في الوقت الذي يواجه فيه اللاجئون إلى ألمانيا صعوبات كبيرة تقف في وجه اندماجهم، كاللغة وإيجاد موطئ قدم في سوق العمل مثلاً، قرر مركز ثقافي-اجتماعي في مدينة كولونيا اسمه ".Bürgerzentrum Alte Feuerwache Köln e.V" بناء "مرحاض إسلامي" في مقره، مما أجج الرأي العام أكثر وأكثر ضد اللاجئين والمسلمين. فقد أثار القرار ردود فعل بين استنكار ورفض شديدين واستغراب وسخرية. وبعدما نشرت صحيفة "إكسبرس" بكولونيا يوم أمس الأربعاء (التاسع من آب/أغسطس 2017) الخبر، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالنبأ واشتعلت بالتعليقات والمشاركات. "جزء من ثقافة الترحيب" في إطار تبرير المركز لحيثيات قراره، يقول كونراد مولر من إدارة المركز في تصريح صحفي: "نحن نريد إعطاء الناس المنحدرين من البلدان المسلمة الشعور بأنهم في بلدهم". ويؤكد مولر أنه سيتم "تركيب خرطوم مياه بالمرحاض أو على الأقل وضع إبريق ماء به". ويمضي قائلاً: "ومن غير المقبول التغوط باتجاه مكة (القبلة)"، حسب ما نقل الموقع الإلكتروني لمجلة "فوكوس" الألمانية، التي وصفت تصريحه بأنه "يحمل بعض الوقاحة". ويقول مجلس إدارة المركز في تصريح لصحيفة "بيلد" إن بناء المرحاض المذكور هو "جزء من ثقافة الترحيب". وأردف عضو آخر من مجلس الإدارة، وهو هانس-غيورغ لوتسينكيرشن، في تصريح للصحيفة: "بهذه الطريقة سيكون بوسع الألمان تعلم بعض الشيء عن الثقافات الأخرى". والمركز، الذي تأسس عام 1977، يركز على القضايا التربوية والثقافية والفنية والسياسية غير المرتبطة بحزب معين وكذلك على الأشغال اليدوية. ويضم مقر المركز مكاتب وقاعات لورش عمل وتقام فيه فعاليات من مختلف الأنواع. "تقزيم لقضايا المسلمين"! يقول المكلف بقضايا "الحوار والكنيسة" في "المجلس المركزي للمسلمين"، أحمد عويمر، في تصريح خاص بـDW عربية إن الخطوة تأتي "انسجاماً مع سياسات الكثير من المراكز الثقافية والاجتماعية، التي تضع في بالها على الدوام إعطاء الناس من مختلف الخلفيات فرصةً للتواصل واحترام خصوصياتهم وثقافاتهم". ويرى عويمر أن التفكير في الآخر "شيئاً إيجابياً" بحد ذاته، ويخلص إلى أن مبدأ التفكير ذلك "صائب". غير أن المكلف بقضايا "الحوار والكنيسة" في المجلس المركزي للمسلمين يعود ويستدرك أن قضية المرحاض ليست من "الضرورات الملحة ولا من الأولويات وفيها تقزيم لقضايا المسلمين"، وبالتالي فهي "لا تستحق كل هذه الإثارة"؛ إذ إن هناك قضايا أكبر تتطلب منا جميعاً "تكاتف الجهود". وسألناه عن أمثلة لتلك الأولويات، فأجاب: "تعليم مئات آلاف من اللاجئين اللغة الألمانية وتدريبهم وتأهيلهم مهنياً، زرع وتكريس ثقافة الاحترام المتبادل". ويرى عويمر في تناول وسائل الإعلام الألمانية للقضية دليلاً على "عدم الاحترام، وفيه للأسف أيضاً بعض من العنصرية". ويدعم المركز المذكور قضايا الأقليات والمهاجرين وحقوق الإنسان والتعددية الثقافية. مرحاض يراعي "الخصوصية الثقافية"كتبت صحيفة "بيلد" عنواناً يقول: "ولاية ألمانية تمول بناء مرحاض للمسلمين يراعي خصوصيتهم الثقافية". ويستنتج عويمر من النقاش المستعر في المجال العام الألماني حول المسألة و"تحويل قضية مرحاض لا يكلف مئة يورو إلى قضية كبرى في الإعلام أن جزءً من المجتمع، وليس كل المجتمع، واقع في مرض الإسلاموفوبيا"، ويضيف مستغرباً: "مجرد مرحاض صغير يثير كل هذا الضجة. ماذا لو بني مسجدٌ أو أشياء أكبر من ذلك للمسلمين، ماذا هم صانعون!". والجدير ذكره أن مجلس مدينة كولونيا وافق في تموز/ يوليو الماضي على تكلفة صيانة أحد صالات المركز بقيمة بلغت 1.2 مليون يورو. وحسب الخطة تكلف عملية بناء المرحاض "الإسلامي" في الصالة 100 يورو إضافية. ويضم المركز ستة أبنية ضخمة يتوسطها فناء تبلغ مساحته 2500 متر مربع. وتقام في المركز أنشطة لدعم اللاجئين، فهو به مقهى ثقافي وينظم دورات تعليمية وأمسيات طبخ مشتركة وغيرها. وبخطوته تلك يريد المركز إظهار "انفتاحه" على المسلمين. توظيف انتخابي وجد بعض الفاعلين السياسيين في قضية المرحاض فرصة "لا تعوض" لرفع أسهمهم ورصيدهم في الشارع الألماني قبيل الانتخابات التشريعية العامة المزمع إجراؤها في الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول المقبل. إحدى المرشحات من ولاية هيسن على قائمة "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، غردت متهكمة على تويتر: "بعد قضية تبول المرأة وهي واقفة، الآن تخرج علينا قضية مرحاض للمسلمين...يبدو أنه ليس لدينا مشاكل أخري في بلدنا". مرشح آخر لمجلس النواب الألماني (بوندستاغ) عن "حزب البديل" أيضاً، غرد ساخراً من عبارة هانس-غيورغ لوتسينكيرشن: "بهذه الطريقة سيكون بوسع الألمان تعلم بعض الشيء عن الثقافات الأخرى". مغرد آخر كتب: "عندما يتم تسويق حفرة التغوط على أنها تقدم، فأنت في ألمانيا ميركل". سألنا المكلف بقضايا "الحوار والكنيسة" في "المجلس المركزي للمسلمين"، أحمد عويمر، عن رأيه بهذه النقطة تحديداً، فأجاب: "ربما تريد بعض الجهات، المنطلقة من خلفية إسلاموفوبية، توظيف ذلك انتخابياً. هذا الأمر وارد. لكني لا أعتقد أن الأحزاب الديمقراطية قد تقوم بذلك، وأتمنى ألا تقع في ذلك المطب".
مشاركة :