مار بشارة الراعي بالقول “تبقى كلمة الرب يسوع في ظروفنا المؤلمة، التي وضعناها عنوانا لمؤتمرنا، كلمة الرجاء والصمود: “سيكون لكم في العالم ضيق، لكن ثقوا، أنا غلبت العالم”. يذكر أن مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، حسب ما ورد في تعريفه بموقعه الرسمي، هو “علامة وأداة تعاون بين البطاركة الكاثوليك واتحاد بين الكنائس الكاثوليكية الشرقية ضمن الكنيسة الجامعة”. ويقع مركز مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك البطريركية المارونية في بكركي لبنان ويمكنه أن يعقد اجتماعاته في أي مكان آخر. كما أشار المركز إلى أن أهدافه هي، التفكير معا في وضع الكنائس الكاثوليكية في الشرق لتعزيز الحياة المسيحية. وتنسيق النشاط الراعوي بين الكنائس الكاثوليكية الشرقية. وإفساح المجال أمام الكنائس الكاثوليكية الشرقية للتعبير عن رأيها ولتدارس القضايا المتعلقة بأبنائها المؤمنين وبلدانهم. وتأكيد أولوية مستقبل المسيحية في الشرق، في ضمير الكنائس الشرقية نفسها وفي اهتمام الكنيسة جمعاء، ولدى المراجع الوطنية والدولية. وتوطيد العلاقة بين المؤمنين في بلاد الانتشار وكنائسهم الشرقية. وتشجيع الحوار المسكوني والحوار بين الأديان. وتأمين مشـاركة الأسـرة الكاثوليكية مشاركـة فعالة في أعمال مجلس كنائس الشرق الأوسط. والعمل على توطيد العدالة والسلام والإنماء واحترام حقوق الإنسان، وخاصة المرأة والأسرة، سواء في بلداننا، أو في العلاقات بين الشعوب.
مشاركة :